الرأي

المصريين شعب يعشق الموضة .. وعلى مدار ثلاثين شهراً كانت الموضة هي تصنيف الناس .. كل الناس .. بدأها رموز

المصريين شعب يعشق الموضة .. وعلى مدار ثلاثين شهراً كانت الموضة هي تصنيف الناس .. كل الناس .. بدأها رموز الإخوان وإندفع ورائهم الجميع بلا أدنى تفكير .. بدأوا بتصنيف الواقفين ضد أحداث يناير على إختلاف مشاربهم ب "الفلول" كلمة غريبة على المجتمع المصري .. كلمة هي وصف قديم للبقية المبعثرة المذعورة من جنود الجيش المهزوم المدحور .. كنت أعلم من أول لحظة أن الإخوان لم يطلقوها جزافاً بل بالعكس هم يعلمون أنهم سيستخدمونها بمعاونة غطائهم العلماني الهش في البداية ثم سيجعلونها تنسحب على كل من يخالفهم الرأي حتى لو كان من استخدموهم كغطاء علماني لتجميل وجههم القبيح في محاولة قلب نظام الحكم التي نجحوا فيها

اليوم ألاحظ أن الكثيرين ممن شاركوا الإخوان وكانوا لهم غطاءً في يناير 2011 يشعرون بغضب شديد لأن الإخوان بدأوا بتصنيفهم هم أيضاً .. بعضهم سماه الإخوان فلولاً والبعض الآخر سموهم لاحسي البيادة ناهيك طبعاً عن إطلاق وصف الكفار على المجتمع المصري كله .. هم ينفون عن أنفسهم تهم الفلولية ولحس البيادة ولابد أن تكون لنا هنا وقفة

الوصف والنعت .. كلمات كثيرة تُستخدم لوصف شخص أو مجموعة كأن تقول أن فلاناً ذكي أو علاناً غني أو أن هذا الحزب كسول أو تلك الجامعة مجتهدة ..  أما عندما يتحول النعت من الوصف إلى الوصم فها هنا يأتي التصنيف .. هناك أوصاف كثيرة تميز ما بيننا كأن نوصف بجنسياتنا هذا مصري وهذا إيطالي إلخ .. ويمكن أن نوصف بأيديولوجياتنا فهذا ليبرالي وهذا يساري ديمقراطي أو اشتراكي تقدمي أو يميني محافظ أو يساري ثوري أو يميني متطرف .. ويمكن أن نوصف بأدياننا فهذا مسيحي وهذا مسلم وهذا هندوسي وهذا يهودي والآخر بوذي .. ويمكن أيضاً أن نُعرًف بأسمائنا

كل تلك التسميات والأوصاف قابلة للتغيير فالكل يملك تغيير أيديولوجيته أو دينه أو حتى اسمه .. أما الوصم فشيء آخر فالوصم دائماً ما يكون وسيلة للتحقير أو التمييز السلبي في مجتمع معين بتركيبة اجتماعية وثقافية ونفسية معينة .. في المجتمع المصري الذكوري مثلاً ستجد البعض يطلق لفظ كأرامل السياسي فلان على أنصار سياسي هُزم في انتخابات وكأن الأرملة سُبًة وفقدان المرأة لزوجها مسبًة .. وستجد المُبرمجين لتنفيذ خطة عدائية تهدف لتدمير الجيش المصري مصرين على تحقير الجيش وإتهام كل من يتحيز لجيش بلده بأنه لاحس بيادة ليس فقط احتقاراً للمواطن المدني المتحيز لجيش بلده ولكن أيضاً احتقاراً وتحقيراً لجيش كبير بإختزاله في البيادة وهي حذاء الجندي

وهنا لابد أن أضرب بنفسي مثلاً في التصنيفات التي تعرضت لها شخصياً على مدار 30 شهراً .. فمنذ البداية كنت ضد أحداث يناير عندما تحولت في الثامن والعشرين من الشهر إلى أحداث دموية تهدف إلى إسقاط الدولة المصرية .. فظهر الكاتب الطبيب ليصمني وكل من اتفق معي في الرأي بأننا مصابين بمتلازمة ستوكهولم وبأننا مرضى نفسيين نحتاج إلى العلاج لأننا وقعنا في غرام قامعنا ومعذبنا .. وبعد أن تنحى الرئيس السابق مبارك أصبحت المجموعة التي كانت ضد تنحيه ومع الإنتقال الدستوري للبلاد في خلال 9 أشهر توصم بأنها "فلول" مبارك .. الملايين ممن وُصِموا بأنهم فلول مبارك لم يكونوا يوماً أعضاءً في الحزب الوطني ولا من منتفعي نظامه .. وقتها شعرت أنهم يصفوننا بالفلول لأننا فلول الدولة المصرية التي أسقطوها ولأننا فلول الجيش المصري الذي هزموه في أول جولة من الحرب

بعدها انتشر وصم العبيد .. فكل من لم يشارك التحريريين في يناير في اعتدائهم على مؤسسات الدولة ونسج غطاء علماني يخفي تحته لحى الإخوان فهو عبد لا يريد الحرية التي أتى بها الإخوان الأمريكيون وشركائهم من اليسار .. لم أفهم وقتها ما هو تعريفهم للحرية لأني ومنذ ولدت كنت دائماً حرة في قناعاتي وآرائي وفي التعبير عنها ولم تتعرض الدولة يوماً لي أو تصادر على حرياتي العامة والخاصة .. أخذ التحريريون يصموننا بأننا العبيد الذين يرفعون الشمسية عندما أمطرت علينا السماء بالحرية التي جاءوا يهبوننا إياها .. الحرية التي لا نستحق لأننا خالفناهم الرأي .. جاءوا ليعلموننا الكرامة بهدم بلادنا وإسقاط دولتنا والإنقلاب على النظام الجمهوري المصري صاحب الستين عاماً والذى حظى بالكرامة حتى في هزائمه التي حولها لإنتصارات

ثم ظهر تعبير حزب الكنبة تحقيراً وتهميشاً لكل من لم يشارك في فعاليات يناير لإسقاط الدولة المصرية .. وكأن صاحبه يقول للمصريين طالما أنتم لم تشاركونا جنوننا فعليكم أن تصمتوا إلى الأبد .. فكانت المواجهة الأولى في استفتاء مارس سيء الذكر عندما نزلت الكنبة لتختار عكس اختيار التحرير ولو كان اختياراً سيئاً .. يدعون أن من اختار نعم لتعديل الدستور وقتها كلهم من أتباع أصحاب اللحى ونعم مع الله وهنا كانت سقطة التحريريين الأولى .. فكتلة نعم مع الله لم تكن لتتعدى بأي شكل من الأشكال ثلث من نزلوا للتصويت أما الغالبية فقد صوتت بنعم لأنها استشعرت أن هذا هو خيار الجيش والأهم أنها أرادت أن تثبت أن لها حقاً في وطنها وأنها لا تريد لقرار الدولة المصرية أن يؤخذ من الميادين ومن على النواصى ومفترقات الطرق ومقهى البورصة .. وبرغم أني محسوبة على حزب الكنبة فقد تغلبت على كبريائي واخترت لا لأنها كانت من وجهة نظري في صالح بلدي فقد كنت طامعة لدستور حداثي جديد يأخذنا للأمام وإن كان من مثلي قليلون

وعندما بدأ العداء بين نشطاء اليسار أصحاب الصوت العالي والجيش المصري وبدأوا بالتبجح على الجيش والهجوم عليه وهنا لا أتحدث فقط عن هجوم 23-7-2011 ولكن القصة بدأت مبكراً بضباط 8 أبريل المنشقين في تأهيل نفسي مبكر للشعب المصري بإنشقاقات وتخلخل سيحدث لاحقاً في الجيش .. اتحد اليمين المتطرف المتمثل في تنظيم الإخوان السراديبي المافيوي مع اليسار المتطرف المتمثل في المجموعات الأناركية والإشتراكيين الثوريين وحتى الأكثر اعتدالاً من الناصريين والعروبيين والقوميين .. اتحدوا جميعاً على إهانة وتحقير الجيش المصري تمهيداً لتنفيذ الهدف الأمريكي الأسمى في تكسيره وتفكيكه وهنا ظهر وصم جموع غفيرة من الشعب المصري المساند لجيشه بلاحسي البيادة

لعبت مواقع التواصل الإجتماعي دوراً مهماً للغاية في تجييش المراهقين والباحثين عن الإنتماء إلى مجموعة والراغبين في إثبات الذات فأصبح للنشطاء دراويشهم ولنجوم يناير تابعيهم يرددون بلا تردد كل ما يقوله هؤلاء وبدون أي تفكير .. هم يريدون أن يتفاخروا وسط أقرانهم بأن الناشط الفلاني قام بريتويت لكلمة وجههوها له أو بأن فلان الذي يظهر على الفضائيات رد على تعليق وجههوه إليه .. فكان أن انتشر الوصم لمجموعة أكبر من المصريين

بعد انتخابات الرئاسة في 2012 وإعلان فوز المرشح الإستبن لتنظيم الإخوان أصبح ناخبي المنافس الآخر وهم على أقل تقدير 48% من الناخبين يلقبون بأرامل شفيق .. وصم جديد اشترك في إطلاقه السيناريست المشهور بالأعمال الكوميدية الفجة متدنية المستوى والصحفي الناصري المخضرم الذي كان له عداء مُضخم مع نظام مبارك ولطالما وقف في صف حزب الله عندما تجرأ على الدولة المصرية والجيش في 2008-2009 .. تنوع الوصم ليشمل أيتام مبارك وأرامل شفيق وكأن اليُتم شيء يعاير به المرء وكأن الترمل مَسبًة وتأتي تلك الأوصاف الذكورية المنحطة ممن يسمون أنفسهم مثقفين ونُخبة وما هم بالنسبة إلينا إلا أدعياء مُدًعين ونكبة

بعد وصول تنظيم الإخوان الحكم وانقلابهم على الدستور المؤقت الذي تمت بموجبه الإنتخابات وأقسم عليه الرئيس .. ليعود فينقلب عليه فقط بعد 43 يوماً من تسلمه الحكم .. وبعد تحديهم للقانون ومحاولاتهم الحثيثة لهدم كل أركان الدولة المصرية والتكويش على كل السلطات وإقصاء الجميع حتى من كانوا حلفائهم المروجين لعصر اللمون .. استيقظت النخبة ونشطاء اليسار لتجد نفسها هي الأخرى ورموزها يوصمون ويفقدون كل أمل في الحصول على المناصب والمكاسب .. الشعب يكرههم والإخوان يعزلونهم ويهاجمونهم ويوصمونهم بنفس الوصم الذي استخدموه هم لوصم كل من اختلف معهم في الرأي .. اليوم يشتكون من وصف الإخوان لهم بالفلول ولاحسي البيادة وهم من كانوا يستخدمون تلك الأوصاف مع كل من خالفهم الرأي

وكمريضة بمتلازمة ستوكهولم وكنبة من العبيد ولاحسي البيادة و"المواطنين الشرفاء" النعت الذي أصبح سيء السمعة على يد نشطاء اليسار .. آن لي أن أقول لمن صنفوني ووصموني طيلة 30 شهراً بما ليس في .. آن لكم أن تذوقوا ما صنعت أيديكم .. وصمتمونا بما ليس فينا لمجرد أننا مارسنا حريتنا في التعبير عن رأي لم يصادف هوىً في أنفسكم .. ناديتم بالحرية ولكن فقط لأنفسكم رفعتم شعارات براقة فقط لتتسيدوا بها على الناس لا لتخدموهم أو تنروهم أو تأخذوا بأيديهم .. لا تصدعونا اليوم عندما انقلب السحر على الساحر

بعضكم كان غطاءً علمانياً مدفوع الأجر وهو يعلم أنه يأتي بمشروع ثيوقراطي فاشي لحكم مصر وبعضكم كان من الحالمين الغافلين فارغي الأنا والذات استحل لنفسه وصم الناس وتجريسهم وإقصائهم وتهميشهم وعزلهم ومصادرة حقوقهم السياسية والإجتماعية بلا أي وجه حق .. مارستم الإغتيال المعنوي على الناس حتى كرهكم الناس وحقاً وفعلاً لحستم البيادة وكعب البيادة وقعر البيادة حتى تخلصكم من حلفائكم رفقاء الميدان الطاهر والفصيل الوطني فلا تمارسوا الآن دور الضحية فلستم بضحايا ولكنها نتيجة ما جنت أيديكم على مصر

وإلى المنادين بالمصالحة أقول .. لا مصالحة إلا بتحقيق العدالة ومحاكمة كل مجرم على ما اقترفه في الثلاثين شهراً الماضية .. يتلوا ذلك مصالحة مجتمعية ومحاولة لإيجاد وسيلة للعيش المشترك يكون فيه للإختلاف في الرأي حدود لا تصل إلى الإقتتال أو الإلغاء أو الإقصاء ويكون حرب الفكرة بالفكرة دون شخصنة أو شيطنة .. كلامي لا ينطبق على الإرهاب والإرهابيين فلا تصالح مع إرهاب ولا سماح بخلط الدين بالسياسة لتغييب الناس وغسل أدمغتهم ولا تهاون في صون حريات الناس كافة

أما نجوم يناير وأبواقها وبعد أن أصبحت يناير بحكم محكمة مُعرفة على أنها محاولة ناجحة لقلب نظام الحكم بالتآمر مع إرهابيين أجانب .. وبعد أن قامت عليها ولإسقاط كل إفرازاتها هبًة عظيمة وثورة شعبية مجيدة في 30 يونيو فنصيحتي المخلصة لكم أن اصمتوا .. أعيدوا حساباتكم في هدوء وتواضعوا وانزلوا من عليائكم لتسمعوا إلى الناس ولو لمرة واحدة فربما أسأتم التقدير أو الفهم في مرحلة ما .. اصمتوا حتى تتضح الحقائق كاملة ثم قيموها واعرضوا أفكاركم على الناس ولهم الحق في أن يغفروا لكم أو أن يلفظوكم

محاولاتكم المستمرة للسيطرة على الناس بأصواتكم العالية وفرض أرائكم عليهم لن تجدي .. مصر لن تعود إلى الخلف .. لن يعود نظام مبارك ولا تنظيم الإخوان .. اجعلوا هذا نصب أعينكم وأنتم تعيدون حساباتكم .. هذه هي نصيحتي المخلصة من لاحسة بيادة عتيدة إلى لاحسي البيادة الجدد .. فيا من صنفتم الناس ووصمتوهم أتى اليوم كي تُصنًفوا وتوصَموا ولعله درس نتعلم منه جميعاً ونسعى لعدم تكراره حرصاً على سلام مجتمعي في مصر جديدة تسير بكل أبنائها إلى الأمام.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى