رفضت القوى السياسية المدنية حول دعوة بعض التيارات المنتمية للتيار الديني إلى محاكمات ثورية كأساس لتطبيق العدالة الانتقالية بعد سلسلة
رفضت القوى السياسية المدنية حول دعوة بعض التيارات المنتمية للتيار الديني إلى محاكمات ثورية كأساس لتطبيق العدالة الانتقالية بعد سلسلة أحكام البراءة التي نالها رموز النظام السابق، مؤكدين أنها جاءت متأخرة عامين كاملين، كما أنهم يخشون استخدامها كآلية للإقصاء السياسي.
وقال محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي: إن مطالبة البعض بتشكيل محكمة ثورية لمحاكمة مبارك ونظامه جاءت متأخرة جدًا، وأنه كان الأولي إقامتها عقب ثورة 25 يناير مباشرة، أما الآن فإن مصر انتقلت من مرحلة الثورة إلي المرحلة الدستورية والقانونية وليس هناك حاليا مجالاً للعودة إلي هذا الأمر.
وأضاف أن المحكمة الثورية "استثنائية" يتم إنشاؤها غالبًا عقب الثورات لمحاكمة نظم استبدادية أو رموز للنظام بتهم ارتكبت جرائم ضد المواطنين، وقد يحصل المتهم فيها علي عقوبة أشد من المقررة بالقانون، كما أنها تفتقد لمعايير المحاكمة العادلة ويغلب عليها الطابع السياسي وليس القانوني، حيث يتم تعطيل جميع القواعد القانونية وهو ما يعتقد معه البعض وقوع تجاوزات في محاكمة المتهم.
وشدد علي أن مبارك ونظامه ارتكبا جرائم عديدة بحق الشعب المصري، ولابد من محاسبتهم عليها ولكنها لا تسقط بالتقادم، موضحًا أنه تم إنشاء تلك النوعية من المحاكم الثورية عقب ثورة 1952 لمحاكمة أنصار النظام الملكي، وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات أنشئت محاكم مماثلة لمحاكمة مراكز القوى وسميت محكمة الشعب، وتقبلها المجتمع بهدف التخلص من مراكز القوي المحسوبة على النظام الناصري.
وأشار إلى أن الأمر يختلف الآن ولن يتقبل البعض داخل المجتمع لتلك المحاكم الثورية، وسيكون هناك اتهامات للنظام السياسي نظرًا لتأخر اتخاذ القرار بشأنها، واعتبارها محاولة للتربص وتصفية الحسابات، الأمر الذي يدفع إلى شيوع حالة أكبر من عدم استقرار السياسي والأمني.
كما رفض كمال زاخر، المحلل السياسي، تلك المطالب واعتبرها محاولة للتعقب السياسي والانتقام من مبارك ونظامه خارج إطار المشروعية القانونية، مشددًا على ضرورة رفض أي استثناءات في القانون وأن خبراتنا مع المحاكم الثورية تحمل شبهات عديدة.
ويري المستشار عاصم عبد الجبار، نائب رئيس محكمة النقض، أن المراحل الثورية ينبغي أن تحكمها قواعد قانونية معينة وهو ما يحدث بدول العالم، وهناك ظروف تدفعنا لذلك منها أن الحصول علي الأدلة والمستندات أمر صعب فى ظل محاولات طمس الأدلة من النظام المتهم والذي تم محاسبته.
وأضاف أن رموز الثورة المضادة تعمل بقوة علي محو الأدلة التي تدينهم، وقد توصل المجتمع الدولي لما يسمي بالعدالة الانتقالية لمحاسبة الأنظمة الاستبدادية، الأمر الذي يجب تطبيقه بمصر، مشيرًا إلى أنه في حالة انتهاء المحاكمات العادية للأنظمة الديكتاتورية ببراءة المتهمين نتيجة قيامهم بطمس الأدلة والمستندات وإخفائها، نظرًا لسيطرتهم علي كل أجهزة الدولة وهو ما يعتبره المواطنون تقصيرا من القضاة واتهامهم بكونهم منحازين للنظام السابق وضد الثورة.
