وول ستريت جورنال: الاختناقات تغذي الارتفاع القياسي في أسعار البنزين الأمريكية
يدفع النقص في منشآت إنتاج الوقود، أسعار البنزين والديزل في أمريكا إلى مستويات قياسية، قبيل انطلاق موسم استخدام السيارات الصيفي.
وبحسب تقرير لـ”وول ستريت جورنال”، زادت أسعار البنزين على أربعة دولارات للجالون في جميع الولايات الأمريكية الـ50، في الأيام الماضية لأول مرة في التاريخ، على الرغم من تراجع أسعار البترول الخام العالمية من أقصى ارتفاعاتها عقب التدخل الروسي في أوكرانيا.
وتحوم أسعار البترول الأمريكية حول 115 دولارا للبرميل، نزولا من أكثر من 120 دولارا للبرميل في مارس الماضي.
وأسعار البترول الخام المرتفعة تسهم في ارتفاع تكلفة البنزين، لكن السبب الرئيس لارتفاع الأسعار الحاد هو ضعف في القدرة التكريرية العالمية، وفقا لتنفيذيين ومحللين في مجال الطاقة.
وتعافى تقريبا الطلب على البنزين والديزل من أدنى مستوياته أثناء فترة الجائحة في الولايات المتحدة على الرغم من ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد – 19 فيها، وتكمن المشكلة في أن عدد المصافي التي تحول البترول الخام إلى وقود ومنتجات أخرى في هذا الوقت أقل مما كان قبل الجائحة.
وتثير اختناقات التكرير هذه مخاوف بشأن نقص عالمي في البنزين والديزل، فإن العالم لم يستثمر استثمارا كافيا في الحفاظ على المصافي أو زيادة عددها، ما أدى إلى فجوات كبيرة بين أسعار البترول والبنزين، وفقا لوزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان.
وقال في مؤتمر عقد في الرياض في مايو: “لقد ارتفعت أسعار جميع أصناف وقود النقل ارتفاعا كبيرا، والفجوة بين أسعار البترول الخام وهذه المنتجات في بعض الأحوال هي 60 في المائة”.
ويقول تنفيذيون ومحللون في مجال الطاقة إن الوضع قد يتفاقم نظرا لغياب الخطط لزيادة القدرة التكريرية زيادة معتبرة، والطلب على الوقود سيرتفع في فصل الصيف لكثرة السفر عن طريق البر وتراخي قيود كوفيد – 19 في كثير من الاقتصادات.
ما مقدار قيادة الأمريكيين للسيارات؟
انهار استهلاك الوقود الأحفوري في 2020 جراء انخفاض النشاط الاقتصادي وقيادة السيارات بفعل الحظر العالمي، وهو انخفاض امتد أثره حتى 2021.
لكن على الرغم من استمرار فيروس كوفيد – 19، فقد تعافى الطلب العالمي للبترول والغاز تقريبا إلى مستويات ما قبل الجائحة، وذلك وفقا للوكالة الدولية للطاقة.
في الولايات المتحدة، وصل الطلب على البنزين أعلى مستوياته في 2018 بمتوسط سنوي بلغ ما يقارب 9.33 مليون برميل لليوم، وانخفض خلال الجائحة إلى ثمانية ملايين برميل لليوم، حسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، التي تتوقع ارتفاعه إلى نحو 8.9 مليون برميل لليوم – في المتوسط – في هذا العام والعام المقبل.
وعلى الرغم من ارتفاع أسعار البنزين، فإن الجمعية الأمريكية للسيارات تتوقع أن يقطع 39.2 مليون شخص مسافة 50 ميلا أو أكثر من سكنهم خلال عطلة نهاية الأسبوع في مناسبة يوم الذكرى، بزيادة 8.3 في المائة عن مستويات 2021.
