اعتبر أحمد النجار رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز السياسية الاستراتيجية بالأهرام، أن الدستور الجديد يكرس استمرار فساد نظام الأجور والاستثناءات التي تعطي أهل الحظوة رواتب أسطورية بينما يعاني الشعب من الفقر، ويكرس استمرار سحق مصالح الفلاحين والصيادين”.
وأوضح ”النجار” من خلال كتيب نشره بعنوان ” لا لدستور مرسي – الغرياني.. قراءة نقدية في مشروع الدستور المصري”، أن الدستور الجديد يحتوي على كوارث اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة.
وفيما يلي نعرض لأهم النقاط الاقتصادية والاجتماعية والعمالية التي تهم ملايين المصريين..
أولا: اقتصاد بلا هوية واستمرار فساد نظام الأجور وإهدار الموارد
تنص المادة (14) على أن ”الاقتصاد الوطنى يهدف إلى تحقيق التنمية المطردة الشاملة، ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاه، والقضاء على الفقر والبطالة، وزيادة فرص العمل، وزيادة الإنتاج والدخل القومي. وتعمل خطة التنمية على إقامة العدالة الاجتماعية والتكافل، وضمان عدالة التوزيع، وحماية حقوق المستهلك، والمحافظة على حقوق العاملين، والمشاركة بين رأس المال والعمل فى تحمل تكاليف التنمية، والاقتسام العادل لعوائدها. ويجب ربط الأجر بالإنتاج، وتقريب الفوارق بين الدخول، وضمان حد أدنى للأجور والمعاشات يكفل حياة كريمة لكل مواطن، وحد أقصى فى أجهزة الدولة لا يستثنى منه إلا بناء على قانون”.
اقتصاد بلا هوية
هذه المادة (14) لا تحدد طبيعة الاقتصاد المصري ودور الدولة فيه، رغم أن إخراج مصر من مأزقها الاقتصادي الراهن يتوقف على وجود دور فاعل في الدولة في الاستثمار وزيادة الناتج القومي ونصيب الفرد منه وفي خلق الوظائف في نظام اقتصادي مختلط يعمل فيه إلى جانب الدولة، القطاع الخاص الكبير والمتوسط والصغير والتعاوني بكل حرية في ظل إجراءات ميسرة لتأسيس الأعمال ولمنع الفساد المعوق لها، مثل النظام الذي طبقته الدول الأوروبية من ثلاثينات القرن العشرين وحتى نهاية سبعينياته، ومكنها من الخروج من الكساد العظيم ومن تمويل تكاليف الحرب العالمية الثانية، ومن إعادة إعمار ما خربته تلك الحرب، ومن بناء الاقتصادات والشركات العملاقة التي تسيطر على أسواق بلدانها وتمد أذرعها القوية لكل العالم.
نظام الأجور.. استمرار الاستثناءات والفساد
تطالب المادة (14) بوضع حد أدنى لأجر العاملين عموما، وحد أقصى لأجر العاملين بالدولة، لكنها تضيف أنه يمكن أن تكون هناك استثناءات من الحد الأقصى بقانون… يعني يبقى الحال على ما كان عليه من رواتب بالغة التدني للغالبية الساحقة من العاملين بأجر بالذات في الجهاز الحكومي، ودخول أسطورية لمن سيتم إعطائهم استثناء لاختراق نظام الأجور، طالما تم فتح باب الاستثناءات. وكان من الضروري منع الاستثناءات نهائيا.
كما كان من الضروري النص على تحريك الحد الأدنى للأجر سنويا بنفس نسبة معدل التضخم (معدل ارتفاع أسعار المستهلكين) حتى لا تتآكل قدرته الشرائية وتتدهور الأحوال المعيشية للعاملين.
وبالمناسبة دستور 1971 كان ينص على وضع حد أدنى للأجر يكفي لحياة كريمة، ووضع حد أقصى لتقليل الفوارق في الدخول. لكنه مثل الدستور الحالي لم يضع معايير محددة لهذا الحد الأقصى مثل ألا يزيد عن 15 أو 20 مثل الحد الأدنى.
