شركة ألمانية ناشئة تسابق جوجل على إنتاج مترجم شامل
تتعهد شركات التقنية منذ سنوات بإنتاج مترجمٍ شاملٍ حقيقي كالذي نشاهده ونقرأ عنه في كثير من أفلام ومسلسلات وكتب الخيال العلمي ويمكّن الشخصيات من التواصل رغم تباين لغاتها. لقد أسهم التقدّم المتسارع في مجال الذكاء الصناعي، الذي لفت أنظار العالم بشكل خاص لدى طرح برنامج “تشات جي بي تي” في 2022، في تحويل هذا الخيال إلى واقع يبدو في متناول اليد.
شركة “ألفابيت” هي مرشحة منطقية لتطوير مترجم شامل بما أن خدمة الترجمة من “غوغل” تشمل 130 لغة حالياً. وقد عرضت “غوغل” العام الماضي مقطع فيديو يعرض نظّارات قادرة على تقديم ترجمة مرئية آنية (على الرغم من أن النظّارات لم تُطرح في السوق بعد).
كما تبرز شركة “أوبن إيه أي” منتجة “تشات جي بي تي” الذي يعوّل عليه مستخدمو التقنية لترجمة نصوص من عدّة فقرات. وقد أعلنت “سبوتيفاي” حديثاً عن عزمها استخدام تقنية “أوبن إي أي” بغرض ترجمة المدونات الصوتيّة الرائجة إلى لغات أخرى بواسطة الذكاء الصناعي، الذي يحاكي صوت المتحدث نفسه.
هناك شركة مرشحة أخرى يتابعها المهتمون بالقطاع منذ سنوات، ولو أن اسمها أقلّ بروزاً من نظيراتها، وهي “ديب إل” (DeepL) الناشئة في كولونيا في ألمانيا وتضمّ 700 موظف. فقد جمعت الشركة في يناير تمويلاً جعل تقييمها يبلغ مليار يورو (1.1 مليار دولار)، وهي تعتزم أن تطرح في ديسمبر أول مترجم صوتي فوري قادر على استيعاب كلمات المتكلّم تلقائياً ثمّ ترجمتها على شكل نص مكتوب.
تخطط الشركة لطرح هذه الخاصية عبر تطبيقها، وكذلك إضافتها إلى خدمات مثل “زوم”. قال مؤسس “ديب إل” ورئيسها التنفيذي ياريك كوتيلوفسكي إنه يتوقع أن تُستخدم أداة الترجمة هذه “في كلّ اجتماعات العمل” وأنها ستزيل حواجز اللغة كافةً.
على عكس الشركات المنافسة التي تعمل على أمور شتّى، فإن “ديب إل” تحصر تركيزها على الترجمة الآلية. مع انتشار استخدام الذكاء الصناعي في الشركات، لم يتضح بعد ما إذا كانت بعض نماذج الاستخدامات العامة ستهيمن على السوق، أم أن بعض المؤسسات ستتمكن من الازدهار عبر تقديم أدوات تتفوق في مجالات محددة، حيث يؤشر استمرار نجاح “ديب إل” إلى رجوح ثاني الاحتمالين.
انطلقت الشركة من موقع إلكتروني بسيط في 2017، وهي تشمل اليوم 31 لغة، وتبيع نسخاً مدفوعة من تطبيقها إلى أكثر من 20 ألف عميل، بينهم شركات محاماة وشركات استشارية يقع كثير منها في آسيا. تقول “ديب إل” إن “عشرات الملايين” يستخدمون خدمتها شهرياً وهي تعتزم أن تفتتح أول مكتب لها في الولايات المتحدة في يناير.
يقارن أجاي فاشي، الشريك في “أي في بي” (IVP) وهي شركة رأس مال جريء تستثمر في “ديب إل” هذه الشركة الناشئة بـ”دروب بوكس” (Dropbox) و”سلاك” (Slack) الرائدتين في مجال البرامج الإلكترونية اللتين استثمرت فيهما شركته.
حديثاً، صنّفت شركة “إنتنتو” (Intento) التي تتابع قطاع الترجمة الآلية “ديب إيل” في المستوى نفسه مع “غوغل” و”أمازون” على صعيد جودة التقديمات، حتى أنها صنّفت “ديب إل” في مرتبة أعلى في بعض المجالات مثل ترجمة المواد التعليمية وتفاعلات الرعاية الصحية والتمويل.
كما أظهرت دراسة أكاديمية حديثة أن كمية الأخطاء التي ارتكبها برنامج “ديب إل” كانت أقل مما جاء من “غوغل ترانسليت”، خدمة الترجمة من “غوغل”، خلال الترجمة من الإنجليزية إلى البولندية، ولكن جاء أداء “تشات جي بي تي” أفضل من “ديب إل” في الحفاظ على التذكير والتأنيث في الترجمة. وقد رفض ممثلّ عن “أمازون” التعليق، فيما لم تجب “غوغل” و”أوبن إي أي” على طلب التعليق.
شرحت إيفا فانماسينهوفي، الأستاذة المساعدة في جامعة “تيلبورغ” في هولندا المتخصصة بدراسة هذا القطاع، أن برامج الترجمة الأكثر تقدماً حالياً تعتمد على الشبكات العصبية، التي تعدّ أفضل من التقنيات السابقة في إنتاج ترجمات تجعل الكلمات والجمل في سياقها بتمكّن. من أمثلة ذلك، ذكرت كلمة (bank) الإنجليزية التي قد تعني مصرفاً أو ضفة نهر، إذ يتعين على برنامج الترجمة المتطوّر أن يدرك المعني المناسب تأسيساً على سياق استخدام الكلمة.
يصف كوتيلوفسكي تقنية “ديب إل” بأنها “محرك سياقي” يعمل من خلال استيعاب فقرات نصيّة كاملة في وقت واحد، وأشار إلى أن “ديب إل” تستخدم تقنية “أوبن إي أي” في بعض التجارب فيما تعمل على تطوير نموذجها اللغوي الكبير. شرح كوتيلوفسكي أن نظام “ديب إل” هو “أصغر بدرجة” من النماذج الأخرى ذات الاستخدامات العامة، إلا أنه أكفأ لأنه مصمّم خصيصاً للترجمة.
تستخدم الشركة أدوات تصفح خاصة بها للبحث عن ترجمات عبر الإنترنت وتقييم جودتها، بحسب التوصيف الوارد عبر موقعها الإلكتروني، كما تستعين بآلاف المتعاقدين الذين يتقاضون المال ليقدموا ملاحظات بشرية على الأداء لتدريب النماذج الإلكترونية.
المقارنة المتعذرة
امتنع كوتيلوفسكي عن التوسع أكثر في الحديث عن هذه الخصائص لدواعي حماية الملكية الفكرية. وقالت فانماسينهوفي إن هذا أمر شائع بين شركات التقنية، “إذ تَصعب معرفة ما يدور فيها وكذلك المقارنة بينها”. ونبهت إلى أن الأبحاث التي تتناول هذه الشركات ما تزال قليلة نسبياً وأن الأساليب التقنية التي تعتمدها الشركات تتغير باستمرار، وقالت: “لا أجرؤ على الادعاء أن (ديب إل) هي الأفضل”.
تشير التوقعات إلى أن قيمة السوق الدولية لخدمات الترجمة ستصل إلى 44 مليار دولار خلال العقد المقبل، فهي مدفوعة جزئياً بشركات ومؤسسات متعددة الجنسيات تبحث عن خيارات أقل تكلفة من الاعتماد على المترجمين. يدرك كوتيلوفسكي أنه قد يكون مضطراً للتفوق على “غوغل ترانسليت” كي يفوز بمثل هذه العقود مع الشركات، وهو واثق من قدرة شركته على تحقيق ذلك. قال: “لقد أثبتنا أنه مع الكثير من التصميم والتركيز، يمكننا مواكبة منافس أكبر”.