الأخيرة
رحلت الدكتورة “نعمات أحمد فؤاد”، التى لم تختار يوماً معركتها بل كانت معاركها هي التي تختارها، ولم تظن أنها
رحلت الدكتورة "نعمات أحمد فؤاد"، التى لم تختار يوماً معركتها بل كانت معاركها هي التي تختارها، ولم تظن أنها في يوم ما ستخوض أي معركة،هكذا كانت تقول عن نفسها.
كانت مهتمة دكتورة "نعمات" بقضايا أثارت خلالها العديد من المعارك دفاعا عن مصر وحضارتها وشعبها، من أهمها قضية هضبة الأهرام وقضية دفن النفايات الذرية وقضية الدفاع عن قبة الحسين وقضية الدفاع عن الآثار الإسلامية وقضية أبو الهول وقضية الآثار المصرية التي استولت عليها إسرائيل أثناء احتلالها سيناء.
ولدت الدكتورة "نعمات" بمغاغة بمحافظة المنيا، وحفظت القرآن الكريم في طفولتها ثم انتقلت من مغاغة إلي ضاحية حلوان في القاهرة لتلتحق بالمدرسة الثانوية الداخلية للبنات في حلوان وتخرجت من كلية الآداب جامعة القاهرة ونالت درجة الماجستير في أدب المازني، أما رسالة الدكتوراة فكانت عن النيل في الأدب العربي ولها عبارة مهمة تقول فيها "شيء كبير أن يكون للإنسان قلم ولكن شيئا نفيساً أن يكون للإنسان موقف، ومن نعم الله علي أن وهبني الكلمة والقرار، أعني القدرة علي الاختيار الصعب، فعرفت المواقف، وتحملت في سبيل مواقفي الكثير وعلوت علي الإغراءات والعروض والمناصب والبريق، فأعز منها جميعا تراب هذا البلد كل ذرة من هذا التراب".
وكان للدكتورة نعمات مؤلفات عدة عن إبراهيم عبد القادر المازني، وأم كلثوم والنيل، كذلك عن العقاد والشاعر أحمد رامي، كما قامت اليونسكو بترجمة كتابها إلي ابنتي للإنجليزية.
كانت "نعمات" صامدة في وجه هجمات المرض التي تهاجمها بين الحين والآخر، فتسلبها القدرة علي الحديث أو النقاش. ولكنها تظل في البداية والنهاية نعمات أحمد فؤاد، عروس النيل التي يزعجها اهتمام المصريين بالدراما التليفزيون، متسائلة: أما في البيت من كتاب أو جريدة؟، وتستشعر تراجع الشخصية المصرية فتشعر بالقلق علي مصيرهم، وتري التراخي في علاج قضايا قومية كالتعليم أو الثقافة فتحزن في صمت بعد أن فقدت القدرة علي خوض معارك جديدة.
من ضمن المعارك التى خاضيتها الدكتورة "نعمات ، معركة بدأت بعدما علمت ان مصر وقعت اتفاقية مع النمسا لبروتوكولفي العام ١٩٧٨ يقضي باستقبال أول شحنة نفايات ذرية كانت قادمة من النمسا لدفنها في صحراء مصر الشرقية، وهي المعركة التي كتبت فيها المقالات وحاضرت في الندوات بالتعاون مع الدكتور حامد عبد الله ربيع، الذي كان يشغل وقتها رئاسة قسم السياسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، تلك الواقعة تقول عنها دكتورة نعمات: وقع تحت يدي بنود الاتفاقية فوجدتها يشوبها حالة من الغموض والتنازلات من الجانب المصري بلا أي مقابل، وكأنه من دواعي سرورنا وإحساسنا بالمكانة الدولية أن نتقبل نفايات النمسا الذرية، بينما تدل القراءة الجيدة للاتفاقية علي أن بنودها لا تعدو إلا أن تكون تأجير لبعض الأراضي المصرية لصالح الطرف النمساوي، وبهذا وجدة نفسها دخلت معركة جديدة لم تسع لها، فكانت تتصور الأوراق والمستندات التى توزعها علي الحاضرين لإطلاعهم علي خطورة الاتفاقية وهو ما أثار الرأي العام العالمي وبالطبع وصل الأمر للرأي العام في النمسا، حتي فوجئت في أحد الأيام بسفير النمسا في القاهرة يأتي لزيارتي في منزلي مقدماً اعتذار بلاده، ومؤكداً عدم المضي في المشروع من قبل حكومته، وكتبت مقال في ١٣ يوليو عام ١٩٧٧ بجريدة الأخبار تحت عنوان "ارفعوا أيديكم عن هضبة الأهرام».
أكدت فيه أن الهضبة ليست ملكاً لوزارة أو نظام أو لشركة، ولكنها ملك للهرم والتاريخ والحضارة الإنسانية، مشيرة إلي أن المصريين يعيشون علي عنصرين النيل الذي يطعم ويسقي، والهرم الذي يشد إليه الرحال من كل بلاد الدنيا فيعطي لمصر المال والقيمة الحضارية.
كان تصديها لمشروع الهضبة واتفاقية دفن النفايات في مصر أثر فى وضع اسمها في قائمة الاعتقالات التي طالت مصر في سبتمبر ١٩٨١، الإ ان تم رفع اسمها في اللحظة الأخيرة بعد زوال أسباب الصدام.
ولها الكثير من المعارك ضد وزراة الثقافة فى وقت توالى فاروق حسني للوزارة، كانت "نعمات معترضة علي ما يقيمه من معارض للآثار المصرية خارج مصر، مؤكدة أن في سفر الآثار الكثير من الأخطار عليها، وأن علي من يريد رؤية آثارنا المجيء لها، وأنه لا توجد دولة في العالم تفعل ما نفعله مقابل حفنة من الجنيهات، كتبت نعمات أحمد فؤاد الكثير ولكنها خسرت المعركة التي لم يستمع لها فيها أحد، إلا أن عروس النيل كسبت احترام الجميع.
شغلت عدة مناصب هامة من أهمها مدير عام المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة حلوان لمادة فلسفة الحضارة، وأستاذ بالمعهد الدولي للاقتصاد والبنوك الإسلامية التابع للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، وقامت بالتدريس بجامعات دول عديدة: استانبول، جامعة نيويورك، جامعة جورج تاون بواشنطن، جامعة طرابلس بليبيا، وجامعة الأزهر الشريف، وأكاديمية الفنون بالقاهرة.
لها أكثر من ثلاثين كتابًا مطبوعًا في الأدب والنقد والسياسة والدين والفن، منها دراسة في أدب الرافعي، أم كلثوم وعصر من الفن، أدب المازني، الأخطل الصغير، ناجي الشاعر، إلى ابنتي، في بلادي الجميلة، النيل في الأدب المصري، قمم أدبية، شخصية مصر، خصائص الشعر الحديث، النيل في الأدب الفني، أعيدوا كتابة التاريخ، الجمال والحرية، من عبقرية الإسلام، وغيرها الكثير، بالإضافة إلى المقالات الصحفية والبرامج الإذاعية والتليفزيونية في مصر والعالم العربي.