و”الطريف” أن هذه المادة تطالب بربط الأجر بالإنتاج، وهو جهل مطبق، لأن إنتاجية العامل ليست مسئوليته بنسبة 99%، حيث تتحدد الإنتاجية بمدى حداثة الآلات التي يعمل عليها، والنظام الإداري الذي يعمل في ظله والذي توجد به آليات صارمة وعادلة للثواب والعقاب.
وببساطة لو كان هناك عامل يعمل في شركة تكرير نفط وهي تستخدم عمالة محدودة للغاية، حيث أنها صناعة كثيفة رأس المال، فإنه عند قسمة الناتج منها على عدد العاملين، تظهر إنتاجية العامل ضخمة جدا ويحق له الحصول على أجر مرتفع جدا، رغم أنها في الحقيقة إنتاجية الآلات.
وإذا كان هناك عامل آخر يعمل في شركة غزل ونسيج ويبذل جهدا أكبر من الأول، لكنه يعمل في صناعة كثيفة العمل، وبالتالي عند قسمة الناتج على عدد العاملين تبدو إنتاجية العامل منخفضة رغم أنه هو المسئول الرئيسي عن هذه الإنتاجية، وتبرر للشركة تقديم أجر منخفض له.
كذلك فإن العامل الذي يعمل على آلات قديمة منخفضة الإنتاجية، تكون إنتاجيته منخفضة بالمقارنة مع عامل آخر يعمل في نفس الصناعة على آلات حديثة عالية الإنتاجية رغم أن العامل غير مسئول في الحالتين… إن الربط المطلق للأجر بالإنتاجية هو الظلم القائم على الجهل! ولم تتحدث هذه المادة عن أي علاقة بين الأجور والأسعار. يعني أيام نظام مبارك كان فيه مقابل غلاء معيشة… الآن يمكنهم استنادا لمشروع “الدستور” أن يلغوها.
وكنت قد اقترحت نص مادة مختلف في كراسة استراتيجية نشرها لي مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: (نظام الأجور يجب أن يتسم بالاتساق والتوازن في المصالح بين أرباب العمل والعاملين لديهم لضمان عدالة اقتسام القيمة المضافة التي تم خلقها في العملية الإنتاجية، وأيضا لضمان فعالية ومرونة سوق العمل وحفز العمل والإنتاج والابتكار ونمو ونشاط الأعمال الخاصة والعامة. وينبغي أن يتضمن هذا النظام حدا أدنى للأجر يكفي لمتطلبات الحياة الكريمة للعامل، ويتغير سنويا بالقانون بنفس معدل ارتفاع أسعار المستهلكين (معدل التضخم) المعلن رسميا لضمان عدم تآكل قدرته الشرائية.
وينبغي ألا تتجاوز كل الدخول الإضافية للعامل أو الموظف، نسبة 100% من الأجر الأساسي كقيد قانوني مساعد لتحقيق العدالة الاجتماعية ومانع للأبواب الخلفية للفساد في توزيع مخصصات الأجور وما في حكمها. ويُوضع توصيف وظيفي للعاملين لدى كل جهات الدولة (الجهاز الحكومي والهيئات الاقتصادية والقطاع العام) يتم بناء عليه إعطاء أجور موحدة تقريبا مع هامش حركة لا يزيد عن ربع الأجر الأساسي، للذين يقومون بوظيفة واحدة ولديهم نفس سنوات الخبرة والكفاءة. كما ينبغي لنظام الأجور الخاص بالعاملين لدى الدولة أيا كانت الجهة التي يعملون فيها، أن يتضمن حدا أقصى للدخل الشامل لا يتجاوز ما يتراوح بين 15 مثل الحد الأدنى المطلق للأجر الشامل للعاملين لدى الدولة)
هدية مسمومة
تنص المادة (17) على أن ”الصناعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطني، وتحمى الدولة الصناعات الاستراتيجية، وتَدْعُم التطور الصناعي، وتضمن توطين التقنيات الحديثة وتطبيقاتها. وترعى الدولة الصناعات الحرفية والصغيرة”.
