( ده ربنا إدانى الحرية إنى مَأمنش بيه .. مين ده بقى اللى هيجبرنى على حاجة أنا مش مقتنع بيها
( ده ربنا إدانى الحرية إنى مَأمنش بيه .. مين ده بقى اللى هيجبرنى على حاجة أنا مش مقتنع بيها ! ) بغض النظر عن ما تمثله تلك الجملة بالنسبة لى عن مفهوم الحرية ، لكن الأهم كان رد فعل صديقى الذى كنت أتناقش معه عندما سمعها لأول مرة غالباً فى حياته كلها ! .. لقد كان رد الفعل الأول هو الخوف و الرهبة مع ذكر كلمة " ربنا " فى وسط الجملة و لكن بعد مرور لحظات قليلة ، فكر صديقى فى الجملة و ضحك و تعجب ثم إقتنع بتلك الجملة و صحتها.
لم أجد أفضل من الأحداث الأخيرة المتتالية لتعكس نقطة الخوف الإلهى الدفينة فى فكر كل فرد و التى أصبح علينا مجابهتها لتجنب مشاكل مستقبلية ستحتاج لأعوام لمعالجتها … ثانى خطيئة فعلها أدم بعد عصيان الله هى الخوف ! لقد كانت تلك هى الخطيئة التى توارثها الإنسان عبر الأزمان ، و لذلك أصبح الخوف شعور لا إيرادى قد يتملكنا جميعاً و لذلك ليس خطأ أن نخاف و لكن الخطأ فى عدم محاربة الخوف. كانت البداية عندما بدأت بعض الأفكار الإلحادية تواجهنى و التى قد تواجه أى شاب ذهنه يحتوى على شىء من الحيوية و الحضور فى سن صغير ، فبدأت بالهروب منها أولاً ثم تناسيتها و لكنها لم تتركنى كثيراً فهاجمتنى مرة أخرى لكن على كبر شوية ! فقررت مجابهتها و للمرة الأولى فكرت كثيراً بحيادية دون إنحياز لأى خوف و فى النهاية توصلت أن الله موجود و لا يمكن أن لا يكون موجوداً و ذلك لم يكن إلا سبيلاً للتقرب و الإيمان به أكثر مما سبق !
لم أكتب تلك المقالة حتى أنتقد أشخاص و مواقف فردية و لكن ما أحاول توضيحه هو فكر عام مرصع بداخل عقولنا بشكل أو بأخر. لقد بدأ ذلك الخوف عند نعومة أظافرنا مع كل أب و أم ، فنشعر أنهم مثل الألهة لا يخطئون و هم يغذون ذلك الإعتقاد بداخلنا عن دراية و أحياناً كثيرة عن عدم دراية ، ثم نصطدم بالواقع المؤلم بكونهم بشر مثلنا مثلهم بل و يخطئون أيضاً !! فينكسر حاجز الخوف الإلهى الأول بداخلنا ، و لحسن الحظ هو أنه إنكسر بسهولة لقرب المسافة فى التعامل. لكن الحاجز الأكبر هو الخوف الذى أحاط بالدين و رجاله بل و قد يصل الحد إلى الإلوهية ، فلقد أصبحنا نمارس الكثير من العادات و الطقوس الدينية دون أن نفكر للحظة تفكير منطقى بسيط لسبب تلك الممارسة أو بمعنى أصح ، لماذا أفعل هذا ؟ .. فعلى سبيل المثال كنت فى إحدى النقاشات مع أحد أصدقائى المسلمين و كنت أتحدث عن الحجاب و إنى أعتقد أن سبب إرتدائه هو أكبر من مجرد إجابة إنه فرض ! و أخبرته أن الفرض فى إعتقادى نحن من نفرضه على أنفسنا و ليس هناك من يجبرنا عليه ، و سبب كونه فرض هو محبة و أحترام لله سبحانه و تعالى ، و من الجانب الإنسانى هو تضحية قد لا يستطيع الكثير منَّ أن يقدمها ، و أعتقد أن سبب إرتداء الحجاب الأول هو كل ما سبق من كونه فرضاً مضمونه المحبة و الإحترام و التضحية .. و تكون المشكلة حقاً فى تحول ذلك الفرض إلى فرض ظاهرى و ليس له ذلك المضمون العميق فى القلب و الفكر و يكون من الصعب تغييره ، و بالفعل وافقنى فى رأيى مع إحترامه إختلاف الديانة و التى تأثرت بها طبعاً.
و على مستوى الأفراد أصبح رجال الدين يتملكون قدر كبير بداخل قلوب الأفراد من ذلك الخوف الإلهى المغطى بالإحترام و المهابة المقدسة بسبب مكانتهم ( و لست أقصد هنا جميعهم و لكن جزء ليس بقليل منهم و يجب الإعتراف بوجوده ).. و هنا سأتوقف عند نقطتين ، و الأولى متعلقة بكون رجل الدين يؤدى مهمته و واجبه كرجل دين و هنا يستحق المهابة المقدسة الحقيقية و التى فى عمقها الإحترام و المحبة و ليس الخوف لأنه أولاً و أخيراً ممثل لكلمة الله فى الأرض ، و لكن نحتاج دائماً لمعرفة بسيطة و هى كونه إنسان قد يخطىء أحياناً فى الحياة عموماً و وظيفته نادراً ، و لكن ذلك لن يكون مهم لأنه إن كان يؤدى مهمته عن حق فلن نتذكر تلك المعلومة إلا قليلاً و قد لا نتذكرها بالمرة. و لكن عندما يؤدى رجل الدين مماراسات سياسية و مدنية فإحتمالية خطأه تكون واردة بنسبة كبيرة جداً كأى فرد عادى و يجب أن نفصل فى تلك اللحظة بين كونه رجل دين و بين كونه فرد فى المجتمع مثله مثل الباقين و لا يجب أن يصطحب معه العباءة المقدسة فى الحياة العامة ، لأنه هنا تكون الكارثة و يتحول رجل الدين فى نظر من يهابه المهابة المقدسة إلى ملاك لا يخطىء و يتحول الدفاع عنه و عن قدسيته سببها الخوف من مجرد مواجهة فكرة صادمة و هى أنه إنسان طبيعى يخطىء و ذلك كله بسبب الخلط بين دور رجل الدين الأصيل و بين دوره المدنى الطبيعى ، بل و للأسف أنه قد يغير مضمون المهابة من محبة و إحترام إلى خوف إلهى زائف ! .. و للتوضيح أكثر فعندما يتحدث دكتور عن الطب سوف أثق به لمعرفته الكبيرة فى الطب مع وضع إحتمالية بسيطة بكونه مخطىء ، و لكن عندما يتحدث الدكتور عن كرة القدم فليس هناك ما يجبرنى أن أثق فى رأيه بالمرة بل بالعكس قد تكون معرفتى بالكرة أفضل منه و لكنى أتناقش معه فى رأيه.
فى النهاية أحب أن أكرر أن تلك المقالة ليست لنقد أشخاص بل لنقد فكر خاطىء .. و أتمنى أن نواجه ذلك الخوف الذى نُلبِسَّه الثوب الإلهى الزائف دون أن نشعر بل و تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة بداخلنا و مواجهتها حتى نصل إلى وجهة نظر! ففى النهاية التفكير هو الحل.