أخبار وتقارير

شكَّل رجال الأعمال لأعوام عديدة رقمًا مهمًّا في المعادلتين الاقتصادية والسياسية في المشهد المصري، حتى أنه في نهاية عصر

 شكَّل رجال الأعمال لأعوام عديدة رقمًا مهمًّا في المعادلتين الاقتصادية والسياسية في المشهد المصري، حتى أنه في نهاية عصر مبارك كان من الصعب الفصل بين رجال الأعمال ورجال الدولة، لا سيما مع تصاعد الحضور السياسي لرجال الأعمال في الحزب الوطني المنحل (الحاكم آنذاك)، وهو ما انعكس على الحكومات المتعاقبة التي وُصفت بأنها حكومات رجال أعمال.



ومع الاعتراف بأن هذه العلاقة الشائكة بين رجال السياسة ورجال الأعمال كانت أحد أهم محفزات ثورة الخامس والعشرين من يناير، فإن إعادة ترسيم العلاقة بين الجانبين تُعد أحد أبرز إشكاليات الحياة السياسية في مصر في الوقت الراهن. وبعد مرور عام على رئاسة "عبد الفتاح السيسي"، يبدو أن حالة من عدم اليقين تُهيمن على اتجاه العلاقة بين مؤسسة الرئاسة من جهة ورجال الأعمال من جهة أخرى.

بداية متوترة ومخاوف متبادلة:

بدا أن التوتر قد غلّف الإطار العام للعلاقة بين رجال الأعمال والرئيس "عبد الفتاح السيسي" منذ الإعلان عن ترشحه لمنصب الرئاسة، وهو ما تجلى في محاولة رجال الأعمال إيصال رسالة مفادها أنهم قوة سياسية وليست اقتصادية فقط، عبر عدم التعاون في تسهيل مهمة العاملين في مصانعهم وشركاتهم للذهاب إلى صناديق الاقتراع، الأمر الذي برره البعض بأنه اعتراض أو غضب على الاجتماع الذي جمعهم به وقت حملته الانتخابية، والذي طلب فيه "السيسي" من رجال الأعمال مبلغ 30 مليارًا لإسعاف ميزانية البلاد. وإن نفى رجال الأعمال ذلك مؤكدين أنهم اتفقوا على منح عمالهم فرصة للتصويت بتجزئة العمال إلى نصفين خلال اليومين، مع توفير جميع إمكانيات النقل والراحة الملائمة لهم من أجل المشاركة في التصويت.

وبعيدًا عما تحمله هذه الواقعة من دلالات، يمكن تلمس مجموعة من النقاط أو المخاوف المتبادلة التي شكلت محلا للاختلاف بين مؤسسة الرئاسة ورجال الأعمال خلال العام الأول من رئاسة "السيسي"، لعل أهمها:

أولا- رؤية الرئاسة لمستقبل النظام الاقتصادي؛ حيث تكرست مخاوف رجال الأعمال على خلفية اللقاء الذي عقده السيسي في أعقاب فوزه بالرئاسة وتحديدًا في منتصف يوليو 2014 وخلاله أكدت الرئاسة أنه ستكون لمصر تجربتها الاقتصادية الخاصة التي تقوم على أساس اقتصاد حر بشكل واعٍ يأخذ في الاعتبار الاحتياجات الأساسية لمحدودي الدخل، بهدف تحسين أحوالهم، وزيادة مواردهم تعظيمًا للطبقة المتوسطة ككتلة رئيسية في المجتمع. فضلا عن الاهتمام بشكل خاص بدرجة كبيرة بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى تطوير المناطق العشوائية والفقيرة، ومكافحة ظاهرة أطفال الشوارع.