أشار المستشار الغرياني عند تقديمه للمادة 17 إلى أنه يقدم هدية للمجتمع المصري، والهدية في الحقيقة عبارة عن صندوق فارغ، فالمادة عبارة عن كلام عام غير ملزم لمشرعي القوانين، أو هو مجرد ديباجة، حيث لم ينص على مبادئ دعم الصناعة وما سيخصص لدعمها أو لإنشاء استثمارات صناعية عامة جديدة كنسبة من الإنفاق العام للدولة. كما لم ينص على رعاية المشروعات الصغيرة بتكوين مؤسسة وطنية مركزية ولها فروع إقليمية في كل مصر لرعاية تلك المشروعات بشكل كامل كآلية لتشغيل العاطلين وتمكينهم من كسب عيشهم بكرامة وزيادة الناتج والنمو الاقتصادي. كما لم ينص على أن توضع قوانين لتنظيم هذه التنمية وذلك الدعم كما هو الحال في المواد الدستورية الأخرى… إذن الموضوع هنا مجرد كلام.
4- استمرار إهدار وإساءة استغلال الثروات المعدنية والمحجرية
تنص المادة (18) على أن “الثروات الطبيعية للدولة ملك الشعب، وعوائدها حق له، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحسن استغلالها، ومراعاة حقوق الأجيال فيها. ولا يجوز التصرف فى أملاك الدولة، أو منح امتياز باستغلالها أو التزام مرفق عام، إلا بناء على قانون. وكل مال لا مالك له فهو ملك الدولة”.
التعليق: المادة 18 تنص على التزام الدولة بالحفاظ على الثروة المعدنية وحسن استغلالها ومراعاة حقوق الأجيال القادمة، وهو نص لا يختلف عما كان موجودا من قبل وساهم وما يزال في سوء استغلال ثرواتنا المعدنية والمحجرية التي تم وضع قانون عام 1956 لاستغلالها من قبل الدولة، يضع رسوما رمزية لهذا الاستغلال على أساس أن الدولة وحدها هي التي تستغلها.
ولكن تغير الأمر في سبعينيات القرن العشرين وأصبح القطاع الخاص المحلي والأجنبي يستغل الثروات المعدنية والمحجرية، واستمر القانون القديم والرسوم الرمزية القديمة.. تصوروا أن الرسوم التي تحصل عليها الدولة على طن الحجر الجيري أو طن الطفلة تبلغ قرشان (اللأجيال الجديدة التي لم لا تعرف القرش..الجنيه مائة قرش)، وتبلغ 20 قرشا على طن الجرانيت.
وصحيح أن هناك رسوم محدودة أخرى تعطى للمحليات وأحيانا للجيش، لكنها متدنية للغاية أيضا، فضلا عن أنها تذهب في غير محلها. وحسب دراسات الهيئة العامة للثروة المعدنية في مصر فإن مصر يمكن أن تحصل على 25 مليار جنيه سنويا على الأقل كإيرادات من رسوم الثروة المعدنية لو تم تعديلها لمستوى الرسوم الموجود في العالم وفي بلدان الجوار.
وإليكم النص الذي اقترحته بشأن الثروة المعدنية في الكراسة الاستراتيجية التي نشرها لي مركز الأهرام للدراست الاستراتيجية بعنوان “صياغة مقترحة للمواد الاقتصادية والاجتماعية في الدستور المصري الجديد”… (الموارد الطبيعية الناضبة مثل النفط والغاز وخامات الأسمنت والجبس والجير والطفلة والفوسفات والمنجنيز وغيرها، هي حق لكل الأجيال، وينبغي استخراجها بشكل معتدل يراعي حقوق الأجيال القادمة، على أن يتم استخدام العائدات التي يدرها هذا الاستخراج بناء على تسعيرها بشكل عادل يرتبط بالأسعار العالمية، في بناء مشروعات إنتاجية عامة مملوكة للدولة تؤدي إلى رفع الناتج القومي ونصيب الفرد منه وإيجاد فرص للعمل، ويتم توريثها كمشروعات عامة متطورة وناجحة للأجيال القادمة، لتعويض الموارد الطبيعية الناضبة التي تم استنزافها بأصول متجددة القدرة على الإنتاج). وتسن القوانين المنظمة لذلك
ثانيا: استمرار سحق مصالح الفلاحين والصيادين
هناك عدة مواد متعلقة بالفلاحين والصيادين في الدستور، هي المواد (15)، (16)، (19)، (20)، (24)، (66)، (236)
تنص المادة (15) على أن “الزراعة مقوم أساسى للاقتصاد الوطنى، وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتعمل على تنمية المحاصيل والأصناف النباتية والسلالات الحيوانية والثروة السمكية وحمايتها، وتحقيق الأمن الغذائى، وتوفير متطلبات الإنتاج الزراعى وحسن إدارته وتسويقه، ودعم الصناعات الزراعية. وينظم القانون استخدام أراضى الدولة؛ بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويحمى الفلاح والعامل الزراعى من الاستغلال”.
1- غياب الحد الأقصى واستمرار تمليك غير المصريين للأرض المصرية
هذه المادة لم تضع أي حد أقصى للملكية الزراعية لمنع سيطرة الإقطاع وحرمان الفلاحين من الأرض التي هم الأحق بها… إذن “أبشروا” باستمرار حرمان الفلاحين من الأرض واستمرار الملكيات بآلاف الأفدنة وحتى بعشرات الآلاف لكبار الملاك. كما لم تمنع ملكية غير المصريين للأراضي الزراعية، وهي هنا تتراجع عما تضمنه دستور 1971 في هذا الشأن. وللعلم فإن ملكيات الأجانب في مصر بلغت نحو 713.1 ألف فدان في عام 1917.
كما كان هناك في مصر في عام 1930 نحو 3.4 مليون فدان، مرهونة للبنوك العقارية والزراعية وبنوك الأراضي، وكان جانبا كبيرا منها مرهونا للأجانب، ولولا أن قانون الخمسة أفدنة الذي صدر عام 1913 كان يحظر الحجز على الملكيات الزراعية التي تقل عن 5 أفدنة، وعلى أراضي الوقف أيضا، لكان جانبا كبيرا من أرض مصر قد خضع للحجز والبيع. لقد كانت نسبة ممتلكات الأجانب للأرض في مصر أعلى من نسبة ممتلكات اليهود للأرض في فلسطين عند اغتصابها عام 1948، وكان ذلك عنوانا لسيطرة الأجانب على اقتصاد مصر، مما شكل تهديدا حقيقيا لمستقبل مصر.
ولم تنتهي تلك الدائرة الجهنمية من نهب غير المصريين لمصر في هذا المجال إلا بصدور قانون تحريم بيع الأراضي الزراعية للأجانب عام 1951، ثم استقلال مصر الحقيقي في عام 1952، قبل أن يرتد مبارك عن هذا الأمر ويفتح الباب عام 1995 لعودة ملكية غير المصريين للأراضي الزراعية، وهي الجريمة التي يستمر فيها مشروع “الدستور” الجديد.
وللعلم فإن وضع حد أقصى لملكية الأراضي الزراعية هو إجراء رئيسي ضمن الإصلاحات التي أتت بها الرأسمالية في بداية عهدها لتشجيع الفلاحين بعد تمليكهم الأرض الموزعة عليهم بعد تقليص ملكيات كبار الملاك، على زيادة الإنتاجية في أراضيهم ولتحرير قسم من قوة العمل الريفية الفائضة الموجودة في الإقطاعيات لينضم إلى جيش العمال الصناعيين، قبل أن تتحول الرأسمالية إلى رأسمالية حتكارية أشد استغلالا من الإقطاع. وتفاوت الحد الأقصى لملكية الفرد من الأراضي الزراعية حسب حجم الأراضي الزراعية في كل دولة.
وبالتالي فإن الخبراء القانونيين والاقتصاديين يمكن أن يضعوا هذا الحد الأقصى للملكية في الأراضي القديمة، والحد الأقصى للملكية في الأراضي الجديدة بصورة موضوعية تساعد على الاستجابة لحلم وحق الفلاحين المعدمين وخريجي المدارس الزراعية في تملك أراضي زراعية خاصة بهم، وتفتح الباب أيضا أمام التوسع الزراعي للمستثمرين الأفراد والمشروعات التعاونية في الأراضي الجديدة.
