الأخيرة
ثورة 19 ..الذكري 96 لانتفاضة هزت بريطانيا لكنها لم تكتمل

كانت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية على السياسة البريطانية في مصر عقب الحرب العالمية الأولى، بقيادة الوفد المصري الذي كان يرأسه سعد زغلول ومجموعة كبيرة من السياسين المصريين، كنتيجة لتذمر الشعب المصري من الاحتلال الإنجليزي وتغلغله في شؤون الدولة بالإضافة إلى إلغاء الدستور وفرض الحماية وإعلان الأحكام العرفية وطغيان المصالح الأجنبية على الاقتصاد. بدأت أحداث الثورة في صباح يوم الأحد 9 مارس 1919، بقيام الطلبة بمظاهرات واحتجاجات في أرجاء القاهرة والأسكندرية والمدن الإقليمية. تصدت القوات البريطانية للمتظاهرين بإطلاق الرصاص عليهم، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. استمرت أحداث الثورة إلى شهر أغسطس وتجددت في أكتوبر ونوفمبر، لكن وقائعها السياسية لم تنقطع واستمرت إلى عام 1922، وبدأت نتائجها الحقيقية تتبلور عام 1923 بإعلان الدستور والبرلمان.
.jpg)
كان لتأليف الوفد المصري المنوط به السفر إلى مؤتمر باريس للسلام، لمناقشة القضية المصرية بعد انتصار الحلفاء، أثره الكبير كمقدمة أدت إلى اشتعال الثورة. فقد اعتقلت بريطانيا سعد زغلول وثلاثة من زملائه لتشكيلهم الوفد ونفتهم إلى جزيرة مالطا، الأمر الذي أدى إلى بداية الاحتجاجات في مارس 1919. انطلقت تظاهرات في العديد من المدن والأقاليم المصرية وكانت القاهرة والأسكندرية وطنطا من أكثر تلك المدن اضطرابًا ، الأمر الذي أدى السلطات البريطانية إلى الافراج عن سعد زغلول وزملائه، والسماح لهم بالسفر لباريس . وصل الوفد المصري إلى باريس في 18 إبريل، وأُعلنت شروط الصلح التي قررها الحُلفاء، مؤيدة للحماية التي فرضتها إنجلترا على مصر.
أُوفِدت لجنة ملنر، للوقوف على أسباب هذه التظاهرات. وصلت اللجنة، في 7 ديسمبر وغادرت في 6 مارس 1920. دعا اللورد ملنر الوفد المصري في باريس للمجيء إلى لندن للتفاوض مع اللجنة، وأسفرت المفاوضات عن مشروع للمعاهدة بين مصر وإنجلترا ورفض الوفد المشروع وتوقفت المفاوضات. استؤنفت المفاوضات مرة أخرى، وقدمت لجنة ملنر مشروعاً آخر، فانتهى الأمر بالوفد إلى عرض المشروع على الرأي العام المصري. قابل الوفد اللورد ملنر وقدموا له تحفظات المصريين على المُعاهدة، فرفض ملنر المناقشة حول هذه التحفظات، فغادر الوفد لندن في نوفمبر 1920 ووصل إلى باريس، دون أي نتيجة.
دعت بريطانيا المصريين إلى الدخول في مفاوضات لإيجاد علاقة مرضية مع مصر غير الحماية، فمضت وزارة عدلي بمهمة المفاوضات، ولم تنجح المفاوضات بعض رفضها لمشروع المُعاهدة، فنشر سعد زغلول نداءً إلى المصريين دعاهم إلى مواصلة التحرك ضد الاحتلال البريطاني فاعتقلته السلطة العسكرية هو وزملائه، ونفي بعد ذلك إلى سيشيل.
حققت الثورة مطالبها، ففي 28 فبراير ألغت بريطانيا الحماية المفروضة على مصر منذ 1914. وفي 1923، صدر الدستور المصري وقانون الانتخابات وألغيت الأحكام العرفية. لم تستطع الثورة تحقيق الاستقلال التام، فقد ظلت القوات البريطانية متواجدة في مصر.
