فن
أنا في محكمة العدل أصل العدل للعادل واسمع يا منسي أنا مش منسي وفي الكلام عادل وإذا حكمتم يكون الحكم

كتب: محمد مجدى
أنا في محكمة العدل أصل العدل للعادل
واسمع يا منسي أنا مش منسي وفي الكلام عادل
وإذا حكمتم يكون الحكم بـ"العادل"
أنا اسمي عدل الكرام محمد أبو طه
أبو نفس عالية ما عمره في يوم وطاها
هكذا رد الفنان محمد طه مرتجلاً حينما توجه الى نقابة الموسيقيين طالباً القيد في سجلاتها، لكنه فوجئ بالنقابة ترفض طلبه لأنه لا يحمل مؤهلاً دراسياً، ولم يستسلم يل كان يدرك أنه يخوض معركة إثبات الوجود، لهذا تظلم من قرار الرفض، وحسب اللوائح شكلت النقابة لجنة لاختباره رأسها عازف الكمان الراحل "أنور منسي" الذي سأله: ما الذي يثبت لنا أنك فنان؟ وعلى الفور وافقت اللجنة على قيده في النقابة.
محمد طه فنانًا شعبيًا، صوته يطرب الأذن، وله من المواويل ما يبهج القلب،كان يغني ويلحن ويؤلف جميع أعماله ارتجاليا على الرغم من عدم إلمامه بالقراءة والكتابة ليصبح منفردا في كتاب الفن وهو صاحب 10 آلاف موال.
محمد طه مصطفى أبو دوح، ولد فى بلدة طهطا فى صعيد مصر فى 24 من سبتمبر 1922، ونشأ فى بلدة أمه، عزبة عطا الله سليمان، فى قرية سندبيس التابعة لمركز قليوب.
غنى على مسارح الفن الشعبى فى القاهرة ومنها الحسين، والسيدة زينب، والتى كان يشدو فيها مواويله خصوصًا احتفالًا بالموالد والمناسبات الدينية الكبرى منها والصغرى.
كان عام 1954 نقطة تحول فى حياته الفنية ولعبت الصدفة القدرية دورها، فاستمع له الإذاعيان الكبيران طاهر أبو زيد وإيهاب الأزهري، وهو يغنى فى مقهى المعلم "على الأعرج" فى حى الحسين، حينها قررا أن يصحباه إلى الإذاعة ليسجل عددًا من مواوليه.
بعدها ضمه زكريا الحجاوى إلى فرقة "الفلاحين للفنون الشعبية"، وضمه الإذاعى جلال معوض لإحياء حفل أضواء المدينة فى غزة.
محمد طه هو أحد ملوك الأرقام القياسية، فقد غنى نحو 10 آلاف موال كثير منها ما ارتجله من وحى اللحظة دون إعداد سابق! غنى وكتب ولحن، لكن إنجازه الحقيقى هو أنه كان محمد طه الفنان التلقائى الذى لم يقلد أحداً، ولم يجسر أحد على محاولة تقليده، ليبقى رقماً وحده فى كتاب الفن.
عندما سألوه، وكان فى بداية الطريق، عن جمهوره قال: أغنى للطبقة تحت المتوسطة، أنا مطرب "بلدي" لا "شعبى"، أغنى للريفيين المواويل التى تسعدهم .
وفى سنة 1964 كتب محمد طه بخط يده وثيقة تعريف محفوظة فى أرشيف "دار الهلال" بالقاهرة حتى الآن، الملفت فيها أنه سجل اسم شهرته باعتباره "الأستاذ محمد طه"، فهو، فى نظر نفسه، أستاذ، حتى وإن كان قد دون فى الوثيقة نفسها أنه لا يحمل مؤهلاً أكثر من "إجادة القراءة والكتابة". أما بقية البيانات فتقول إن طوله 168 سنتيمتراً، ووزنه 85 كيلوجراماً
وكان أول أجر تقاضاه 23 مليماً فى اليوم ، وفى المصنع ظهرت موهبته، حيث كان يغنى للعمال فى فترات الراحة.
لم يتوقف طموح محمد طه عند حد، فقد كون فرقته الموسيقية الخاصة "الفرقة الذهبية للفنون الشعبية" وضم إليها أخاه شعبان طه الذى يشبهه تماماً، والذى كان يلعب دور "البديل" له فى الغناء، حيث يغنى بدلاً منه إذا كان مطلوباً للغناء فى مكانين فى الوقت نفسه، كما ضمت الفرقة عازفين للناى والأرغول والكمان والعود والطبلة، وهى الفرقة التى ظلت تلازمه فى كل حفلاته وأسفاره وأيضاً فى الأفلام التى شارك فيها.
سمى الشقة البسيطة التى كان يسكنها فى حى شبرا "بيت الفن الشعبى، وشارك بالغناء فى 30 فيلما، منها: ابن الحتة، بنات بحري، أشجع رجل فى العالم، خلخال حبيبي، شقاوة رجالة، السفيرة عزيزة، الزوج العازب، دعاء الكروان، المراهق الكبير، ملك البترول، زوجة ليوم واحد، رحلة العجائب، دستة مجانين.
ومن المواويل القصصية التى اشتهر بها محمد طه، موال "ياسين وبهية" وهو موال كتبه مؤلفه المجهول فى 1927 بعد حادث مصرع "السير لى ستاك" قائد قوات احتلال السودان، وإصرار بريطانيا على أن تسحب مصر قواتها من السودان، وكانت أسوان هى نقطة تجمع القوات المصرية العائدة فى معسكر يقوده اللواء صالح حرب باشا، وشاء سوء حظ ياسين الفلاح الثائر أن يضعه فى طريق اللواء صالح الذى كان يبحث عن بطولة فقتل ياسين بحجة أنه "مطرود" أى هارب من العدالة.
وقد بلغت حصيلة المواويل التى غناها "محمد طه" 10 آلاف موال، منها 350 موالاً سجلتها الإذاعة، وبعضها مسجل على اسطوانات وشرائط. مواويل معظمها من تأليفه، ومنها ما هو مرتجل، مثل ذلك الموال الذى غناه أمام عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فأعجبه، وسأله عن مؤهلاته الدراسية، فقال "محمد طه بخفة ظله التى اشتهر بها: لا أحمل إلا شهادة الميلاد وشهادة الخدمة العسكرية. وعقب العميد: لكنك تحمل شهادة ربانية أكبر من الليسانس فى المواويل!
فى صباح اليوم الذى توفى فيه، 12 من نوفمبر 1996، خرج محمد طه من بيته، فى حى شبرا الشعبي، لشراء أغراض للمنزل، وفى الشارع داهمته أزمة قلبية نقل بسببها إلى مستشفى "معهد ناصر" حيث توفى بعد ساعات، تاركاً سيرة طيبة، وتراثاً فنياً كبيرا وبعض العقارات والأملاك، و8 أبناء، أكبرهم صالح وهو الوحيد الذى ورث جمال الصوت عن أبيه، وغنى فى برنامج تليفزيونى مرة واحدة وعمره 16 سنة ثم منعه أبوه.