بعد أقل من ستة أشهر على وجودها في السلطة، تواجه حكومة يمين الوسط الإسبانية بزعامة ماريانو راجوي إمكانية حدوث كارثة
بعد أقل من ستة أشهر على وجودها في السلطة، تواجه حكومة يمين الوسط الإسبانية بزعامة ماريانو راجوي إمكانية حدوث كارثة سياسية ومالية كانت واثقة في وقت من الأوقات أنها تستطيع أن تتجنبها: عملية إنقاذ دولية مهينة تشبه العمليات التي سبق أن قدمت لزميلاتها الأعضاء في منطقة اليورو؛ اليونان وإيرلندا والبرتغال.
وحاول راجوي، رئيس الوزراء المنتمي إلى الحزب الشعبي الذي أطلق برنامجاً للإصلاحات الاقتصادية بعد أن حقق نصراً انتخابياً كاسحاً على منافسيه الاشتراكيين، أن يعيد الثقة إلى أوساط قادة الأعمال الذين ازدادت عصبيتهم في عطلة نهاية الأسبوع، عندما أخبر مؤتمراً بأن إسبانيا "ليست على حافة الهاوية"، مضيفا: "أنها ليست حوضاً للورد، لكن هذه ليست ليلة الرؤيا كذلك".
ومع خروج المال من البلاد واقتراب أسعار الفائدة على الدين السيادي الإسباني من مستويات عالية غير قابلة للاستمرار –زادت عوائد السندات لعشرة أعوام على 6.5% يوم الجمعة – من غير المرجح أن يكون لديه كثير من الوقت.
ولا يعتبر أي من الخيارات الرئيسية الثلاثة المتاحة مستساغاً بشكل خاص لإسبانيا، وهي جميعا تنطوي على مخاطر بالنسبة إلى مدريد وكذلك للاقتصادات الأوروبية والعالمية، لكن ستكون لها نتائج سياسية واقتصادية مختلفة بصورة مميزة.
الخيار الأول عملية إنقاذ دولية كاملة. ويحرص راجوي ووزراؤه بشدة على تجنب عملية إنقاذ رسمية تقوم بها المؤسسات الأوروبية وصندوق النقد الدولي، خشية أن تعمل وصمة التدخل والتقشف القاسي الذي يرجح أن يتم فرضه، على تدمير صدقية الحزب الشعبي وتبقيه خارج السلطة على مدى جيل من الزمن.
ولن تكون هذه الخطوة العنيفة موضع ترحيب من قبل شركاء إسبانيا الأوروبيين الذين يريدون الإبقاء على إسبانيا في أسواق السندات. كذلك من شأن عملية الإنقاذ أن تضغط موارد الاتحاد الأوروبي إلى أقصى حد، وأن تثير في الوقت نفسه أسئلة حول ما إذا كانت إيطاليا وبلجيكا، وحتى فرنسا، في حاجة إلى مساعدة هي الأخرى، الأمر الذي يهدد مشروع اليورو بأكمله.
وأحصى محللون في مصرف رويال بانك أوف سكوتلند تكلفة عملية إنقاذ إسبانيا – بما في ذلك الأموال اللازمة لإعادة رسملة البنوك المتعثرة، وتمويل العجوزات الموجودة في الميزانية، وتدوير الدين السيادي الحالي – مبينين أنها تراوح بين 409 مليارات يورو و455 مليار يورو حتى نهاية عام 2014، بينما يبلغ مجموع الأموال المتوافرة لآلية الاستقرار الأوروبية التي من المقرر تأسيسها بعد الأول من يوليو 500 مليار يورو. وقال رويال بانك أوف سكوتلند: "إن إيطاليا تنظر بعصبية".
الخيار الثاني عملية إنقاذ جزئية. ويشتمل هذا السيناريو الذي تتم مناقشة نسخ منه في مدريد وبروكسل وفرانكفورت وبرلين، على استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لإعادة رسملة البنوك الإسبانية – والتي سيتعين توزيعها بواسطة الدولة الإسبانية بموجب القواعد الحالية – ومن الممكن أن تشتمل على إعادة إحياء عملية شراء البنك المركزي الأوروبي للسندات السيادية.
والحكومة الإسبانية التي أممت مصرف بانكيا، وهو مجموعة خاسرة من سبعة مصارف ادخار سابقة، وأعلنت أن المصرف بحاجة إلى 19 مليار يورو على شكل رأسمال إضافي، تعلم أنها في حاجة إلى الأموال الخارجية لنظامها المصرفي بسبب صعوبة جمع مزيد من الأموال النقدية في أسواق السندات السيادية. لكنها تأمل في أن يتم الاتفاق على حزمة مساعدات بأقل قدر ممكن من الشروط الخارجية ـ التي سبق لها أن أطاحت بحكومات بلدان أخرى.
ويقول مورينزو بيرنالدو دي كويروس، وهو محلل اقتصادي يوجد مقره في مدريد: "المسألة هي كيفية الحصول على الأموال من دون تدخل، من دون فرض شروط الترويكا (المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي)".
وإحدى ميزات هذا الخيار هي أن طلب الأموال الأوروبية في المدى القصير يمكن تدبره أكثر مما في عملية إنقاذ كاملة، رغم أن التقديرات لرأس المال الجديد الذي تحتاج إليه البنوك الإسبانية تراوح بين 30 مليار يورو وما يزيد كثيرا على 100 مليار يورو.
وقد أثار المسؤولون الإسبان غضب نظرائهم في بروكسل وبرلين بإلحاحهم في طلب أموال غير مشروطة من الاتحاد الأوروبي، حتى مع ملاحظة أن الجهات التي تعاني أكثر من غيرها من تخلف إسبانيا عن سداد ديونها هم دائنو مدريد وعلى رأسهم البنوك الألمانية والفرنسية.
ولا يظهر مسؤولو الاتحاد الأوروبي والمسؤولون الألمان أي تغير في مواقفهم ويقولون لن تكون هناك صفقة إنقاذ من دون شروط، وإن كانوا يقولون أيضا إن من غير المرجح أن يطالب الاتحاد الأوروبي بأكثر مما تقوم به إسبانيا فعليا.
الخيار الثالث والأخير هو أن يجلس الجميع مشدودين دون أن يفعلوا شيئا. وقد أعلنت وزارة الخزانة الإسبانية بجرأة أنها ستقيم مزاداً على السندات يوم الخميس. وهناك مدرسة فكرية في مدريد تدعو إلى التحلي بالصبر. وحسب وجهة النظر هذه، فإن إسبانيا قامت بكل شيء تقريباً لإعادة الاقتصاد إلى عافيته في المدى الطويل – بما في ذلك إصلاح المصارف وإصلاح سوق العمل والإصلاح المالي – ويجب عليها أن تثابر في الأشهر القليلة المقبلة حتى لو كان ذلك يعني دفع عوائد عالية كي تقترض.
ويعتقد قليل من الخبراء الاقتصاديين والمستثمرين الآن أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تنجح، ولو فقط لأن الاقتصاد في حال كئيبة لدرجة يحتمل معها ألا تحقق الحكومة الأهداف التي اتفقت عليها مع بروكسل. ويتوقع بيرنالدو دي كويروس أن يصل عجز الميزانية إلى 7 % من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقارنة بالنسبة المستهدفة وهي 5.3%، بينما ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2 %.
وتتجه البطالة التي تؤثر بالفعل على 25% من القوة العاملة في البلاد، إلى جعل ستة ملايين شخص بلا عمل. وأظهر مؤشر ماركيت لمديري المشتريات يوم الجمعة الماضي أن قطاع الصناعة التحويلية عاني في مايو من أسوأ تدهور منذ الشهر نفسه عام 2009، أصعب فترات الأزمة التي أعقبت انهيار بنك ليمان براذرز.
وكما في اليونان، وبدرجة أقل في إيرلندا والبرتغال، التقشف من دون نمو يعتبر ساماً من الناحية السياسية لمن هم في السلطة، فضلا عن أن دوره في استعادة الاستقرار المالي مشكوك فيه.