ثانيًا- الدور المتوقع للمؤسسة العسكرية في الحياة الاقتصادية، لا سيما وأن تصريحات "السيسي" كشفت عن نيته الاستعانة بالمؤسسة العسكرية في مواجهة الأزمة الاقتصادية، في ظل طبيعة السوق المصرية التي اختفى منها دور القطاعين العام والتعاوني لحساب القطاع الخاص، وهو ما يُبرر قيام الجيش بلعب دور الموازن في السوق. وتقابل ذلك رؤية رجال الأعمال التي ترى أن دور المؤسسة العسكرية ربما يكون له مردود إيجابي على المواطنين من ناحية انخفاض الأسعار على المستوى القريب، بيد أنه لن يخدم الاقتصاد على المستوى البعيد. وفي الواقع يرى البعض أن قيام الجيش بدور اقتصادي يُغضب عددًا كبيرًا من رجال الأعمال لأنه يهدد الطبيعة الاحتكارية لممارساتهم الاقتصادية. 

ثالثًا- الدور المتوقع لرجال الأعمال، حيث أكدت الرئاسة أن الدولة تُفرد مساحة للقطاع الخاص ليقوم بدور تنموي، واشتدت مخاوف الكثيرين من بعض عبارات "السيسي" في هذا السياق، مثل "هتدفعوا يعني هتدفعوا" تعليقًا على عزوف رجال أعمال عن المساهمة في التبرع لصندوق "تحيا مصر"، فيما أراد رجال الأعمال أن تكون مشاركتهم في الصندوق من خلال مشروعات استثمارية محددة.

رابعًا- مخاوف الرئاسة من تكتل رجال الأعمال كفاعل سياسي، ويرتبط قلق الرئاسة في هذا السياق من تكتل رجال الأعمال في البرلمان المقبل، خصوصًا أن عددًا كبيرًا من الأحزاب البارزة حاليًّا على الساحة تخضع لسيطرة رجال الأعمال، وأشهرهم مؤسّس حزب المصريّين الأحرار "نجيب ساويرس"، والقياديّ في الحزب الوطنيّ المنحلّ في عهد الرئيس المعزول "مبارك" "أحمد عزّ"، ورئيس حزب الوفد "السيّد البدوي"، ورئيس حزب المحافظين المنتمي للحزب الوطنيّ المنحلّ سابقًا "أكمل قرطام"، مما ينذر بـسيطرتهم على المشهد بشكل كبير، لا سيما في ظل ما يتمتع به البرلمان من صلاحيات وسلطات واسعة في تشكيل الحكومة، وفي تعطيل بعض القرارات الرئاسية.

عام من الشد والجذب:

توقع كثيرون أن تزخر فترة رئاسة "السيسي" بمعارك حامية الوطيس بين مؤسسة الرئاسة من جانب، وكتلة رجال الأعمال من جانب آخر. وقد ثبتت صحة بعض هذه التوقعات في مواقع عدة، وهو ما انعكس في حالة الشد والجذب بين الجانبين في عدد من المناسبات. وقد زادت أهمية هذه التجاذبات مع دخول عدد كبير من وسائل الإعلام على خط المواجهة بين الجانبين بسبب التشابكات المصلحية لعدد من تلك الوسائل مع كلا الجانبين بشكل أو بآخر.

وجاءت أبرز هذه المحطات مع إصدار وزارة الماليّة في 7 أبريل 2015، اللائحة التنفيذيّة لقانون فرض ضريبة 10% على أرباح البورصة للمضاربين، وحملة أسهم الشركات الذي أقرّه السيسي في يوليو 2014؛ انطلاقًا من أن أي أرباح يجب أن تفرض عليها ضرائب، بما فيها أرباح البورصة تحقيقًا للعدالة الاجتماعية. وقد لقي قانون "ضرائب البورصة" رفضًا من بعض رجال الأعمال. وقد أرجعت بعض التحليلات الاقتصادية الخسائر التي مُنيت بها البورصة في هذا السياق إلى رجال الأعمال الذين تعمدوا إحداث تلك الخسائر للضغط على النظام، لا سيما وأن أغلب رجال الأعمال لا يبالون بخسارة أسهمهم في البورصة لفترة من أجل الضغط على الدولة؛ لأنّها خسائر وقتيّة يُمكن تعويضها بارتفاع سعر الأسهم مرّة أخرى. وقد أسفرت تلك الضغوط عن إرجاء الحكومة العمل بقرار تطبيق الضريبة على الأرباح الرأسمالية لتعاملات سوق الأسهم لمدة عامين.

