الرأي

شرفتها مطلة على الأزقة المكتظة بالوجع .. ترقبها يوميا من شقتها ال مسكونة بالألم .. تراقب الغادين والعابرين على الجسر

شرفتها مطلة على الأزقة المكتظة بالوجع .. ترقبها يوميا من شقتها المسكونة بالألم .. تراقب الغادين والعابرين على الجسر المعلق بين الموت والحياة ، لا جديد في هذه المدينة سوى مزيد من الأسى المبهرج بالإضاءة الصاخبة كبرياءا .. والطرق الملتوية دونما سبب ..

تنظر ساعتها ..دقيقة إلا ثانيتين وتقرع الأجراس لدخول الثانية عشر.. ففي تمام انتصاف الليل كان يحضر ..ليبدل جسدها الملتف بالتقوى تحت طقوس الفوضى الصامتة ..ليحيل كل خلية ميتة فيها إلى وريد نابض .. في آخر لقاء جاءها لاعناً .. هدّئت من روعه وهي تضع يدها على كتفه وبالأخرى تمسح جبينه ..

– ما بك! أي اللعنات تطاردك
– شهوة هذه المدينة أن تدفنني تحت عجلات سيارة غادرة بلا سائق
– كل المركبات هنا يتيمة القيادة
– وما ذنبي أن أموت ذليلا بين أسفلت جامد وعجلات لسيارة تسير في شوارع وطن جاحد
– الموت آت إن كنت ذليلا أو طريدا ..اوتظن أننا سنعلن حياتنا قمرا قرب النجوم المعلقة في السماء تلك التي تقتنص الضياء من أعمارنا وتهديها للمجرات الهاربة عن أرضنا !
– كنت اعتقد أن السماء تحبنا ولذلك نرفع أبصارنا إليها حين الضيق
– السماء لا تكرهنا
– لكنها لا تستر عورة الأرض
– ألم يعرني حبك تحت هذا السقف ؟

نظرها صامتا وكأنه اشتهى مجددا ذلك الجسد ، ثم غابت عيناه في تفاصيل المشهد الشاحب الذي آتاه به .. فبين رغبته الجامحة إليها وعصيان العفة معه ، وما بين الهروب من القداسة الكاذبة للأشياء التي ستبلى دونما عبث . دائما يكون الحضور الواثق للقدر
أنتشلته من غثيان فكره بقبلة طبعتها على يده التي كانت تحيط بعنقها حينما دون وعي وجد أن الحديث عن الألم يحتاج إلى دفئ غير معلن ، فاستباق المشاعر بإذن يفسد اللذة ويحولنا أي أصنام من العهر المجرد .

– قالت .. أحبك

عاش معها فتنة التأوه ليالٍ من العشق النرجسي ، فلماذا تربكه هذه الكلمة الآن !
أتراه تخطى كثيرا من الحدود وتعجل البكاء الممتع في أحضان من تعشقه حتى الجليد الممتنع عن الذوبان ،رغم إصرار عين الشمس على أن تزاحم البرد المتراكم دونما يابسة .

حاول أن يتلاشى النظر إليها مباشرة كيما تكتشف أن كثير من الفحولة يمكن أن تهتز أمام أربع أحرف .. الأبجدية .. هي كذلك، تأخذنا دائما إلى أقصى الدهشة ، وهي تختزل كثيرا من المشاعر المشتعلة في داخلنا على شكل خربشات أشبه بالطلاسم ، تخط على جدران القلوب في لحظة الذهول العاجل من مباغتة الحروف ، التي تتلاعب بأوتار القلب المولع بخديعة جسدية، إن أكثر من ارتشاف طيبها انقلبت ضده ، مدعية أن الوقت انتهى للحس اللامع في وجه الصباح.. بعد زوال الشفق وغياب السحر الآخذ بالهروب إلى ما بعد الأطلال يقف في وجهنا النهار ، معلنا أن البقاء على مثل ذلك الحال انتحار .
قال ..
– الحب لعنة جديدة .. كأن أربابنا كفرة !!
– لكنه ليس بغواية
– إذن لماذا كل النزوات عند الاله تغتفر وخطايانا عندهم جريمة لا قاضٍ عادل يقبل عنده أن نحتكم
– القبول بمحكمتهم للنفس ظلم
– يا عزيزتي المتهم جانٍ عندهم دونما حكم
أرادت أن تخرجه من هذه الحالة المحايدة، تململت كأنها تهم بالوقوف قائلة : ..
– ما رأيك بفنجان من القهوة يذهب عنك كل هذا الهم .
باغتها ممسكا بطرف شعرها المنساب كالحرير على ظهرها ضاما إياه بعنف لذيذ
– عودي بفنجانين .. أريدكِ بكل بقوة
لم تستطع الثانيتين اللتان كانتا ينتظران كمال الثانية عشر من منتصف ليلها أن تجعلها تستمتع ولو خيالا بطعم القهوة معه . فالأجراس قرعت بعدما انتصف قلبها ما بين الوجع الماضي وذكرياته وما بين الألم القادم وعثراته . ورغم ذلك لم يأتي … تراه ذهب ليثأر من المحاكم التي تزدحم رفوفها بالقضايا التي يكشف بياض الأغلفة عن براءة أصحابها ، بينما تتوسد الجرائم الكبرى أدراج الطاولات مختبئة في الظل المعدم !!
أم تراه ذهب ليوقف الموت المبرر في شوارع وطن لا يقتل إلا عشاقه ولا يغتال تحت عجلات القدر إلا أحبابه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى