كتب: صلاح احمد
«يمين إيه ح تخش في الحيط»، صرخة المخرج الراحل يوسف شاهين في أحد مساعديه أثناء تصوير فيلم "حدوتة مصرية"، فهو يرى ان الظهور في مشاهد أفلامه شئ هام لايمانه بضرورة التعبير عن رأيه، وكان يظهر في أفلام أخرى كممثل، مثل "باب الحديد" وكان أدائه رائع لشخصية "قناوي"، ومشاهده القصيرة في "إسماعيل ياسين في الطيران" إخراج فطين عبد الوهاب، ويبدو أن عباراته لإسماعيل «هايل يا سمعة.. كمان مرة.. عايز ضرب واقعي» اشتهرت لتتحول إلى أحد أشهر افيهات السينما التاريخية، وظهر في لقطة خاطفة في فيلم "ابن النيل" أثناء نزول محمود المليجي على السلم هاربا من البوليس، كما قام شاهين بالتمثيل في أفلام أخرى من إخراجه مثل فيلم "فجر يوم جديد" و"اليوم السادس" و"إسكندرية كمان وكمان"، كان آخرها ظهوره في فيلم "ويجا" مجاملة لتلميذه خالد يوسف.
ولد المخرج "يوسف جبرائيل شاهين" فى 25 يناير 1926 لأسرة من الطبقة الوسطى، في مدينة الإسكندرية لأب لبناني كاثوليكي من شرق لبنان في مدينة زحلة وأم من أصول يونانية هاجرت أسرتها إلى مصر.
وكمعظم الأسر التي عاشت في الإسكندرية في تلك الفترة فقد كان هناك عدة لغات يتم التحدث بها في بيت يوسف شاهين، وعلى الرغم من انتمائه للطبقة المتوسطة حيث قالت الفنانة "محسنة توفيق" في إحدى الحوارات "أن أسرته كافحت لتعليمه"، كانت دراسته بمدارس خاصة منها كلية فيكتوريا، والتي حصل منها على الشهادة الثانوية، بعد اتمام دراسته في جامعة الإسكندرية، انتقل إلى الولايات المتحدة وأمضى سنتين في معهد پاسادينا المسرحي، ليدرس فنون المسرح.
بعد رجوع شاهين إلى مصر، ساعده المصور السينمائي ألڤيزي أورفانيللي بالدخول في العمل بصناعة الأفلام، كان أول فيلم له هو بابا أمين 1950، وبعد عام واحد شارك فيلمه ابن النيل 1951 في مهرجان أفلام كان، في 1970 حصل على الجائزة الذهبية من مهرجان قرطاچ، حصل على جائزة الدب الفضي في برلين عن فيلمه إسكندرية ليه؟ 1978، وهو الفيلم الأول من أربعة تروي عن حياته الشخصية، الأفلام الثلاثة الأخرى هي "حدوتة مصرية" 1982، "إسكندرية كمان وكمان" 1990 وإسكندرية نيويورك 2004.
يوضح يوسف شاهين من خلال فيلم المصير الذي شارك أيضا في كتابته، أن الأفكار لا يمكن ردعها أو محاربتها مثل الجيوش وذلك لأن للفكر أجنحة كما ذكر على لسان ابطال الفيلم، ويتضح ذلك في نهاية الفيلم وهي أنه بالرغم من حرق كتب ابن رشد في الأندلس إلا أن نسخا منها حفظت في مصر، كتب يوسف شاهين هذا الفيلم ردا على ما حدث لفيلمه السابق في وقتها وهو "المهاجر" الذي قد منع من العرض في دور السينما، وكانت قصته مستوحاه من شخصية النبي يوسف ابن يعقوب، تمنى شاهين دائمًا صنع هذا العمل وقد تحققت أمنيته في 1994، ولكنه يعرض الان على الشاشة الصغيرة.
وبعد 46 عامًا و5 دعوات سابقة، حصل على جائزة اليوبيل الذهبي من مهرجان كان في عيده الـ 50 عن مجموع أفلامه 1997، منح مرتبة ضابط في لجنة الشرف من قبل فرنسا في 2006.
كان شاهين له آراء سياسية واجتماعية واضحة، ويعرف عنه معارضته للرقابة والتطرف وكذلك للحكومة المصرية وللإسلاميين، فيقول شاهين "الذي يعتبر نفسه جزءاً من جيل الليبراليين المصريين أنه ما زال يكافح ضد الرقابة المحافظة سواءً من جانب الدولة أو المجتمع".
يعتبر الفيلم "هي فوضى" ختام لرحلة المخرج يوسف شاهين كثائر ظل مهموماً بقضايا وطنه، تتناول أحداث الفيلم ويتناول الفساد والفوضى وتجاوزات الشرطة والسيطرة الغاشمة للسلطة، وكان الفيلم إنتاج مصري فرنسي مشترك، كعادة يوسف شاهين في أفلامه، ومثل الفيلم مصر في مهرجان فينيسا لعام 2008.
بعد صراعه مع المرض أُصيب شاهين بنزيف متكرر بالمخ، وفي 16 يونيو دخل فى غيبوبة ، وطالب خالد يوسف الذي أخرج معه فيلم "هي فوضى" باستئجار طائرة خاصة لنقله إلى فرنسا أو بريطانيا لتلقي العلاج، ونقل علي متن طائرة إسعافات ألمانية خاصة إلي باريس، حيث تم إدخاله إلي المستشفي الأمريكي بالعاصمة الفرنسية، ولكن صعوبة وضعه حتمت عليه الرجوع إلى مصر.
توفي يوسف شاهين بمستشفى المعادى للقوات المسلحة بالقاهرة يوم 27 يوليو 2008، بعد دخوله في حالة غيبوبة لأكثر من ستة اسابيع، ودفن جثمانه في مقابر الروم الكاثوليك بالشاطبي في مدينته الإسكندرية التي عشقها وخلدها في عدد من أفلامه، وقد نعاه قصرا الرئاسة في مصر وفرنسا حيث وصفه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالمدافع عن الحريات.