كما جاءت محطة أخرى مع قرار البنك المركزي في 4 فبراير 2015 بتقييد إيداعات الأفراد والشركات في البنوك من الدولار بعشرة آلاف دولار كحد أقصى في اليوم، و50 ألف دولار كحدّ أقصى في الشهر، انطلاقًا من أن تقييد إيداعات الدولار سيؤدي إلى تقليل الطلب عليه، مما يخفض سعره في السوق السوداء للعملة، فيما رفض بعض رجال الأعمال ذلك، معتبرين أنّ القرار أدّى إلى شلل حركة الاستيراد تمامًا.

أما المحطة الثالثة لهذه التجاذبات فارتبطت بقضية إصلاح التشريعات الاقتصادية ودور البرلمان؛ إذ برزت العديد من الدعوات الموجهة للرئيس "السيسي" ولجنة الإصلاح التشريعيّ التابعة للحكومة، والمنوط بها تعديل المنظومات التشريعيّة في مصر، إلى سرعة إصدار قانون ينظّم الضرائب التصاعديّة على الدخل التي أقرّها الدستور؛ خوفًا من ترك إصدار القانون للبرلمان الذي يتوقّع أن يسيطر عليه رجال أعمال يرفضون الضرائب التصاعديّة؛ لأنّها ستضعهم في أعلى شريحة ضريبيّة. ولعل هذه الرؤية هي ما يدفع الكثير من المراقبين إلى تفسير قرار تأجيل انتخابات البرلمان، في ضوء حقيقة أن تلك الانتخابات يتنافس عليها عدد من تحالفات يقودها أو يدعمها رجال أعمال. 

المستقبل.. الاتجاه نحو التكاملية:

على الرغم من الشد والجذب بين الجانبين، يمكن القول إن العلاقة بين السيسي ورجال الأعمال تتجه -وإن ببطء- نحو التكامل المدفوع بالتوافق المصلحي الذي يسهل التوافق حول أبعاده. ففي ظل سعي "السيسي" للنهوض بالبلاد من كبوتها، وتحقيق طفرة اقتصادية، يبدو أنه بحاجة لخبرة رجال الأعمال الطويلة في السوق المصري، مما يتطلب وجود تعاون بين مؤسسات الدولة ورجال الأعمال، وهو ما لن يتحقق دون توفير مناخ استثماري جيد، وتشريعات اقتصادية تحفــز رجال الأعمال على تعزيز استثماراتهم. ومن ثم فالرئيس مطالب بخلق مناخ جيد للاستثمار، وإصدار قوانين محفزة لرجال الأعمال دون تفرقة بينهم، كما أنه على الرئيس الاستعانة برجال الأعمال في مواجهة أزمة البطالة.

وفي السياق ذاته، فوصول السيسي إلى الرئاسة يحقق مصالح رجال الأعمال، فالسيسي كرئيس بإمكانه ضمان زيادة فرص الاستثمار والسياحة ودوران عجلة الاقتصاد بما يخدم مصالح المستثمرين الساعين إلى مزيد من الأرباح. وبالتالي فرجال الأعمال بحاجة إلى الحفاظ على علاقات طيبة مع الرئيس من أجل توفير جو استثماري ملائم، والحصول على امتيازات وتسهيلات ضريبية واستثمارية لزيادة استثماراتهم. 

