دعونا نبدأ بالنظر إلى بلدان الدخل المرتفع التي لحق بها الأذى. فهل هناك سبب جيد لتوقع حالات تعافٍ سليم؟ الواقع
دعونا نبدأ بالنظر إلى بلدان الدخل المرتفع التي لحق بها الأذى. فهل هناك سبب جيد لتوقع حالات تعافٍ سليم؟ الواقع أن الجواب بالنفي. وقد تكون الحصيلة في منطقة اليورو كارثة تمتد عبر العالم. وحتى التعافي الأمريكي يحتمل أن يكون هشاً. إن ظلال أحداث ما قبل عام 2007 تمر ببطء.
التوقعات في (ديسمبر) يغلب عليها طابع الكآبة. فمعظم وجهات النظر الحديثة حول نمو محتمل هذا العام أدنى بكثير من تلك التي كانت مطروحة قبل عام. وينطبق هذا الأمر بصفة خاصة على منطقة اليورو التي يتوقع لها أن تسقط في الانكماش. ومن المتوقع تراجع اقتصادي إيطاليا وإسبانيا، بينما يتوقع أن تحقق فرنسا وألمانيا نمواً يمكن إهماله. أما نمو المملكة المتحدة، فيتوقع له أن يكون في الوضع ذاته الخاص بأكبر عضوين في منطقة اليورو. اليابان والولايات المتحدة هما الوحيدتان اللتان يتوقع لهما شيء قريب من النمو الاقتصادي المعقول هذا العام. وتشير التوقعات بالنسبة إلى الولايات المتحدة إلى نمو نسبته 2.1 % في (ديسمبر)، مقابل 1.9 % في (نوفمبر).
دعونا نضع هذا الأداء في سياقه. في الربع الثالث من عام 2011 كانت كندا العضو الوحيد بين مجموعة البلدان السبعة الرئيسية ذات الدخل المرتفع التي كان إنتاجها المحلي الإجمالي أعلى بكثير من ذروة ما قبل الأزمة. وكان اقتصادا الولايات المتحدة وألمانيا أعلى بقليل من ذروتيهما قبل الأزمة، بينما كان الاقتصاد الفرنسي أقل من تلك الذروة بقليل. وكانت المملكة المتحدة، واليابان، وإيطاليا، أقل بكثير من ذروة ما قبل الأزمة. فهل هناك تعافٍ؟ أي تعافٍ هذا؟
مع ذلك، أعلى معدل فائدة لدى أهم أربعة بنوك مركزية هو معدل البنك المركزي الأوروبي البالغ 1 % كما أن ميزانيات هذه البنوك المركزية توسعت بصورة كبيرة. وأكثر من ذلك أنه خلال الفترة 2006 – 2013 ستقفز نسبة الدين الإجمالي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 56 نقطة مئوية في المملكة المتحدة، و55 نقطة في اليابان، و48 نقطة في الولايات المتحدة، و33 نقطة في فرنسا. فلم أدت مثل هذه الإجراءات الكبرى على صعيد السياسات إلى مثل هذه النتائج المتواضعة؟
تشتد النقاشات المشحونة بالأيديولوجيا بخصوص هذا الأمر. ويفيد المنهج النظري المهيمن بأنه لا يمكن حدوث أزمة مالية، ولا يمكن أن تؤثر إذا حدثت، على الأقل بشرط عدم السماح للمعروض النقدي الواسع بالانهيار. وحسب وجهة النظر هذه لا يعيق حركة الاقتصادات الآن سوى عوامل الجمود الهيكلية وحالات عدم التقين التي تحفزها السياسات. وهذه في نظري قصة خيالية قائمة على نظريات تقلص الرأسمالية لتجعلها اقتصاد مقايضة تحت غطاء نقدي.
إن الأكثر إقناعاً لي هي وجهات النظر التي تقبل بأن الناس يرتكبون أخطاءً كبرى. والفرق الكبير هو بين أصحاب النظرية النمساوية – الذين يقولون إن الأخطاء ترتكب من قبل الحكومات، بينما الحل هو السماح للصرح المالي المشوه بأن ينهار، وأولئك ما بعد الكينزيين الذين يقولون إن الاقتصاد الحديث ليس مستقراً لأمر متأصل فيه، بينما السماح له بالانهيار يعيدنا إلى الثلاثينيات. إنني مع المعسكر الثاني على نحو حاسم. في كتابه الرائع الذي نشره عام 1986، بعنوان "تحقيق الاستقرار في اقتصاد غير مستقر"، حدد الراحل هايمان منسكي فرضيته الخاصة بعدم الاستقرار الاقتصادي. ولاحظت جانيت ييلين، نائبة رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، عام 2009 أنه "في ظل اضطراب الاقتصاد العالمي، فإن قراءة كتاب منسكي أصبحت أمراً مطلوباً".
