ربما لن تكون هذه هي النهاية، لكنها بالطبع بداية النهاية في دورة رفع “البنك المركزي الأوروبي” (ECB) لأسعار الفائدة. حيث قرر مجلس حكام البنك الخميس رفع سعر الفائدة الرئيسي بمعدل طفيف قدره 25 نقطة أساس إلى 3,25%، في خطوة تيسيرية أخرى، فيما ترك التوجيهات المستقبلية مبهمة بشكل مناسب، ما يوضح ببساطة أن تكاليف الاقتراض ستكون “مقيدة بدرجة كافية”. وينُم تخفيف حدة الموقف المتشدد عن ذكاء صناع السياسة النقدية.
بهذا التراجع في معدل رفع الفائدة، بعد ثلاث زيادات بمقدار نصف نقطة مئوية في العام الجاري، يتماشى “المركزي الأوروبي” مع “الاحتياطي الفيدرالي الأميركي” و”بنك إنجلترا”، حيث رفع “الفيدرالي الأميركي” أسعار الفائدة الرسمية بمقدار 25 نقطة أساس الأربعاء، ويُتوقع أن يحذو “بنك إنجلترا” حذوه في اجتماعه الذي سيُعقد في 11 مايو.
قد يتضح أن تلك الزيادة هي الأخيرة في الدورة الحالية، وبينما يُرجح عدم انتهاء “المركزي الأوروبي” بعد من رفع الفائدة، فمن الواضح أنه لم يشعر بالثقة الكافية للاستمرار في تسريع وتيرة التقشف بزيادة أكبر في أسعارها، فيما يُرجح أن يقوم “الفيدرالي الأميركي” بوقفة مؤقتة في المستقبل القريب. قالت كريستين لاغارد، رئيسة “المركزي الأوروبي” في المؤتمر الصحفي الخميس: “لن نتوقف مؤقتاً، هذا جلي. ونعرف أن أمامنا مسافة ينبغي أن نقطعها”.
أزمات في الطريق
قرر مجلس حكام البنك عدم إعادة استثمار السندات التي انتهى أجلها في المحفظة الكبرى من محفظتين استثماريتين للتيسير الكمي، ليضاعف بذلك الوتيرة الشهرية لتقليص ميزانية هذا التيسير إلى نحو 30 مليار يورو (33 مليار دولار). وكان ذلك هو الإجراء التقشفي الوحيد متوسط الدرجة، رغم توقع تلك الخطوة على نطاق واسع.
هذا النهج العكسي سوف يُقابل بالترحاب بعد الزيادات الحادة في أسعار الفائدة الرئيسية في البنك المركزي في العام السابق، أو نحو ذلك، التي تتسبب في مشكلات بالقطاع المصرفي.
“المركزي الأوروبي” يبطئ وتيرة التشديد النقدي ويرفع الفائدة 25 نقطة أساس
من المتوقع تعرض البنوك في منطقة اليورو لأزمات –والتي قد تنتج على الأرجح من اتساع الفوارق بين عائدات السندات السيادية الصادرة عن الدول الواقعة في قلب القارة ونظيراتها التي تقع على أطرافها- وربما تظهر بعض مواطن الضعف التي ما تزال تختبئ تحت السطح في النظام المصرفي هناك.
ومع إنهاء برنامج “المركزي الأوروبي” للسيولة المصرفية بقيمة 1,3 تريليون يورو، المعروف باسم “عمليات إعادة التمويل الموجهة طويلة الأجل” (TLTRO)، في الشهر القادم، يجب على مجلس الحكام التزام الحذر لتستمر إتاحة الائتمان ويتمكن الاقتصاد من الوفاء بالتزاماته.
أسهم توقف النمو، وتباطؤ الإقراض المصرفي، والارتفاع الطفيف في معدل التضخم، والهزات المصرفية العالمية -كلها معاً- في اتخاذ “المركزي الأوروبي” لقرار تخفيف درجة التقشف النقدي. ويشير ذلك إلى تغير في توازن المخاطر، وبالتبعية، تغير في كيفية استجابة صناع السياسة النقدية في المستقبل.
تراجع طفيف في التضخم
بالكاد وصل معدل النمو في منطقة اليورو في الربع الأول إلى معدل إيجابي، ليرتفع 0,1%. كما انخفض معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة، انخفاضاً طفيفاً إلى 5.6% في أبريل، حتى مع ارتفاع التضخم العام في مؤشر أسعار المستهلكين إلى 7%.
محللون يتوقعون رفع بنك إنجلترا سعر الفائدة مجدداً
لم يتحقق النصر في المعركة ضد التضخم بعد، فما زال معدل التضخم المستهدف عند 2% بعيد المنال. لكن هناك علامات على أن الأسوأ قد فات. ومع التأخير المعروف لتأثير السياسة النقدية، آن الأوان لتقييم ما إذا كانت الإجراءات المنفذة لكبح التضخم كافية أم لا.
يجب أن يكون التراجع الحاد للإقراض المصرفي أشد ما يقلق “المركزي الأوروبي”، إذ إنه يوضح خطر الإفراط في تشديد السياسة النقدية، ومن المحتمل أن يؤدي إلى أزمة ائتمان. فكشفت البنوك عن صافي انخفاض في قروض الرهن العقاري وقروض الشركات والائتمان الاستهلاكي للأسر خلال الربع الأول، مع تشديدها لمعايير الائتمان بشكل كبير.
تقليص الميزانية
انخفض معدل النمو السنوي للمعروض النقدي (M3) بمعدل قياسي يبلغ 3,9%، فيما انكمش المعروض النقدي (M1) الأعلى سيولة بمعدل 10%. قد يمكن تفادي الركود، لكن إن لم يحدث ذلك، فلن يتمكن صانعو السياسة النقدية من الادعاء بأنهم لم يروا كثيراً من إشارات التحذير.
ماذا تعني الحرب الباردة الجديدة للبنوك المركزية؟
بينما تقترب أسعار الفائدة –التي لم تحقق هدفها- من ذروتها، سينتشر تقليص الميزانية بوتيرة مستمرة. سيشهد اجتماع “المركزي الأوروبي” المقبل في 15 يونيو تقييمه الاقتصادي الفصلي، حيث عادةً ما تُتخذ قرارات أكثر واقعية. لم يكن للشق السلبي من التشديد الكمي الذي بدأ في مارس أي أثر ملموس حتى الآن.
مع ذلك، فإن توجه الانتقال إلى تقليص ميزانية التيسير الكمي بشكل أسرع واضح. فما زال “المركزي الأوروبي” يدير ميزانية أكبر بكثير من نظيرتها قبل الجائحة، إذ تضم أكثر من 5 تريليونات يورو من سندات التيسير الكمي. ورغم تباطؤ المرحلة الأولى من سحب أموال التحفيز في فترة الجائحة، تتغير وجهة الاهتمام إلى حيث يمكن استخدام التشديد النقدي بأمان.