وعلى سبيل المثال في عام 1935 نص الإصلاح الزراعي الإيطالي على أن الحد الأقصى للملكية الزراعية يوازي 25 فدان، وذلك نتيجة محدودية الأراضي الزراعية في إيطاليا التي تبلغ مساحتها أقل من ثلث مساحة مصر.
وفي اليابان وصل الرقم إلى أقل من 10 أفدنة، وفي بلدان أخرى كان الرقم بمئات الأفدنة، وهكذا الأمر في الغالبية الساحقة من الدول الرأسمالية التي أصبحت متقدمة أو التي ما تزال نامية. وإذا كان لدينا في مصر ملايين من الفلاحين المعدمين وخريجي المدارس الزراعية وكليات الزراعة العاطلين، فإنه من غير الاقتصادي أو الأخلاقي أن تعطي الدولة آلاف وعشرات الآلاف من الأفدنة لبعض المتاجرين بالأراضي أو لرجال أعمال مصريين أو غير مصريين مثل وليد طلال وغيره، وتترك القوة البشرية الزراعية المصرية عاطلة، وبالتالي فإن وضع حد أقصى لملكية الأراضي الزراعية، ومنع غير المصريين نهائيا من ملكية الأراضي الزراعية أو حق الانتفاع بها، هو أمر ضروري لمصلحة مصر وشعبها وفلاحييها، تم تجاهله في مشروع “دستور” مرسي-الغرياني.
2- مادة دعائية للتحايل على الفلاحين وأهل البادية لسرقة أصواتهم
تنص المادة (16) على أن “تلتزم الدولة بتنمية الريف والبادية، وتعمل على رفع مستوى معيشة الفلاحين وأهل البادية”.
وقد أشار المستشار الغرياني عند تقديمه لهذه المادة على أنها هدية للمجتمع المصري، وهي في الحقيقة هداية مسمومة، فهي عبارة عن كلام عام غير ملزم لمشرعي القوانين، أو هو مجرد ديباجة، حيث لم ينص فيها على تخصيص نسبة من الإنفاق العام أو الناتج المحلي الإجمالي لتنمية الريف والبادية. وهذه المادة بصيغتها المطروحة في “دستور” مرسي-الغرياني هي مجرد تحايل وخداع لكسب أصوات أهل الريف والبادية بصورة غير نزيهة.
3- غياب العقوبات على تلويث النيل يدمر صحة المصريين ومصالح الصيادين
أما المادة (19) فتنص على أن “نهر النيل وموارد المياه ثروة وطنية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وتنميتها، ومنع الاعتداء عليها. وينظم القانون وسائل الانتفاع بها”.
ولم تتضمن هذه المادة أي نص على تجريم تلويث مياه النيل بالصرف الصناعي والصحي والزراعي وذلك لصالح رجال الأعمال أصحاب الشركات التي تصرف مخلفاتها في النيل، ولتغطية فشل الحكومة في مد شبكة الصرف الصحي في ريف مصر بما يمنع الصرف الصحي في النيل تلقائيا. وللعلم فإن هذا التلويث هو سبب رئيسي في انتشار أمراض الكلى والكبد في مصر، وفي تدهور نوعية الإنتاج الزراعي المصري من زاوية مراعاة الاعتبارات الصحية والبيئية، وهي أيضا سبب رئيسي في تلويث وتدمير الثروة السمكية وتهديد مستقبل شريحة مهمة من المجتمع هي الصيادين.
ووفقا للأساطير المصرية القديمة فإن أول خطوة في حساب المتوفي من قبل “الإله” عوزير الذي ننطقه أوزوريس وهو إله العالم الآخر في أساطيرهم. كان سؤالا عن تلويث مياه النيل أو سد قنواته أو منع جريانه هو أو أفرعه، فإذا كان المتوفي قد فعل أي من هذه الكبائر فإنه يدخل الجحيم، أما إذا كان طاهرا منها ولم يفعلها، فإنه يكمل الحساب حتى يدخل الجنة. وكان ذلك تعبيرا راقيا وإلزاما دينيا عندهم بعدم تلويث النهر، فأين دستور الغرياني من هذا الرقي؟!.