إن ما يجعل كتابه آسراً هو أنه يربط بين قرارات الاستثمار الخاصة بمستقبل غير يقيني في تركيبته، والميزانيات إلى تمولها، وكذلك بالنظام المالي. ويرى منسكي أن الديون – وكذلك الهشاشة – تقررهما الدورة الاقتصادية. وسوف تعمل فترة طويلة من الهدوء على زيادة الهشاشة: وسيقلل الناس من شأن المخاطر ويزيدون من قدر الفرص. وكان يمكن لمنسكي أن يحذر من أن "الاعتدال العظيم" تضمن في طياته عامل تدميره.
شهدت سنوات ما قبل عام 2007 دورة ائتمان خاص غير عادية، ولا سيما في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وإسبانيا، حيث كانت مدعومة بارتفاع أسعار المنازل. وأدى انفجار هذه الفقاعات إلى توسيع للعجوزات المالية، وبصورة تلقائية، كما توقع منسكي. وكانت هذه واحدة من آليات سياسات ثلاث حالت دون الانهيار باتجاه ركود عظيم. وتمثل الأمران الآخران في التدخلات على صعيد السياستين المالية والنقدية. ولا تزال الاقتصادات تصارع تكيف ما بعد الانهيار. وفي ظل قرب معدلات الفائدة من الصفر، فإن عجوزات أصحاب المديونيات السيادية الموثوقين تقدم ثلاثة أشكال من المساعدة – للطلب، ولتقليص المديونية، ولزيادة جودة الأصول الخاصة. فما مدى تقدم تقليص المديونية؟ لقد قطعت شوطاً طويلاً في الولايات المتحدة. وبحلول الربع الثالث من عام 2011، كانت نسبة الدين الإجمالي للقطاع المالي، بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي، على ما كانت عليه عام 2011، كما كانت نسبة ديون الأسر إلى الناتج المحلي الإجمالي كما كانت عليه عام 2003. والأكثر من ذلك، كما يلاحظ جولدمان ساكس "إننا نعتقد أن المعدل الشهري لبناء البيوت الجديدة بلغ حده الأدنى، بينما يتوقع أن تبلغ الأسعار الاسمية للبيوت حدها الأدنى خلال عام 2012". ومن المتوقع حدوث تعافٍ في الولايات المتحدة، على الرغم من أنه محدود بالتشديد الاقتصادي قبل الأوان والمخاطر المستمرة للتخلص من المديونية في منطقة اليورو، وربما أسعار نفط أعلى. وسيقوم التعافي كذلك على اقتصاد لا يزال غير متوازن. مع ذلك، فإن هشاشة منطقة اليورو أعلى بكثير. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقليصاً للعجز الرئيسي لمنطقة اليورو بنسبة 1.4 % من الناتج المحلي الإجمالي بين 2011 و2012، مقابل 0.2 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الخطر الكبير على الاقتصادات الأضعف في منطقة اليورو هو أن القطاعين العام، والخاص سوف يسعيان إلى إعادة التخندق (تقليل الإنفاق) بصورة متزامنة. وإن هذه وصفة لتراجعات اقتصادية عميقة ومطولة. وبلدان الديون السيادية غير الموثوقة عالقة في جهد ربما يقدر له الفشل لتشديد مراكزها المالية في غياب عوامل تعويض ملائمة على صعيد القطاع الخاص والأمور الخارجية. إن انكماشاً على صعيد منطقة اليورو هو بمثابة كارثة لهذه البلدان، لأن ذلك يعيق التكيف الخارجي الذي تحتاج إليه بشدة. ومقابل هذه الخلفية، فإن عرض البنك المركزي الأوروبي تقديم تمويل رخيص على مدى ثلاث سنوات للبنوك التي سوف تعيد إقراض بلدان الديون السيادية المتضررة، هو أكثر بقليل من كونه عامل تسكين، لكنه غير كاف.