.jpg)
شاركت النساء في الثورة بقيادة صفية زغلول
حُدد مركز مصر قبل الحرب العالمية الأولى بمعاهدة لندن عام 1840 التي التزمت بها مصر، حيث كانت تعترف باستقلال مصر المكفول من الدول الموقعة وضمان عرش محمد علي باشا. قُيد هذا الاستقلال بالسيادة العُثمانية التي قررتها المُعاهدة، وتراخت هذه السيادة مع الزمن ولم يبقْ من مظاهرها غير الجزية التي كانت مصر تدفعها. عصف الاحتلال البريطاني باستقلالية مصر عام 1882، حيث دخلت القوات البريطانية مصر وقامت باحتلالها. كانت الحرب العالمية الأولى في يوليو 1914، وقد أخذت مصر فيها موقف الحياد، وفي 2 نوفمبر 1914 أُعلنت الأحكام العرفية ووُضعت الرقابة على الصحف من قبل السُلطَات البريطانية. في 18 أكتوبر 1914، تم تأجيل انعقاد جلسات الجمعية التشريعية ووضع قانون لمنع التجمهر وتفريقها ومعاقبة القائمين به دخلت تركيا الحرب ضد بريطانيا فأُصدِر بيان يُحَذِر المِصريين من أي أعمال عدائية ضد بريطانيا. أُعلنت الحماية البريطانية على مصر في 18 ديسمبر 1914، وسُلِبت من السيادة التركية (الدولة العُثمانية)، وفي اليوم التالي خُلِع الخديوي عباس حلمي الثاني الذي كان متواجد في الأستانة وتولى السلطان حسين كامل العرش. تولى حسين رشدي الوزارة، وألغيت وزارة الخارجية تبعًا لنظام الحماية.لم يصدر موقف رسمي من الجمعية التشريعية التي كانت تحمل صفة النظام النيابي حينها، كذلك من الوزارة. قام وكيل الجمعية سعد زغلول باشا باستقبال هنري مكماهون أول مندوب سامي بريطاني عُين في ظل الحماية في 9 يناير 1915، وقال عنه: «إن دلائل الخير بادية على وجهه، وأمل أن يجزل الله لمصر الخير على يده.»
تولت السلطة العرفية حكم البلاد، فكان أول أعمالها اضطهاد الحزب الوطني ومطاردة أعضائه ومناصريه واعتقل الكثير من منهم. تزايد سخط الشعب على الحماية وعلى السلطان حسين كامل لقبوله العرش في ظِلّ الانقلاب والحماية البريطانية، فاعتدي عليه مرتين. اتخذت القوات البريطانية من مصر قاعدة حربية لحلفائها في الشرق الأوسط فكانت قاعدة لحملاتها على العراق وسوريا وشبه الجزيرة العربية، ما كان له آثاره في شن القوات العثمانية حملتها على قناة السويس وقد شارك الجيش المصري فيها مع القوات البريطانية. أخذت القوات البريطانية تجمع مئات الألاف من العمال والفلاحين بالإكراه لإرسالهم في مختلف حملاتها للعمل مع الجيش البريطاني، فيما سمي بـ "فرقة العمل المصرية"، وقد مات منهم الكثيرين. عينت الحكومة البريطانية ريجنالد ونجت مندوبًا ساميًا لمصر، في نوفمبر 1916 بدلًا من مكماهون، وكان ونجت قائد الجيش المصري والحاكم في السودان، وقد زاد من النفوذ الإنجليزي على الحكومة والسلطان. توفي السلطان كامل في 9 أكتوبر 1917، وكان قد عَرض السلطنة على نجله كمال الدين حسين، لكنه تنحى عن ذلك، وارتقى السلطان فؤاد الأول العرش. لم يشأ فؤاد تغيير الوزارة، فعهد لحسين رشدي بتأليف الوزارة من جديد. كانت مصر قد صرفت من خزائنها في مصلحة بريطانيا منذ بداية الحرب 3.5 مليون جنيه إسترليني. انتهت الحرب العالمية الأولى، في 11 نوفمبر 1918، بهزيمة ألمانيا وانتصار قوات الحلفاء
كانت مصر في طليعة الدول التى خاضت جولات ضد حكم الفرد والتدخل الأجنبي، فكانت البداية على يد مصطفى كامل و محمد فريد فكان الحزب الوطني مُمهد للثورة.ظهر مشروع السير وليام برونيت – المستشار المالي للحكومة البريطانية في مصر – لوضع تعديلات في القوانين والنظم القضائية والإدارية لتنسجم مع الحماية البريطانية. سُميت اللجنة "لجنة الامتيازات الأجنبية"، فقد وضع هذا المشروع لإنشاء مجلس نواب مصري، تكون له سلطات استشارية، ومجلس شيوخ تكون فيه الأغلبية للأعضاء الرسمين (الوزراء) والمستشارون الأجانب ثم الأعضاء المُنتخبين. ارسل برونيت نسخة من المشروع في نوفمبر 1918، ما كان له آثرة في ازدياد السخط على السياسة البريطانية، لإهدارها للاستقلال الداخلي لمصر.