تابع: "نحن أمام طريقين: الأول، تطبيق العدالة الانتقالية أو تطبيق معايير المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة ومحاسبة النظام الاستبدادي، ونحن الآن نستطيع إنشاء محاكمات خاصة لرموز النظام السابق أمام قضاة طبيعيين مستشهدا علي ذلك بمحكمة الغدر.
فيما استنكرت الحركات الثورية والشبابية تلك المحاكمات وأرجعوا ذلك لكونها ليست السبيل الوحيد لإحقاق الحق، حيث قال هيثم الخطيب، المتحدث باسم اتحاد شباب الثورة، إن الحديث عن المحاكمات الثورية وبعد صدور الدستور وإنفاذه يعني أن الدستور والقوانين النافذة ودوله القانون وكيان حقوق الإفراد وحرياتهم سقطوا من مخيلة الذين يدعوا لتلك المحاكم الثورية، موضحًا أن هناك العديد من رموز النظام السابق حصلوا على البراءة ولا يجوز إعادة محاكمتهم بأي نوع من أنواع المحاكمات سواء ثورية أو غير ثورية.
وأضاف أن شباب الثورة عندما طالبوا بمحاكمات ثورية، لكون القوانين كان من صنع نظام مبارك، فكيف نحاكمهم بقوانين هم من صنعوها لعدم إمكانية تجريمها مستقبلاً، حيث أتت تلك المطالبة في فبراير واستمرت حتى اعتصام يوليو 2011 وكنا نطالب بتطهير القضاء وتطهير الإعلام الرسمي ورموز النظام السابق، فيما كان الإخوان بهذا التوقيت تعارضنا ويتهمونا بهدم الدولة لدرجة أنهم حشدوا لمليونية "قندهار"، وقالوا لا للمخربين لا لدعاة إسقاط الدولة وإسقاط مؤسساتها ولا لوثيقة السلمي، على حد قوله.
وتابع: "الآن يردون الإطاحة بالقضاء المصري يطالبوا بمحاكمات ثورية، فهذا بمثابة التفاف ومحاولة لتسييس الأحداث لخدمة مصالحهم الخاصة"، مضيفًا أنه من الغريب أيضا أن رئيس الجمهورية المنتخب والنائب العام ومجلس الشورى ويطالبون بتطهير القضاء فكيف ذلك وهم يملكون كل الهيئات الثورية؟.
من جانبه، أكد محمد عطية عضو المكتب السياسي للتكتل الثوري الوطني، أنه لا يمكن إعادة محاكمة رموز النظام السابق محاكمة ثورية، لأنه تم بالفعل محاكمتهم محاكمة عادية وطبيعية، فموافقة القوي الثورية من البداية علي تلك المحاكمات الطبيعية تجعلهم رغمًا عن أنفهم يتحملون عواقبها حتى وإن كانت لا تتناسب معهم ومع من ظلموا مصر من مبارك وأعوانه.
وأشار إلي أن مفهوم المحاكمات الثورية يتم ترديده الآن دون فهم، لكنها آلية قانونية تنشأ عقب الثورات بفترة قليلة، بموافقة شعبية، لكن إذا وافق الشعب علي محاكمة الذين قاموا بثورات علي محاكمتهم في القضاء العادي فعليهم قبول كل النتائج المرتبة على ذلك.
وأكد عمرو حامد، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد شباب الثورة أن تلك المحاكم "سياسية"، تعاقب علي ما ارتكبته السلطة من إفساد للحياة السياسية، وارتكاب الأخطاء التي ساعدت علي تفجير الثورة؛ حتى تتمكن من إكمال مسارها، حيث نشأت في الكثير من الدول التي شهدت ثورات،ومن ثم فهي تختلف تمامًا عن المحاكم الجنائية، لافتًا إلى أن الثورة في الأساس قامت لعدم تحقيق العدل من قبل القضاء بالعهد السابق، نظرًا لانعدام سبل حقيقية للرقابة علي الهيئات والمؤسسات، وغياب الإجراءات القانونية.