ويمكن تلمس أبرز ملامح النهج التكاملي في العلاقات بين الجانبين فيما يلي:

أولا- على الرغم من رفض عدد كبير من رجال الأعمال لفكرة التبرع لصندوق "تحيا مصر" قام عدد من رجال الأعمال المعروفين في المجتمع، بالتبرع للصندوق، وتراوحت قيمة التبرعات، حيث ارتفعت لدى البعض لتصل إلى مليار جنيه، وانخفضت لدى آخرين إلى حد المائة مليون جنيه فقط.

ثانيًا- أصدر السيسي عددًا من القرارات الاقتصاديّة حظيت بترحيب رجال الأعمال، مثل قانون الاستثمار الموحّد الذي يسهّل إجراءات تأسيس استثمارات جديدة في مصر، وتعديلات قانون الإجراءات الجنائيّة التي تجيز التصالح مع رجال الأعمال في قضايا الاستيلاء على المال العام، بشرط ردّ ما تمّ اختلاسه بتقدير من لجنة خبراء تتبع مجلس الوزراء.

ثالثًا- كما برزت احتمالات التعاون الواضح بين الجانبين في بعض التفصيلات ذات الصلة بالعملية الاقتصادية في البلاد. تجلى ذلك مع مطالبات طالبت لجنة السياحة بجمعية رجال الأعمال المصريين بتنفيذ توجيهات الرئيس فيما يخص المطارات الحربية الموجودة بالمناطق السياحية، وتأهيلها لتكون ذات استخدام مشترك (مدني وعسكري) بهدف المساهمة في زيادة القدرة الاستيعابية الإجمالية للمطارات المدنية المصرية لتيسير حركة السياحة والطيران المدني بالمدن السياحية المختلفة.

رابعًا- تصاعد التعاون بين النظام ورجال الأعمال في الأنشطة الخارجية للرئاسة، فقد كان لرجال الأعمال المصريين حضور واضح في النشاطات الخارجية للرئيس خلال العام الأول من رئاسته، وهو ما تجلى خلال لقاءاته مع رجال الأعمال المصريين في زياراته المختلفة، مثل زيارته للصين، والإمارات، وإسبانيا، وغيرها. ومن خلال تلك اللقاءات شدد الرئيس على أن مصر تحتاج إلى جهود أبنائها من المستثمرين المصريين، من خلال تنفيذ مشروعات تتيح فرص عمل جديدة للشباب، وتساعد على دعم الاقتصاد المصري من خلال ضخ استثمارات جديدة من الخارج للمشروعات التي سيتم طرحها. كما دعا السيسي رجال الأعمال المصريين في الخارج إلى قضاء إجازتهم بمصر، لتنشيط السياحة، وزيادة الدخل القومي.

وتجدر الإشارة إلى أن رجال الأعمال كان لهم حضور خاص في بعض الأحيان، ومنها محاولة تحسين علاقات مصر مع إثيوبيا، فخلال زيارة الرئيس لإثيوبيا في مارس 2015 التقى الرئيس السيسي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مع ٣٨ من رجال الأعمال المصريين الذين يقومون باستثمارات في إثيوبيا، ولفت الانتباه لضرورة إسهام قطاع الأعمال الخاص والتجارة والاستثمار في تعزيز العلاقات بين مصر وإثيوبيا، عبر دفع مشروعات البنية التحتية التي تؤدي إلى تحسين الخدمات، ورفع المستويات المعيشية للمواطنين، وكذلك المشاركة في المشروعات التنموية المختلفة التي تسهم في تحقيق التقدم.

كما كان لهم حضور خاص خلال زيارة الرئيس إلى ألمانيا في يونيو 2015، فمع كل الضجة التي أُثيرت بشأن هذه الزيارة، أشارت تقارير عدة عن قيام رجال أعمال مصريين بشراء صفحات في جرائد ألمانية بكلفة 2 مليون و500 ألف جنيه تروج لرؤية الرئيس السيسي الاقتصادية، ونتائج مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، والسياحة الثقافية في مصر. تحت عنوان كبير هو "المصريون على طريق المستقبل".


تحليل للدكتورة مروة نظير 
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية 
 
 
 
 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى