اتصالات
تُصنع هواتفنا من معادن نادرة لكنها تكلف كوكبنا الكثير، لكن العلماء ربما يتوصلون إلى

تُصنع هواتفنا من معادن نادرة لكنها تكلف كوكبنا الكثير، لكن العلماء ربما يتوصلون إلى طريقة لصناعة هواتف ذكية صديقة للبيئة في المستقبل القريب.
توصل فريق من الباحثين بجامعة كمبريدج إلى طريقة أكثر أماناً لاستخراج العناصر الأرضية النادرة، التي تشكل المواد الأساسية في صناعة هواتفنا الذكية، وهي الطريقة التي يمكن أن تساهم في نهاية المطاف في إنقاذ كوكب الأرض.
عندما تفكر من أين جاء هاتفك الذكي، أول ما يخطر ببالك عادةً هو المحل الذي اشتريته منه، أو الشخص الذي باعك إياه على الإنترنت، أو عندما حصلت عليه على شكل هديةً من أحد أقاربك العام الماضي.
لكن تفكيرك هذا في عالم التكنولوجيا لا يعكس الحقيقة الأكثر تعقيدا.
فالحقيقة هي أن المادة الأساسية في هاتفك الذكي تأتي من منجم واحد في الصين، وهو منجم بايان أوبو الذي يزود العالم بنسبة 95% من العناصر الأرضية النادرة، وهي المعادن المتعددة النادرة التي تشكل أساس هاتفك الذكي.
فمادة اللانثانوم على سبيل المثال هي التي تعطي شاشات هواتفنا ملمسها الأملس، ولونها المظلل، ومادة النيوديميوم عالية المغنطة تُصنع منها مستقبلات ومكبرات الصوت وقطع خاصية الاهتزاز، لكن الحصول على هذه الرفاهية تقابلها خسارة بيئية كبرى.
السبب في اعتبار هذه المواد نادرة هو ليس لأنها ثمينة في حد ذاتها، وإنما لأنها صعبة الاستخراج كمادة خام، فذلك يحتاج إلى شروط كيميائية وبخارية معقدة تؤدي إلى تسميم البيئة المحيطة.
تحدث موقع "بي بي سي فيوتشر" منذ عامين عن أن هيمنة الصين على سوق التكنولوجيا لا يتعلق كثيرا بالعامل الجيولوجي، بل باستعدادها لتحمّل الانتقادات البيئية، التي تتجنبها دول أخرى.
إنها مسألة تدفع الحكومات إلى أن تسأل عما إذا كانت هناك طريقة صديقة للبيئة لإشباع نهم العالم للتكنولوجيا.
هذا ما يعتقده تيل رايلي، وهو عضو في فريق مختصين جيولوجيين من جامعة كمبريدج، واللجنة البريطانية لبحوث القطب الجنوبي، التي تتقصى طرقاً جديدة لإيجاد عناصر طبيعية نادرة خارج الصين.
ويقول رايلي: "يتزايد الطلب على العناصر الطبيعية النادرة ونحن بحاجة لإيجاد مكامن جديدة لها".
ورغم أن العناصر الأرضية النادرة تشكلت منذ وقت طويل عندما ذابت قشرة الأرض، فإن بحث الفريق في مساحات جديدة لا يرتبط فقط بالأرض. فقد وجدوا طريقة جديدة لاستكشاف ما تحت سطح الأرض لإخراج عناصر أرضية نادرة من خلال إرسال مركبات جويّة بلا سائق وأقمار صناعية إلى الفضاء.
ولا تظهر المعادن الأرضية النادرة بمعزل عما حولها، فهي جزء من صخور ومعادن أخرى، بمعنى أن اكتشاف وجودها يتطلب إيجاد مؤشرات تدعى "آثار طيفية" استطاع الفريق عزلها وتحديدها.
فالمجسّات عن بعد الموصولة بالمركبة الخفيفة أو القمر الصناعي الذي يلتقط صور الأرض يمكنها رصد تلك المؤشرات وإيجاد مستودعات جديدة للعناصر الأرضية النادرة حول الكرة الأرضية.
