أظهر تقرير أعده المركز العالمي للدراسات التنموية ومقره العاصمة البريطانية لندن أن تغيراً محتملاً وقريباً سيطرأ على موقف روسيا من
أظهر تقرير أعده المركز العالمي للدراسات التنموية ومقره العاصمة البريطانية لندن أن تغيراً محتملاً وقريباً سيطرأ على موقف روسيا من الأزمة السورية.
وأوضح التقرير أن هذا التحول يأتي في ظل التغيرات الميدانية في الداخل السوري ووصول الاحتجاجات إلى قلب العاصمة دمشق وحدوث انشقاقات كبيرة في صفوف الجيش وسلاح الطيران السوري بالإضافة إلى الإرباك الواضح الذي تعيشه القيادة السورية الأمر الذي تطلب من روسيا إبداء قدر كبير من المرونة خشية أن يكون التحول السياسي في سوريا من دون أي مشاركة لها فيه. لهذا فقد انتقل الحديث اليوم في الأروقة السياسية عن مرحلة انتقالية ترغب روسيا أن تكون على اضطلاع كامل بتفاصيلها.
وبحسب التقرير فإن الاقتراح الروسي بعقد المؤتمر الدولي حول سوريا يأتي لإبقاء الدور الروسي فاعلاً في ملف الأزمة و عدم خروج الحل بعيدا ً عن موسكو. من هنا يأتي إصرار روسيا على مشاركة إيران في هذا المؤتمر على الرغم من معارضة واشنطن له.
ويشير تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية إلى أن روسيا لا ترغب في استمرار الوضع في سوريا على ما هو عليه اليوم، لأن إضاعة مزيد من الوقت يعني دخول سوريا في أتون حرب قد تطيح بكل مقومات الدولة وعندها لن يكون بوسع موسكو أو حتى طهران ضمان مصالحهما هناك.
فالواضح اليوم أن التغير في سوريا قادم لا محالة لكن ما يقلق موسكو أو طهران هو شكل هذا التغيير و هل سيكون بمقدروهما التعامل مع سوريا فيما بعد نظام الأسد الحليف لهما.
البديل عن الغاز الروسي
وأوضح التقرير أنه منذ بدء أحداث الربيع العربي تشعر روسيا أن نفوذها السياسي والاقتصادي بدأ بالانحسار، خاصة مع تولي الأنظمة الإسلامية للحكم هناك وخسارتها للعديد من عقود الطاقة خاصة تلك المتعلقة بالغاز.
وتعتبر روسيا المصدر الرئيسي الذي يمد أوروبا بالغاز لذا فهي تخشى أن تكون أوروبا قادرة على تجنب استيراد الغاز الروسي والحصول عليه من بلدان أخرى في آسيا وشمال إفريقيا. وفي حال تم ذلك فإن روسيا ستكون عرضة لخسائر كبيرة وعجز في ميزانها التجاري بالإضافة إلى ضعف نفوذها السياسي ليس فقط في الشرق الأوسط وحسب بل في التأثير على أية قرارات أوروبية مستقبلية. فأوروبا المتعطشة للغاز، خاصة بعد أن يتم غلق العديد من المفاعلات النووية المولدة للطاقة، لن تكتفي بخط أنابيب (نورد ستريم) أو بخط أنابيب (نابوكو) الواصل من جورجيا عبر الحدود التركية البلغارية إلى النمسا. وحتى مع إنشاء خط أنابيب جنوب شرق أوروبا أو خط (تاناب) التركي فإن ذلك لا يمكن أن يسد حاجة الأسواق الأوروبية والعالمية من الغاز لذا فإن أوروبا تعمل حالياً على تأمين مصادرها من الغاز عبر خطوط أخرى في النرويج أو دول وسط آسيا وقطر.
ويوضح تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية أن روسيا ما برحت تؤكد رفضها لتكرار السيناريو الليبي وذلك لأنها تشعر بأنها خرجت خالية الوفاض من السيطرة على حقول الغاز والنفط في ليبيا. لذا قامت روسيا بإرسال بوارجها الحربية إلى سوريا فور حدوث الأزمة، كما قامت بإمداد دمشق بتكنولوجيا متطورة خاصة بمنظومة الدفاع الصاروخي وكانت ولاتزال رافضة لأي تدخل عسكري أجنبي في الشأن السوري.
ويرى تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية أن حرص روسيا على نظام الرئيس الأسد لا يعدو كونه نابعاً من المكتسبات التي حصلت عليها موسكو من دمشق. فقد قامت روسيا بتطوير البنية التحتية للنفط والغاز في سوريا ووقعت في العام 2007 على عقد لبناء مصفاة غاز في تدمر ومصنع لمعالجة الغاز.
كما قامت شركة (فولغو غرادنيفتيماش) الروسية بتزويد الشركة السورية للغاز بحاجتها لاقامة مصفاة للغاز. أما شركة (تافتنت) فقد أبرمت عقداً مع سوريا للتنقيب يتيح لروسيا تقاسم الانتاج مع الشركة العامة السورية للنفط. وكذلك الأمر بالنسبة لمحطة تشرين للطاقة الحرارية التي عملت روسيا على تزويدها بالتكنولوجيا اللازمة للعمل وزيادة القدرة.
كما قامت روسيا بالضغط على العراق عن طريق إيران للإسراع بتوقيع عقد إنشاء خط لانابيب النفط بين العراق وسوريا. وبموجب هذا الاتفاق تساهم الشركات الروسية بتطوير خطوط انابيب الغاز بين كركوك العراقية وبانياس على الساحل السوري وتكون شريكة فيه.
خسارة الخليج
وبحسب تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية فإن روسيا تريد من خلال دعمها لنظام الرئيس الأسد أن توجه رسالة للغرب مفادها أنها ما تزال عنصرا ً فاعلاً في الساحة الدولية و أنها لن تقبل بالتخلي عن مصادر الطاقة في هذه المنطقة لصالح نفوذ دول أخرى. لكنها بالمقابل تخشى أن يكون وقوفها إلى جانب النظام السوري في أزمته على حساب مصالحها مع الدول الأخرى في المنطقة و أوروبا التي لا تقل أهمية عن الصين أو الولايات المتحدة. كما أنها لا تريد أن تفقد وجودها في الخليج العربي الذي يشكل قرابة 40 % من إنتاج منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك).
هذه الحقيقة أدركتها الصين حيث أنها على الرغم من كونها لا ترغب في أن يكون التحول في المنطقة بعيدا ً عن رؤيتها و مصالحها إلا أنها تختبىء في العباءة الروسية و تحاول أن تدفع بروسيا إلى المواجهة لاعتبارات عدة أولها مصالحها الكبرى مع سوق الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا و حجم الاستثمارات الغربية الكبيرة الموجودة في الصين. و لا يغيب عن الصين أيضا ً الاستثمارات الخليجية و أهمية السوق الخليجية و العربية بالنسبة لبضائعها. فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية من 36 مليار دولار أميركي في العام 2004، إلى 145 مليار دولار أميركي في العام 2010، وبنسبة زيادة بلغت 30% سنوياً. ومن المتوقع يصل حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج العربي إلى أكثر من 350 مليار دولار أمريكي في العام 2020. و قد انعكس هذا الأمر على موقف الصين من وارداتها من النفط الإيراني و إقلالها من الاعتماد عليه.
أما روسيا التي ترغب في أن تكون المورد الرئيس للغاز في العالم فإنها لا ترغب في أن يكون هناك أي اعتماد صيني على غير الغاز المستورد منها أو من حلفائها حتى أنها تنظر إلى قطر كدولة منافسة لها على صعيد الغاز المسال في العالم. و قد بدا ذلك واضحا ً في التشنج الروسي من الموقف القطري. و من هذا المنطلق قامت قطر بتوجيه 5 مليار دولار للاستثمار في سوق الأسهم الصينية من عائداتها الناتجة من نقل الغاز إلى الصين. في حين أن الاستثمارات الخليجية في روسيا جاءت بنسب أكبر من قبل الكويت والإمارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية. فالكويت استثمرت مؤخرا ً 500 مليون دولار في صندوق سيادي روسي يتوقع أن يصل رأس ماله إلى 10 مليار دولار تستثمر في القطاعات الواعدة في روسيا. أما شركة أبوظبي الوطنية "طاقة" فقد وقعت مؤخرا ً عقدا ً مع شركة "غازبروم" الروسية لتوريد ما قيمته مليار يورو من الغاز إلى منشأة "برغرمير" الهولندية التابعة لها. كما أعلن في بداية هذا العام عن استعداد مستثمرين من الشرق الاوسط لضخ 175 مليون دولار في شركة (اينل أو جي كي5 ) الروسية لتوليد الكهرباء.
إسرائيل تقلب المعادلة بخط الغاز البديل
لكن الروس و على الرغم من كل هذه الاستثمارات الأجنبية التي تدفقت عليهم لا يزالون متخوفين من تغير استراتيجي في المنطقة قد يكون مضرا ً بهم على المدى البعيد لذا فقد تطلب الأمر من الولايات المتحدة مزيدا ً من التطمينات.
و من هنا تم الإعلان عن اتفاق بين شركة "إكسون موبيل" الأمريكية و روس نفط التي تعد أكبر شركة نفط روسية لاستثمار الاحتياطيات النفطية الروسية في سيبيريا الغربية. كما وقعت اتفاقية أخرى تقوم بموجبها إكسون موبيل بالمشاركة في مركز تقنيات القطب الشمالي، الذي سيعمل على تطوير خبرات العمل في مشروعات الأجراف القطبية، بما في ذلك في منصات الحفر والاستخراج من الطبقة الجليدية.
و يشير تقرير المركز العالمي للدراسات التنموية إلى المخاوف الروسية من أن تقوم إسرائيل بمد أنبوب للغاز عبر قبرص إلى أوروبا. و قد شاركتها تركيا مخاوفها هذه على اعتبار أن هذا الخط لا يمر عبر أراضيها و يشكل منافسة كبيرة لخط أنابيب (تاناب) التركي. كما تخشى روسيا من الدعم العسكري الذي تقدمه إسرائيل لأذربيجان في صراعها مع أرمينيا و فيما إذا كان هذا الدعم لمواجهة إيران الشريك التجاري لروسيا في تلك المنطقة. لذا قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة لإسرائيل في وقت تخشى فيه الأخيرة على استقرارها خاصة في ظل التغيرات في دول الربيع العربي. و بحسب التقرير فمن المفيد لروسيا معرفة استعداد إسرائيل لتوقيع عقود معها لإنشاء خط الأنابيب لتصدير الغاز لأوروبا.
و أخيرا ً حذّر المركز العالمي للدراسات التنموية من أن تصل الأوضاع في سوريا إلى طريق مسدود و عندها لن يكون بمقدور الحلول الدبلوماسية أن تصلح ما تم إفساده على ارض الواقع.