4- من سيدفع تأمينات معاشات الفلاحين وعمال مياومة وما هو حدها الأدنى؟
تنص المادة (66) على أن “تعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والعمالة غير المنتظمة، ولكل من لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى. وينظم القانون ذلك”.
وهذه المادة نصها ضعيف، حيث كان من الأفضل أن تنص على أن “تلتزم الدولة” بدلا من “تعمل الدولة”. كما أنها لم تحدد ما هو المعاش المناسب وما هي علاقته بالحد الأدنى للأجر أو المعاش، وما يترتب على الفلاح أو العامل الزراعي من أعباء تأمينية للحصول على هذا المعاش. وكان ينبغي أن يكون كل ذلك متضمنا في المادة.
رابعا: استمرار أسس النظام الضريبي الفاسد والظالم للفقراء والطبقة الوسطى
تنص المادة (26) على أن ”العدالة الاجتماعية أساس الضرائب وغيرها من التكاليف المالية العامة. ولا يكون إنشاء الضرائب العامة ولا تعديلها ولا إلغاؤها إلا بقانون، ولا يُعفى أحد من أدائها فى غير الأحوال المبينة فى القانون. ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم إلا فى حدود القانون”.
هذه المادة (26) لا تتضمن أي إشارة إلى فكرة تعدد الشرائح الضريبية وتصاعد معدلاتها وشمولها للمكاسب الرأسمالية. كما لم تنص على إعفاء الفقراء ومحدودي الدخل من الضريبة، ولا على تحريك حد الإعفاء الضريبي بنفس نسبة معدل التضخم (معدل ارتفاع أسعار المستهلكين). كما لم تنص على أن تصب كل أنواع الضرائب والرسوم والغرامات والإتاوات المفروضة بحكم سيادة الدولة وسلطتها في وزارة المالية، بما يفتح الباب لأن يستمر الوضع الراهن لتسرب جزء كبير من هذه الإيرادات العامة إلى الصناديق الخاصة وإلى جهات لا يحق لها الحصول مباشرة على الإيرادات العامة.
خامسا: أين أموال التأمينات وحقوق أرباب المعاشات في دستور مرسي-الغرياني؟
تنص المادة (28) على أن ”الدولة تشجع الادخار، وتحمى المدخرات وأموال التأمينات والمعاشات. وينظم القانون ذلك”.
هذه المادة (28) تتجاهل حقوق عدة ملايين من المصريين من أرباب المعاشات ممن أفنوا عمرهم في خدمة الوطن ويحصلون على معاشات تنحدر بهم لمصاف الفقراء، ولم يضع أي قاعدة مبدئية لتوصيف أموال المؤمن عليهم على أنها أموال خاصة لهم وليست مالا عاما، ولا عن المبادئ العامة لإدارتها لصالح أصحابها.. وفيما يلي النص الذي اقترحته في هذا الشأن.
سادسًا: ”الدستور” يطلب شهادة فقر للمستفيدين من الرعاية الصحية
تنص المادة (62) على أن ”الرعاية الصحية حق لكل مواطن، تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومى. وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتأمين الصحى وفق نظام عادل عالى الجودة، ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين. وتلتزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج الطبى بأشكاله المختلفة لكل مواطن فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتشرف الدولة على كافة المنشآت الصحية، وتتحقق من جودة خدماتها، وتراقب جميع المواد والمنتجات ووسائل الدعاية المتصلة بالصحة؛ وتصدر التشريعات وتتخذ كافة التدابير التى تحقق هذه الرقابة”.
وهذه المادة تجعل الخدمات الصحية العامة مجانية لـ ”غير القادرين”، بما يعني أن من يريد العلاج مجانا وفقا لهذه المادة عليه أن يقدم شهادة فقر، وهي مسخرة حقيقية، فالأصل في الخدمات الصحية العامة في العالم كله أنها مجانية ولا يذهب للحصول عليها سوى غير القادرين ولا يحتاج الأمر لإذلالهم بإثبات فقرهم أو عدم قدرتهم المالية حتى يحصلوا عليها.
