جاء موسم الحج في مكة المكرمة حيث يأتى العرب من بكل بقاع الأرض لزيارة الكعبة الشريفة وبدأت دعوة النبى محمد

جاء موسم الحج في مكة المكرمة, حيث يأتى العرب من بكل بقاع الأرض لزيارة الكعبة الشريفة, وبدأت دعوة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) يشتد عودها أكثر فأكثر, حيث كان يدعو إلى الله سراً أهله وأقرب الأقربين له, حتى أمر الله نبيه بعدها بالجهر بالدعوة, فخشى المشركون أن تصل دعوة النبى إلى العرب وتنتشر بينهم, فخافوا على علوهم فى الأرض بين العرب واستكبروا, فاجتمعوا فيما بينهم على كلمة يقولونها للعرب عن النبى حتى إذا دعاهم إلى دين الله داخل مكة أعرضوا عنه ونفروا منه, تحيروا كثيراً ماذا يقولون وهو كامل الخلق والعقل والفطنة والذكاء والجلد وطهر النسب, فأجمعوا رأيهم بينهم أن يسبوه بما ليس فيه, بأنه يملك بعض السحر الذى يفرق بين المرء وأبيه, وبين المرء وزوجته, وبين المرء وأخيه, فجلسوا على مشارف مكة فلا يدخل إليها أحد إلا حذروه من النبى وذكروا له كذبهم.

 
فما كان من العرب أن تسمع هذا الكلام إلا وتبحث عن النبى – فالممنوع مرغوب – لتسمع منه هذا العجب الذى يتحدثون عنه, فالدعاية السلبية التى صنعها المشركون ضد النبى كانت بفضل الله تصب فى مصلحة الدعوة بدون أن يدركوا, وكان النبى يخاطبهم بقوة الحجة فلا يصدق العربى من أمامه, ولو كان صادقاً إلا بقوة بيانه للحق, فضرب لهم المثل بالبعث بعد الموت, فقالوا كيف نبعث بعد الموت لنحاسب, ونحن ندفن فى التراب ونصبح تراباً, فقال نبى الله: إن الظالم يموت قبل أن يلقى جزاء ظلمه, والمظلوم يموت قبل أن يأخذ حقه, والصالح يموت قبل أن يجنى جزاء إصلاحه, والفاسد يموت قبل أن يعاقب على سوء عمله, فإن لم يكن هناك بعث ولا جزاء بعد الموت لاستوى الفريقان, وهذا غير معقول إطلاقاً, فكيف يكون الله العدل ويساوى بين الظالم والمظلوم والفاسد والصالح, وأما استبعادهم العقلى لإحياء الله الموتى, فكان الرد القاطع (أأنتم أشد خلقا أم السماء؟), فلمس العرب في النبى من الصدق وعفة اللسان وسعة الصدر والعلم والحلم، فصار سيدنا محمد واسع الذكر بين بلاد العرب كلها, فكلمة الله هى العليا وكلمة المشركين هي السفلى, ولو كره الكافرون.
 
هكذا كانت دعوة النبى بكل ما فيها من جلد وصبر ومعاناة من أجل أن تصل كلمة الله للناس, يغرى بالمال والزعامة والسيادة ويعرضون عليه من النساء ما شاء, فيكون رده (والله لو وضعتم الشمس فى يمينى, والقمر فى يسارى على أن اترك هذا الأمر – حتى يظهره الله أو أهلك فيه – ما تركته), فهم كانوا يخافون منه وهو رجل واحد لأنه يملك الحق الذى يصنع به أمة كاملة, ويعلمون أنهم على الباطل, فبالحق وإرادة الله انتصرت دعوته, فكان من الممكن عندما يهان النبى أن يدعو عليهم ليموتوا جميعاً, ولكن رأفة بهم كان يدعو لهم, ليدخل الإيمان قلوبهم ليموتوا على الإسلام, فهذه هى أخلاق نبينا, إن الدين يحتاج إلى العقل والحكمة ليستوعب حماقة الضال ليرجعه من ضلاله, فليس بالمنع أو بالقوة تحارب الأفكار, ولكن تحارب الأفكار بالأفكار, ويحارب الكذب بإظهار الحق, وتحارب الإساءة للرسول بوصف حسن خلقه حيث كان سراجاً منيراً.
 
إن من صنع الفيلم المسيء للنبى صنع مثلماً صنع كفار قريش, يريد الإساءة للنبى فإذا بالناس يهرولون له للسماع منه, فهل لو وجدوا النبى غير ما هو عليه, من سرعة الغضب وضيق الصدر وعدم الحلم وضرب كل من عارضه, هل كانوا صدقوا دعوته إلى الله؟ بل كان سيدنا محمد يمتص غضبه – من تكذيبه – ليكسب أرضاً جديدة ويقذف الباطل بالحق, إن الفيلم المسيء لم يسمع به أحد حتى في بلاد من صنعوه, إلا عندما جعلنا له قيمة بثورتنا ضده, وسيبحث الناس عن هذا النبى ليعرفوا عنه أكثر, فمهمتنا أن نبرز صفات النبى وأخلاقه كما يستحق منا بتوفير المعلومات الصحيحة والرد على التساؤلات المشروعة, ولا نسيء له بسرعة الغضب أو عدم الحلم, ونحارب الفكر بالفكر والكذب بالحقيقة, فالإيمان ينبع من المعرفة والتأمل, والكفر يصدر من قلة الفكر.
Exit mobile version