النظم الرئاسية ليست كلها متماثلة ، تختلف من دولة إلى أخرى بعضها مسماه «رئاسي» ..إلا أنه في حقيقة الأمر يكون

النظم الرئاسية ليست كلها متماثلة ، تختلف من دولة إلى أخرى بعضها مسماه «رئاسي» ..إلا أنه في حقيقة الأمر يكون «برلمانيًّا» لا صلاحية فيه للرئيس إلا في لمام الأمور . مثل هذا النوع من النظم لا يصلح لدولة مثل مصر ، وقد جربته .. وفشل .. وقاد إلى ثورة مَرة ، وقاد إلى صراع حكم في مَرة أخرى.
في الولايات المتحدة أشهر نظام رئاسي، تعود فيه شرعية الرئيس إلى الشعب الذي ينتخبه مباشرة ، ويتحقق توازن السلطة مع مجلس تشريعي من غرفتين منتخب بدوره بشكل مباشر من الشعب . ولا تنشأ من هذا المجلس السلطة التنفيذية ..يراقبها ويحاسبها ولكنه لا يمكن أن يستجوبها أو يقيلها.. حتى لو كان يمكنه أن يسبب لها الشلل كما هو حادث في الأزمة الآنية.
ويتشابه نظام الولايات المتحدة مع كل من المكسيك والبرازيل .. مقابل نظام أقل اختلافا في فرنسا ، حيث الرئيس هو أعلى السلطة التنفيذية .. لا يخضع لمساءلة البرلمان ، ويكون رئيس الوزراء كرأس تالٍ للسلطة التنفيذية خاضعاً للبرلمان ومحاسبته وتنشأ مكانته من الأغلبية البرلمانية لا التصويت المباشر من الشعب.
في فرنسا ، تتسق الأمور عندما يكون الرئيس ورئيس الوزراء من حزب واحد ، فإذا ما كانا من حزبين مختلفين توزعت بينهما الصلاحيات .. وتكون للرئيس السياسة الخارجية وشئون الدفاع والأمن القومي ، ويكون لرئيس الوزراء الاقتصاد والشئون الداخلية. وفي كثير من الأحيان تحدث تقاطعات حادة حين يكون هذا الوضع المتنافر قائما .. غير أن استقرار الدولة ، وقوة نظاميها المحلي والبيروقراطي يحصناها من صراعات سياسية مماثلة وقد تكون معقدة للغاية .
في إيطاليا نظام رئاسي، لكنه ليس كذلك ، يختار فيه البرلمان رئيس الجمهورية، وليس عن طريق التصويت المباشر.. وهو لا يتمتع بصلاحيات تنفيذية ينفرد بأغلبها رئيس الوزراء الذي تنشأ سلطته من الأغلبية البرلمانية التي يحصل عليها حزبه في الانتخابات. وعادة ما يظهر الرئيس في الاستقبالات الرسمية وتوقيع بعض الاتفاقيات وحين يُكلف رئيس الوزراء بمهمته.
هو رئيس لا يحكم، ما يجعل النظم المماثلة قريبة من النظام البرلماني في بريطانيا، مع اختلاف طريقة اختيار رئيس السلطة الأعلى (الشكلاني).. وقد عانت مصر من الحالتين .. حالة النظام البرلماني ، تحت مظلة الملك ، وحالة الرئيس الذي لا يحكم حقًّا .. وكلاهما أدى إلى تحولات كبرى عبر مراحل من عدم الاستقرار.
النظام البرلماني ، قبل ثورة ١٩٥٢ ، على الرغم من أنه كان يستند إلى نظام حزبي أصلب بنيانا من الوضع الحزبي الحالي ، فإنه نتيجة لعوامل مختلفة سقط مرات في ما بين هيمنة الملك ونفوذ الاحتلال .. وصولا إلى حالة تشرذم حزبي عنيفة أدت ـ ضمن أسباب أخرى ـ إلى المناخ الذي قاد للثورة نفسها.
وقتها كان هناك ملك لا يحكم رسميًّا لكنه يدير الأمور من خلف الستار عمليًّا ، ولديه نفوذ بأدوات غير سياسية على الأحزاب .. وفق ما هو معروف تاريخيًّا.
لقد كان هذا نتيجة طبيعية لما يمكن وصفه بأنه نظام حكم متعدد الرؤوس : رأس يُنتخب ويُحاسب ولا يحكم واقعيًّا ، ورأس خفي .. لا يُنتخب ولا يُحاسب ويحكم من خلف الستار.
في وقت لاحق كانت حالة الرئيس محمد نجيب مثالا على تعدد الرؤوس .. بين لواء يعتقد هو أن معه كل الصلاحيات ، في حين أن القوة والنفوذ كانت لدى مجلس قيادة الثوره الذي أقاله في نهاية الأمر . حدث هذا ضمن فعاليات الأزمة السياسية الشهيرة في ١٩٥٤.
من الخطورة أن تتجه مصر إلى حالة مماثلة الآن ، سواء لأسباب دستورية ، أو بسبب تفكير سياسي ناشيء..
دستوريًّا يغلب على تفكير لجنة الخمسين توجه حزبي يسعى إلى منح صلاحيات واسعة، ليست أوسع فقط ، لرئيس الوزراء والبرلمان الذي سيأتي به.. وتقليص متعمد لصلاحيات الرئيس .. بحيث لا يمكن القول إننا بصدد نظام مختلط ، فضلا عن كونه غير رئاسي.. وإنما نظام برلماني بمسحة رئاسية.
وفي الوقت الذي لن يقوى النظام الحزبي الحالي على الصمود في وجه هكذا «نظام»، بينما لا يوجد في مصر مجموعة قوية من الأحزاب.. فإن اللجنة العابثة تتجه في ذات الوقت إلى إهدار قيمة أصوات الناخبين الذين سيأتون بالرئيس ليكون أقرب إلى «موقِّع» على الأوراق بينما هو على رأس السلطة التنفيذية.
سياسيًّا ، يعتقد البعض أنه يمكن حل أزمة تعدد المرشحين المحتملين من رجال الدولة الأقوياء بعيدًا عن صندوق الانتخابات ، بطرح صيغة توافقية تقبل برئيس «إيطالي».. يؤجل حسم احتمالات تنافس القوى إلى مرحلة تالية بدلاً من خوضه الآن. هذا سيناريو مهترئ سيؤدي إلى «مرحلة حقيقية من عدم الاستقرار» لا شك في ذلك.
إن مصر تحتاج رئيسًا قويًّا ، قادرًا بشرعية الناخبين على أن يعبُر بها المرحلة القلقة، ويحقق الانتقال الديموقراطي ، ويكون خاضعا للمحاسبة، بشرط أن تكون لديه صلاحيات واضحة، لا تنال من قدرة رئيس الوزراء .. وفي نظام متوازن، لا يطغى فيه الرئيس، ولا يكون فيه البرلمان ساحة لاستعراض غثاء المبعثرين حزبيا .. وبما قد يؤدي إلى حصول قوى التطرف الديني على زخم جديد .. هي نفسها مقتنعة بأنه لن يعود إليها أبدا.