كما ارتفع كثيرا الطلب على الديزل الذي يشكل الوقود الأساسي لقطاع الشاحنات وغيره من المستخدمين الصناعيين مع ارتفاع النشاط الاقتصادي.
وقال جوناثان وولف الأستاذ المشارك في تخصص الاقتصاد في جامعة ميامي في أوهايو: “قلة من كان بمقدورهم توقع السرعة التي تعافى بها الاقتصاد الأمريكي منذ بداية الحظر، واقتصاد نام يعني طلب نام للطاقة”.
كم عدد المصافي التكريرية العاملة؟
أثناء انهيار الطلب على الوقود خلال فترة الجائحة، أغلقت شركات التكرير إغلاقا نهائيا مصافيها القديمة وذات العوائد الربحية المنخفضة في مختلف أنحاء العالم، وعليه أغلقت من القدرة التكريرية العالمية أثناء الجائحة نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا، منها مليون برميل يوميا في الولايات المتحدة، وفقا لمصرف جي. بي. مورجان تشيس.
وفاقم أثر هذه الإغلاقات موسم أعاصير شديد ضرب منطقة خليج المكسيك – موطن أكبر مجمع بتروكيماويات في العالم – ودمر بعض المصافي الموجودة هناك. بعض الشركات تعمل على صيانة مصافيها في الوقت الحالي، معطلة بذلك قدرة تكريرية إضافية.
وبلغت نسبة تشغيل المصافي في الولايات المتحدة نحو 90 في المائة وهو من أعلى المستويات في معدل خمسة أعوام حسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
كل هذا يدفع هوامش الربح لشركات التكرير إلى مستويات قياسية. فهوامش الربح لإنتاج البنزين في الساحل الشرقي تقترب من 50 دولارا للبرميل، بعد أن كانت أقل من عشرة دولارات للبرميل في ربيع 2020، وفقا للشركة الاستشارية أر بي إن إنرجي ذ.م.م.
وهوامش الربح لإنتاج الديزل في الساحل الشرقي قفزت لأكثر من 100 دولار للبرميل في أواخر أبريل إلا أنها الآن نحو 60 دولارا للبرميل، بحسب الشركة.
وقال جوزيف جوردير الرئيس التنفيذي لشركة فاليرو في مكالمة هاتفية مع محللين في أبريل: “لا تزال ترشيدات القدرة التكريرية التي حدثت خلال العامين السابقين تسهم في نقص الإمدادات”. وسجلت شركة فاليرو – ثاني أكبر شركة تكرير في الولايات المتحدة – خلال الربع الأول أفضل هوامشها الربحية منذ 2015.
لماذا تغلق المصافي إذا كانت تدر أرباحا هائلة حاليا؟
عادة ما يؤدي الطلب الزائد إلى زيادة الاستثمارات في الإمدادات، لكن المصافي لا تهرع إلى زيادة الطاقة الإنتاجية. ذلك بسبب أن الطلب على الوقود قبل الجائحة كان قد توقف عن الارتفاع في الولايات المتحدة ودول أخرى مع بداية تحول عدة دول إلى مصادر طاقة أنظف.
عندما انتشر الوباء، استغلت الشركات الفرصة بإغلاق المحطات القديمة في أغنى الدول حول العالم، بما فيها أمريكا وأستراليا وأوروبا. وعلى الرغم من عودة ارتفاع الطلب على الوقود، فإن موقف شركات التكرير حيال منحنى الطلب على المدى الطويل لم يتغير. المصفاة الواحدة قد تستغرق 20 عاما لتحقيق عائد الاستثمار الأولي، ما يجعل جدوى إنشاء مشروع محطة جديدة منخفضا.
وعندما دمر إعصار آيدا مصفاة آلايانس التابعة لشركة فيليب 66 الواقعة في ولاية لويزيانا، أغلقت الشركة المحطة إغلاقا نهائيا بدلا من استثمار أكثر من مليار دولار من أجل الإصلاحات. ووفقا لشركة تيرنر ومايسون وشركائهما، فمن المتوقع إغلاق مصاف إضافية في أمريكا بقدرة تصل إلى 1.69 مليون برميل بنهاية 2023.
