ربما تنفس المستهلكون الصعداء إثر التراجع الحاد الذي شهدته أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة، لكن ذلك التراجع بالنسبة للحكومات الخليجية
ربما تنفس المستهلكون الصعداء إثر التراجع الحاد الذي شهدته أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة، لكن ذلك التراجع بالنسبة للحكومات الخليجية كان بمنزلة تذكير لها باعتمادها المتزايد على بقاء أسعار الطاقة عند مستوياتها التاريخية المرتفعة.
وفي خضم الزيادة في الإنفاق المحلي الذي أدى إلى ارتفاع الإيرادات التي تحتاج إليها بلدان الخليج لتمويل ميزانياتها العمومية، أصبحت الدول الغنية بموارد الطاقة أكثر عرضة للتقلبات التي تشهدها أسواق النفط. وكما يقول البعض، فإن انتهاء أيام فوائض الموازنات العمومية لم يعد بالأمر الذي لا يمكن التنبؤ به، بحسب ما نشرته صحيفة "القبس" الكويتية.
يقول فاروق سوسة، كبير الاقتصاديين في سيتي غروب بدبي: بلغ الأمر إلى درجة استعداد تلك البلدان للتعايش مع عجز في الميزانيات العامة والى أي درجة يمكن لها أن تتحمل ذلك العجز في ميزانياتها.
وفي حين لا تزال أسعار النفط مرتفعة وفق المعايير التاريخية، إلا أن الأسواق تخشى من حدوث تباطؤ اقتصادي في الصين، واحتمال خروج اليونان من منطقة اليورو، وتصدع في الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية، والتي كشفت جميع أوجه الهشاشة والضعف المحتملة في الحقبة الحالية لارتفاع أسعار النفط، والتي تعتمد عليها ميزانيات بلدان الخليج.
وقد تراجع بحسب تقرير فايننشال تايمز سعر برميل "ويست تكساس" القياسي في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياته في ستة أشهر عند 92 دولاراً، الأسبوع الماضي. وفي الوقت نفسه، أنهى خام برنت الذي يستخدم كقياس لنفط الشرق الأوسط، أكبر تراجع في ثلاثة أسابيع منذ مايو الماضي، لينخفض بما يزيد عن 20 دولاراً، مسجلاً أقل من 110 دولارات للبرميل، وهو أدنى مستوياته خلال العام.
وفي الماضي القريب، كانت تعني أسعار الخام ضمن ذلك النطاق فوائض مالية هائلة بالنسبة للمنطقة، لكن زيادة الإنفاق غيّرت ذلك الوضع، إذ من المتوقع أن يصل الإنفاق الحكومي إلى 500 مليار دولار بحلول العام المقبل، وهي زيادة بمقدار أربعة أضعاف في أقل من عقد من الزمن، وفق تقديرات "إتش إس بي سي".
ووفق صندوق النقد الدولي، فإن الإمارات تحتاج في الوقت الراهن إلى أن يبقى سعر برميل النفط فوق مستوى 92 دولاراً، لتحافظ على ميزانيتها دون عجز، مقارنة مع 23 دولاراً فقط في عام 2008.
وفي الخليج، وحدها البحرين تحتاج الى مستويات سعرية أعلى من ذلك. ففي أعقاب الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد، وأضرت بالقطاعين السياحي والمالي، ارتفع سعر التعادل للموازنة العامة العام الماضي الي 114 دولارا للبرميل، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. حتى السعودية، عملاق المنطقة الاقتصادي، ارتفع سعر برميل النفط المطلوب حتى يجنبها حدوث عجز الميزانية العمومية الى 80 دولارا للبرميل، أي أكثر من ضعف المستوى المطلوب في عام 2008.
ويمكن لأسعار التعادل، التي يصعب تقديرها بالنسبة للدول، حيث غالبا ما تكون الميزانيات الحكومية مبهمة ولا تتسم بالشفافية، أن تتباين على نطاق واسع من مصدر لآخر. لكنها توضح كيف ارتفع الانفاق بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط، ويشك المراقبون في ما اذا كان يمكن أن يتراجع هذا الانفاق بهذه السهولة.
يقول روبن ميلز، المحلل في شركة منار للاستشارات ومقرها دبي: انه أمر خطير للغاية أن تبني اقتصادا يعتمد على هذا النوع من ارتفاع أسعار النفط. فعلى المدى القصير تتواجد جميع أنواع التهديدات التي يمكن أن تدفع أسعار النفط الى الهبوط، وفي المدى البعيد فان 100 دولار للبرميل سعر ليس بالمستدام.
وفي حين أن جميع دول الخليج المصدرة للنفط باتت أكثر عرضة لخطر صدمات أسعار النفط، الا أن بعضها في وضع أفضل من غيرها لمواجهة التقلبات، وفق المراقبين.
السعودية، التي لديها أكبر تعداد سكاني في منطقة الخليج، ستواصل الانفاق على برامجها الاجتماعية الاقتصادية، بغض النظر عن مخاطر حدوث عجز في الميزانية، لأنه لا يمكن تأجيل معالجة القضايا والمشاكل المحلية، مثل البطالة والتفاوت في الثروة، بحسب سوسه. وتمتلك السعودية المرونة الكافية لتمويل عجز في الميزاينة قد تتعرض له على المدى المتوسط بفضل وجود احتياطيات مالية قوامها 500 مليار دولار.
وقد تغيرت هيكلية الانفاق الحكومي في أنحاء بلدان الخليج خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتراوحت بين التعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية والتركيز الجديد على تسكين وتهدئة المخاوف والاضطرابات.
وفي حين شكلت المساعدات الحكومية وزيادات الأجور واحدة من الوسائل التي استخدمت مبكرا لذلك الانفاق، فإن الجزء الأكبر منه سيذهب الى مشاريع البنية التحتية لمعالجة ما يعتبره الكثيرون الأسباب الجذرية للاضطرابات، مثل البطالة والاسكان وخدمات الدولة.
يقول نيك تولشارد، رئيس دائرة الشرق الأوسط في مجموعة انفيسكو لإدارة الأصول: هناك رغبة حقيقية بألا تخرج الخطط الوطنية للنمو الاقتصادي عن مسارها.
وتمول الحكومات بشكل مباشر ذلك النوع من المشروعات، التي كانت ربما تدعم في الماضي من خلال الاستدانة. نتيجة ذلك هي تخصيص أموالا أقل للأجيال القادمة.
ويقدر التقرير الأخير، الصادر عن انفيسكو بشأن صناديق الثروات السيادية، نمو السيولة النقدية التي ستضخ في صناديق الاستثمار السيادية للمنطقة عند %8 هذا العام، على الرغم من زيادة نسبتها %31 في الايرادات النفطية. ويعتبر خفض معدل الادخار مؤشرا آخر على الزيادة السريعة في الانفاق الحكومي.
وكان سايمون ويليامز، كبير الاقتصاديين في اتش اس بي سي كتب في آخر تقرير اقتصادي حول المنطقة "في ضوء زيادة مستويات الانفاق بهذا المعدل، فان خطر حدوث تعديل حاد ومؤلم عندما تهبط أسعار النفط في تزايد".