وكان ينبغي أن تكون المجانية مطلقة بشكل واضح. كما أنه في بلد يعاني من سحق القطاع الصحي لسنوات طويلة من خلال تخصيص نسبة متدنية من الإنفاق العام (5%) ومن الناتج المحلي الإجمالي (1.6%) للإنفاق العام على الصحة، كان لابد أن تتم الإشارة صراحة إلى ضرورة التوافق مع متطلبات منظمة الصحة العالمية في الإنفاق العام على الصحة بنسبة 15% من إجمالي الإنفاق العام، أو نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي حتى يتم تقديم رعاية صحية محترمة للفقراء ومحدودي الدخل وبناء مستشفيات وتجهيزات كافية، وتقديم أجور محترمة للجهاز الطبي والتمريضي والإداري والعاملين في هذا القطاع.
سابعًا: غياب حقوق العمل والسكن والعاطلين بلا إعانة
1- غياب حق العمل ولا وجود لإعانة البطالة
تنص المادة (63) على أن ”العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن، تكفله الدولة على أساس مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. ولا يجوز فرض أى عمل جبرا إلا بمقتضى قانون. ويعمل الموظف العام فى خدمة الشعب، وتتيح الدولة الوظائف العامة للمواطنين على أساس الجدارة، دون محاباة أو وساطة، ومخالفة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون. وتكفل الدولة حق كل عامل فى الأجر العادل والإجازات، والتقاعد والتأمين الاجتماعى، والرعاية الصحية، والحماية ضد مخاطر العمل، وتوافر شروط السلامة المهنية فى أماكن العمل؛ وفقا للقانون. ولا يجوز فصل العامل إلا فى الحالات المنصوص عليها فى القانون. والإضراب السلمى حق، وينظمه القانون”.
وهذه المادة لا تلزم الدولة بتوفير فرص العمل للمواطنين، وبالتالي فإن حق العمل كحق أساسي يُمكن البشر من كسب عيشهم بكرامة هو حق غائب. وكان ينبغي النص على أن ” الدولة ضامنة لحق العمل لكل المواطنين في سن العمل لتمكينهم من كسب عيشهم بكرامة، من خلال إيجاد فرص العمل الحقيقية بصورة مباشرة لدى القطاع العام والهيئات الاقتصادية والجهاز الحكومي، وبصورة غير مباشرة من خلال تهيئة البيئة الاقتصادية لتنشيط ورعاية الأعمال الخاصة الصغيرة والتعاونية والمتوسطة والكبيرة حتى تنمو وتزدهر وتتمكن من إيجاد فرص العمل الضرورية لتشغيل المؤهلين للعمل”.
كما كان ينبغي النص على أن الدولة مسئولة عن مساندة العاطلين وتقديم إعانات اجتماعية مؤقتة لهم، إذا لم يجدوا فرصا للعمل لدى الدولة أو القطاعين الخاص والتعاوني، وذلك ضمن المسئوليات الاجتماعية للدولة، فضلا عن أنه نوع من الضغط المشروع على الحكومة لتطوير أدائها وتحسين بيئة الأعمال لمساعدتها على النمو والتطور وتعزيز قدرتها على إيجاد فرص العمل الحقيقية، خاصة وأن المادة المادة (65) التي تنص على أن “تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعى.
ولكل مواطن الحق فى الضمان الاجتماعى؛ إذا لم يكن قادرا على إعالة نفسه أو أسرته، فى حالات العجز عن العمل أو البطالة أو الشيخوخة، وبما يضمن لهم حد الكفاية”.. لم تذكر نصا صريحا يفرض تقديم إعانة البطالة للعاطلين.
كما كان ينبغي أن تشمل حقوق الاحتجاج السلمي المدرجة في هذه المادة، حقوق الإضراب والاعتصام والتظاهر بشكل سلمي، وليس الإضراب فقط.
تنص المادة (64) على أن ”الدولة تكرم شهداء ومصابى الحرب وثورة الخامس والعشرين من يناير والواجب الوطنى، وترعى أسرهم والمحاربين القدامى والمصابين وأسر المفقودين فى الحرب وما فى حكمها. ويكون لهم ولأبنائهم ولزوجاتهم الأولوية فى فرص العمل. وكل ذلك وفقًا لما ينظمه القانون”.
كان من الضروري استخدام صيغة إلزامية وليس صيغة فضفاضة تحتمل عدم الالتزام. فيكون النص” تلتزم الدولة بتكريم شهداء ومصابى الحرب وثورة الخامس والعشرين من يناير والواجب الوطنى، وتلتزم برعاية أسرهم والمحاربين القدامى والمصابين وأسر المفقودين فى الحرب وما فى حكمها.. وتلتزم بإعطاء أبنائهم وزوجاتهم الأولوية فى فرص العمل، وكل ذلك وفقًا لما ينظمه القانون.
2- غياب حق السكن في دستور مرسي – الغرياني
تنص المادة (67) على أن “المسكن الملائم والماء النظيف والغذاء الصحى حقوق مكفولة. وتتبنى الدولة خطة وطنية للإسكان؛ تقوم على العدالة الاجتماعية، وتشجيع المبادرات الذاتية والتعاونيات الإسكانية، وتنظيم استخدام أراضى الدولة لأغراض العمران؛ بما يحقق الصالح العام، ويحافظ على حقوق الأجيال”.
هذه المادة (67) عبارة عن كلام مرسل ولا توجد حتى إشارة إلى ضرورة تنظيمه بقانون، ولا توجد أي صيغة ملزمة للدولة بتوفير حق السكن للمواطنين، وهو ما يعني استمرار الحال على ما كان عليه.
وكان من الضروري النص على أن ”تضمن الدولة حق السكن لمواطنيها كحق اقتصادي-اجتماعي أصيل، وذلك من خلال قيام شركات الدولة ببناء وتوفير المساكن الشعبية والاقتصادية اللائقة والصحية والمتناسبة مع دخول الفئات التي تحتاجها من الفقراء ومحدودي الدخل. وإضافة لذلك تقوم الدولة بمد البنية الأساسية على أسس اقتصادية مدروسة لمناطق جديدة لتوسيع رقعة العمران وتنمية مناطق سكنية وصناعية وزراعية وخدمية جديدة، وتقدم تسهيلات لحفز المواطنين ومبادراتهم الفردية والتعاونية على الخروج من الوادي والدلتا إلى تلك المناطق الجديدة ببناء المساكن للاستخدام الذاتي أو للاتجار بأسعار معتدلة مرتبطة بالتكلفة”.
ثامنًا: تجاهل استقلال البنك المركزي
تنص المادة (206) على أن “يضع البنك المركزى السياسة النقدية والائتمانية والمصرفية، ويشرف على تنفيذها، ويراقب أداء الجهاز المصرفى، ويعمل على تحقيق استقرار الأسعار؛ وله وحده حق إصدار النقد. وذلك كله فى إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة”.
وهذه المادة لم تعط أي استقلالية للبنك المركزي ويجب أن يكون البنك المركزي المصري مؤسسة مستقلة ذات شخصية اعتبارية عامة، ويصدر بنظامه الأساسي قرار من مجلس الشعب بالأغلبية المطلقة، يلزم لإقراره، تصديق رئيس الجمهورية عليه، فإذا رفض، يُعاد مشروع النظام لمجلس الشعب لإجراء التعديلات المطلوبة لتصديق الرئيس عليه، أو تتم إعادة التصويت عليه في مجلس الشعب، فإذا حصل على أغلبية الثلثين من المجلس، يصبح القانون ساريا ولا يلزم موافقة الرئيس عليه.
ويراعى في هذا النظام الأساسي أن يكون نافيا لأي شكل من أشكال تعارض المصالح أو منافذ المحسوبية. والبنك المركزي هو المختص بإدارة السياسة النقدية لمصر بشكل مرن ومستقر وكفء، والإشراف والرقابة على كل البنوك العامة والخاصة المحلية والأجنبية العاملة في مصر، بما يحفز الادخار ويشجع الاستثمار والصادرات ويدعم التنمية الاقتصادية والتوازن في العلاقات الاقتصادية المصرية مع باقي دول العالم. ويُعين محافظ البنك المركزي ونائبيه لمدة أربعة أعوام قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، بقرار من مجلس الشعب، من بين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والنزاهة.