وتعمل بعض الشركات على تحويل المصافي إلى محطات إنتاج للوقود الحيوي وغيره من المنتجات الخضراء. قالت شركة فيليب 66 في مايو إنها ستنفق 850 مليون دولار لتحويل مصفاة سان فرانسيسكو في مدينة روديو، في ولاية كاليفورنيا إلى محطة إنتاج وقود متجدد.
ما تأثير الحرب الروسية – الأوكرانية في هذا الوضع؟
تفاقم الحرب في أوكرانيا سوق وقود لا يكاد توجد فيها احتياطيات، فوفقا لمصرف جي. بي. مورجان تشيس، أجبرت العقوبات الغربية روسيا على إغلاق ما يصل إلى 800 ألف برميل يوميا من القدرة التكريرية، ومن المحتمل إغلاق ما يقارب 1.4 مليون برميل في اليوم في مايو إذ توقف تدفق المنتجات إلى أوروبا.
وهذا ما جعل المستهلكين الأوروبيين يلجأون إلى أمريكا وآسيا والشرق الأوسط بحثا عن بدائل، ضاغطين بذلك على إمدادات هي في الأصل ضيقة، فقد رفعت مصافي الساحل الشرقي الأمريكي صادرات الوقود إلى أوروبا، ما يستنفد المخزونات المحلية، خاصة مخزونات الديزل.
وفقا لمصرف جي. بي. مورجان تشيس، هبطت مخزونات الديزل الأمريكية في وقت سابق من هذا الشهر إلى أدنى مستوياتها منذ 17 عاما، بالسحب منها في وقت من العام تكون فيه المخزونات عادة مستقرة أو متزايدة.
وأضاف المصرف أن مستويات مخزونات الديزل في الساحل الشرقي هبطت في مايو إلى أدنى مستوى لها في تاريخ جمع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية للبيانات الممتد لـ40 عاما.
ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن مخزونات البنزين الأمريكية عموما تبلغ 18.8 مليون برميل، أي أقل من المتوسط لهذه الفترة من العام بنسبة 8 في المائة.
قد تضيف نهاية موسم صيانة الربيع لمنتجي الوقود قدرة إنتاج 2.5 مليون برميل مع عودة تشغيل المحطات وفقا لمصرف جي. بي. مورجان تشيس، ما قد يضع حدا للسحب أكثر من المخزونات، لكن قيود إغلاقات وباء كوفيد – 19 في الصين تضع حدا للطلب العالمي على الوقود، وإذا رفعت هذه القيود، فستكون هناك منافسة أشد على إمدادات الوقود الضيقة.
من ناحية أخرى، قال محللون إنه من المحتمل إغلاق مصاف روسية في ظل استمرار الحرب، وفرض الاتحاد الأوروبي المقترح لحظر على البترول الروسي قد يتسبب في رفع أسعار البنزين أكثر.
وقال مصرف جي. بي. مورجان تشيس إنه من المتوقع أن يكون موسم أعاصير المحيط الأطلسي أشد من المعتاد، وإذا اضطرت الشركات إلى إغلاق مقدار معتبر من القدرة التكريرية، كما كان الوضع في المواسم الماضية، فإنه من المحتمل أن تنفد فعلا أنواع معينة من الوقود في أمريكا.
“إذا تحررت الصين من قيود وباء كوفيد، فإن الطلب قد يعود بشراسة إلى سوق هي في الأصل ضيقة. تشغيل أمريكا للمصافي يقترب نحو أقصى حد له، وأي انقطاع قد يجعل أمريكا تعتمد أكثر على واردات الوقود، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار” وفقا لبيتر مكنالي، المحلل في شركة ثيرد بريدج.