ويضيف رايلي: "المهم في الموضوع هو أنه يمكننا معرفة مواقع تلك العناصر النادرة حتى وهي داخل التربة والطين، وهي التي تعد أصعب في تحديد موقعها مقارنة بالرواسب الأخرى في شكلها الصخري. كما أن استخراج وتصنيع تلك العناصر النادرة أسهل بكثير عند تحديد موقعها، وبالتالي سيكون ذلك أقل تسميماً للبيئة".
تتطلب عملية استخراج العناصر الأرضية النادرة من الرواسب الخام، كما تفعل الشركات في الصين، مغاطس حامضية سامة ومشعة، لذا يعد إيجاد تلك المواد بكُتَلها الترابية والطينية لاستخراج المواد منها خطوة كبرى نحو صحة بيئية وعامة أفضل.
وقد استطاع الفريق تحديد نقاط محتملة في غرين لاند غربي استراليا وفي مدغشقر حيث سيبدأون عمليات البحث، والتي لن تقف عند هذا الحد. وكما يقول رايلي: "لا يزال هناك شيء واحد لا نقوم به بشكل صحيح، وهو عملية إعادة تصنيع العناصر الأرضية النادرة من الأجهزة التي لم تعد مستعملة. فرغم أن كمية تلك المواد المستخدمة في الأجهزة الشخصية صغيرة، لكن ذلك يعتبر أمراً غير اقتصادي وربما سيتغير لاحقا".
ويتفق ريز تشارلز، وهو زميل في برنامج التحول التكنولوجي بجامعة سوانزي، مع فكرة عدم وجود وسيلة لإعادة استخدام الأجهزة القديمة: "إن التحول من الخط الاقتصادي القائم على مبدأ خذ واصنع واستخدم ثم تخلّص من المنتج إلى عملية اقتصاد دائري أمر جوهري لتحقيق تطور اقتصادي مستدام ومستمر".
رغم توقع تباطؤ سوق الهواتف الذكية في العالم على مدى السنوات القليلة القادمة، إلا أن الطلب على الهواتف يظل هائلاً. إذ يتوقع المستهلك باستمرار تحديثاً سريعاً لهاتفه الذكي، كما أن البلدان النامية مثل الهند وإندونيسيا تُعتبر أسواقاً صاعدة تتطلع لنمو الهواتف الذكية. وحسبما يقول تشارلز: "علينا فصل نمونا الاقتصادي عن استهلاك المصادر الرئيسة".
ومن سخرية القدر أن تقنية المجسات ذات التحكم عن بعد التي تستخدمها لجنة المسح البريطانية للقطب الجنوبي قد تؤثر على إمكانية إعادة تدوير الأجهزة القديمة لإعادة استخدام العناصر النادرة فيها في المستقبل.
فإذا تم إيجاد مناجم جديدة وتطويرها، فإن القيمة الشرائية لتلك العناصر النادرة ستنخفض بشكل حتمي وهو من شأنه أن يدفع الغرب إلى التوقف عن إنفاق المزيد من الأموال على عمليات إعادة التدوير.
ويضيف تشارلز: "وفي هذه الحالة، فإن التقدم الذي يعزز نجاح التعدين على حساب إعادة التدوير سيكون ضاراً لاحتمالات تطوير مصادر ثانوية للعناصر الأرضية النادرة، وبالتالي سيؤثر على أهمية الثروات عالمياً".
في حين تبدو أيام تفوق منجم بايان أوبو الصيني معدودة، فإن العبء البيئي لصنع الهواتف الذكية لا يجعلها أقل شأناً بأي شكل من الأشكال.
ويعتبر تيل رايلي أنه ليس هناك حلا واحدا لكافة المشاكل: "والمفارقة هي أننا نسبب مشاكل بيئية جديدة أثناء سعينا لإيجاد حلول لمشاكلنا البيئية الراهنة. إن العناصر الأرضية النادرة ليست قليلة، ويمكننا عملياً أن نبدأ في استغلال قاع البحار، لكن هذا سيفتح علينا نار مشكلة بيئية جديدة".
نقلا عن BBC Future .