أخبار

بنت الشاطيء وحفيدة علماء الازهر ..عائشة عبدالرحمن

تقرير: مصطفي فرحات 
هى عائشة عبدالرحمن أو قل عيشة عبدالرحمن أو بنت الشاطئ كما سمت نفسها أو كما أطلقوا عليها ، استحقاقها لهذه المكانة التى حصلت عليها لم يكن من فراغ ، وهل فى ذلك شكٌ ؟! ، فالريادة والتقدم لا يأتيان من فراغ بل إنهما يحتاجان لمزيد من الاجتهاد والمثابرة ، كذلك البيئة التى ينشأ فيها الإنسان أحد العوامل التى تساعده على ذلك .
ولقد كان للبيئة التى نشأت فيها " بنت الشاطئ " واسمحوا لى أن أستخدم هذا اللقب لأن نفسى تميل إليه لأنه كان من أحب ألقابها إليها ، فلقد نشأت فى بيئة دينية وكانت حفيدة لعلماء بالأزهر الشريف .
وتلقت تعليمها البدائى فى كتاب القرية فحفظت القرآن الكريم ، وعندما طلبت من والدها الذهابَ إلى المدرسة رفض لا لشئ إلا أن تعاليم الأسرة لا تسمح للبنت بأن تذهب إلى المدرسة . وهنا كادت أن تخفق لولا أن لها هدفاً تصبو إليه وتريد أن تصل إليه ، فقررت أن تعلمَ نفسضها بنفسها فى البيت ، وبالفعل عندما يملك الإنسان عزيمة قوية وإرادة حتماً سيصل إلى ما يريد بلا شك فكانت تتدخل الإمتحان وتتفوق على زميلاتها الائى يذهبن إلى المدرسة .
ثم تدرجت بنت الشاطئ فى المراحل التعليمية حتى حصلت على شهادة المعلمات فكانت الأولى على القطر المصرى ، ثم حصلت على الثانوية العامة لتلتحق بكلية الأداب جامعة القاهرة قسم اللغة العربية فتحصل على الماجستير ثم الدكتوراة ، بمساعدة أبيها الذى رفض فى البداية أن يلحقها مثل سائر زميلاتها بالمدرسة ، فأدرك أنه سيرتكب خطأ كبيراً عندما يكبح جماح طموحها .
كانت بنت الشاطئ نموذج مشرف للمرآة المسلمة التى استطاعت أن تزين نفسها بالإسلام ، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إنها أصبحت أستاذة للتفسير وعلوم القرآن فى عدد من الكليات الشرعية فى المغرب وأم درمان والخرطوم والجزائر وبيروت وجامعة الإمارات والرياض .
فنحن إذاً لسنا أمام إمرآة عادية بل نحن أمام إمرآة تعيد إلى أذهاننا علم السيدة عائشة وفصاحة الخنساء وغيرهم . فمن طفلة تحبو على شواطئ دمياط إلى عالمة بالفقة والحديث والتفسير وعلوم اللغة ، وباحثة وناقدة أدبية .
ولم يكتف عطاء بنت الشاطئ على ذلك ، فإلى جانب تعليمها لأصول الفقة والحديث والتفسير اهتمت أيضاً بمهنة الصحافة وأولتها عناية كبيرة . فقد اشتغلت فى مجلة النهضة النسائية ، كذلك عملت فى جريدة الأهرام وكان ثانى امرآة تشتغل بالأهرام بين مى زيادة وكان لها مقال أسبوعى . واستغلت هذه المهنة للدفاع عن المرآة والذود عنها ومحاربة الأفكار الهدامة أشهرها مقالها عن البهائية وعلاقتها بالفكر الصهيونى .
 فخلّفت وراءها سجلاً مشرفًا من السجالات الفكرية التي خاضتها بقوة؛ وكان أبرزها موقفها ضد التفسير العصري للقرآن الكريم ذودًا عن التراث، ودعمها لتعليم المرأة واحترامها بمنطق إسلامي وحجة فقهية أصولية ،  وموقفها الشهير من البهائية وكتابتها عن علاقة البهائية بالصهيونية العالمي.
ولم يكتف عطاؤها عند هذا الحد بل امتد ليشمل الكتابة والتأليف ، فلقد خلفت ورائها إرثاً فكرياً وعلمياً كبيراً تُحسدُ عليه . تركت بنت الشاطئ مؤلفات كثيرة فى الفقه والتفسير والتاريخ الإسلامى مثل ( القرآن وقضايا الإنسان) ، ( القرآن والتفسير العصرى ) ، ( الاعجاز البيانى للقرآن ) . وفى التاريخ السيرة تركت كتباً كثيرة منها ( أم النبى ) ، ( نساء النبى ) ، ( بنات النبى) ، ( تراجم سيدات بيت النبوة) . وفى المجال الأدبى تركت ( مع أبى علاء المعرى) ، (سر الشاطئ ) ، ( أرض الشر ) .
كان واجباً بعد كل هذا العطاء أن تكلل جهود تلكم العظيمة القدر والمقام بالنجاح والتقدير ، ولم يفت الدولة ذلك اعترافاً منها بحقها ، فحصلت بنت الشاطئ على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام (1978) ، وجائزة الحكومة المصرية فى الدراسات الاجتماعية والريف المصرى عام ( 1956) وجائزة الكفاءة الفكرية من المغرب ، وجائزة الملك الفيصل . وكانت أول إمرآة تُكرَّم من قبل مجمع البحوث الإسلامية .
كانت بنت الشاطئ مثالاً مشرفا للمرآة المصرية ، التى استطاعت أن تتغلب على عرف مجتمعها ولكن فى نطاق العرف ونطاق الدين ، لذلك خرجت لنا بنت الشاطئ . التى كانت شعلة فى النشاط والهمة . تقبل على طلب العلم نهم لا تكلُّ ولا تملُّ لا لشئ إلا لأن لها هدفا تريد تحقيقه .
ألا ليت النساء يمتلكن عقلاً كعقل بنت الشاطئ وهمة كهمة بنت الشاطئ كان وضعنا تغير كثيرا عما هو عليه . ولو نظر الرجال قبل النساء إلى الحال الذى نشأت فيه بنت الشاطئ والحال الذى نحن فيه ، لما وجدنا لأنفسنا مبرراً فى إهمالنا لأهمية وقيمة العلم رجالاً ونساءاً .
توفيت بنت الشاطئ عن عمر يناهز السادسة والثمانين بعد حياة طويلة كانت فيه طالة للعلم ومعلمة وباحثة وناقدة ومفكرة .
رحم الله الأستاذة … رحم الله بنت الشاطئ …
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى