أخبار وتقارير

شهد الأسبوع الماضي قيام ائتلاف يتكون في الدرجة الأولى من بلدان عربية سنية، أغلبها من شبه الجزيرة العربية وبتنظيم من

شهد الأسبوع الماضي قيام ائتلاف يتكون في الدرجة الأولى من بلدان عربية سنية، أغلبها من شبه الجزيرة العربية وبتنظيم من المملكة العربية السعودية، بشن ضربات جوية على مواقع في اليمن، وهي الضربات التي تواصلت حتى أسبوعنا هذا، وتستهدف الحوثيين اليمنيين.

ما جعل هذه الضربات مثيرة للاهتمام على وجه الخصوص هو الشيء الذي ينقصها، ألا وهو الطائرات الأمريكية، إذ على الرغم من تقديم الولايات المتحدة دعماً استخباراتيّاً وصوراً أخرى من الدعم، فإن الذي شن هذه الحملة الجوية الممددة ضد الحوثيين هو ائتلاف من الدول العربية.

وفي هذا السياق نشر المحللُ السياسي الأمريكي الشهير "جورج فريدمان" على موقع "ستراتفور"، المعني بالشئون الجيواستراتيجية والاستخباراتية الدولية والأمن العالمي، مقالاً تحليليّاً رأى فيه أن هناك أشياء ثلاثة تضفي أهمية على هذه العملية: 

أولاً: تُظهر هذه العملية استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة وهي قيد التطبيق، إذ بدأت واشنطن تبتعد عن الاستراتيجية التي اتبعتها منذ أوائل العقد الأول من القرن الجاري – وأعني أن تكون القوة المسلحة الأساسية في الصراعات الإقليمية – وبدأت تحول عبء القتال الرئيس إلى القوى الإقليمية مع لعبها هي ذاتها دوراً ثانويّاً. 

ثانياً: صار السعوديون وبلدان مجلس التعاون الخليجي، بعد أن ظلوا لسنوات يشترون أسلحة متقدمة، قادرين على تنفيذ حملة متطورة نوعاً ما، على الأقل في اليمن، حيث بدأت هذه الحملة بإسكات الدفاعات الجوية للعدو (إذْ كان الحوثيون قد حصلوا على صواريخ أرض جو من القوات المسلحة اليمنية) ومضت إلى مهاجمة أنظمة القيادة والسيطرة التابعة للحوثيين. وهذا يعني أنه على الرغم من أن القوى الإقليمية ظلت منذ زمن طويل سعيدة بتحويل عبء القتال إلى الولايات المتحدة، فإنها قادرة أيضاً على تحمل هذا العبء إذا رفضت الولايات المتحدة الانخراط.

الأهم من هذ كله، بحسب فريدمان، أن الهجمات التي يشنها الائتلاف على الحوثيين تسلط الضوء على موقف متنام في المنطقة؛ ألا وهو الحرب التي تقودها إيران باستخدام ميليشياتها.

وأوضح جورج فريدمان أن أحد الأسباب التي تجعل هذا الوضع شديد الأهمية هو أنه يمثل تحركاً من جانب إيران لكسب مجال نفوذ كبير في العالم العربي، وهذه ليست بالاستراتيجية الجديدة، حيث سعت إيران إلى تحقيق نفوذ أكبر في شبه الجزيرة العربية منذ حكم الشاه، ثم كافحت فيما بعد ذلك لخلق منطقة نفوذ تمتد من إيران إلى البحر المتوسط. وبقاء حكومة الأسد في سوريا ونجاح الحكومة الموالية لإيران في العراق سيخلقان منطقة النفوذ الإيرانية تلك، إذا أخذنا في اعتبارنا قوة "حزب الله" في لبنان ومقدرة سوريا بزعامة الأسد على إسقاط قوتها.

لقد بدا لفترة وجيزة أن هذه الاستراتيجية تعطلت بفعل قرب انهيار حكومة الأسد في 2012 وتكوين حكومة عراقية بدت ناجحة نسبية وكانت بعيدة كل البعد عن كونها دمية في يد إيران. وضعت هذه التطورات، مقرونة بالعقوبات التي فرضها عليها الغرب، إيران في موضع الدفاع، وبدا أن فكرة إيجاد مجال نفوذ إيراني صارت مجرد حلم.

لكن صعود داعش – للمفارقة – بث الحياة في القوة الإيرانية بطريقين، بحسب الكاتب. أولاً: على الرغم من أن البروباغاندا التي يمارسها داعش مروعة، فالحقيقة هي أنه لا يمثل أكثر من مجرد جزء من المجتمع السني العراقي، وهؤلاء السنة أقلية في العراق. وفي الوقت نفسه حشدت هذه البروباغاندا المجتمع الشيعي لمقاومة داعش، وسمحت للمستشارين الإيرانيين بأن يديروا، بفعالية، الميليشيات الشيعية في العراق وإلى حد ما الجيش العراقي، وأجبرت الولايات المتحدة على استخدام قوتها النيرانية الجوية بالتزامن وبالتنسيق مع القوات البرية التي تقودها إيران. وإذا أخذنا في اعتبارنا الاستراتيجية الأمريكية المتمثلة في الوقوف في طريق داعش– حتى وإن كان هذا يقتضي التعاون مع إيران – مع عدم نشرها قوات على الأرض في الوقت نفسه، فمعنى هذا أن إيران ستكون المنتصر لعدم وجود معارض، بما أنه موطن ضعف داعش الأساسي يصير عاملاً معتبراً.

وأشار جورج فريدمان إلى أن ثمة موقف مماثل نوعاً ما نراه في سوريا، وإنْ كان بديموغرافية مختلفة. فقد ساندت إيران وروسيا تاريخيا حكومة الأسد، وكان الإيرانيون الداعمين الأهم؛ على وجه التحديد لأنهم قدموا للمعركة حليفهم حزب الله. وما بدت ذات يوم قضية خاسرة صارت الآن بعيدة تماماً عن كونها خاسرة. وكانت الولايات المتحدة تتخذ موقفاً معادياً تماماً للأسد، لكن بالنظر إلى البدائل الراهنة في سوريا، صارت واشنطن على الأقل محايدة تجاه الحكومة السورية، ويودّ الأسد بلا شك أن يترجَم هذا الحياد الأمريكي إلى حوار مباشر مع واشنطن. ومهما كانت المحصلة النهائية، فإن إيران تملك ما يلزمها من وسائل للحفاظ على نفوذها في سوريا.

عندما تنظر إلى خارطة وتفكر في الوضع الراهن في اليمن، تدرك السبب الذي يجعل السعوديين وبلدان مجلس التعاون الخليجي مضطرين إلى فعل شيء ما. فنظراً إلى ما يجري على امتداد الحدود الشمالية لشبه الجزيرة العربية، يجب على السعوديين أن يحسبوا احتمال أن يسفر انتصار الحوثيين عن إقامة دولة شيعية موالية لإيران على حدودهم الجنوبية أيضاً، وعندئذ سيجد السعوديين والبلدان الخليجية أنفسهم في مواجهة احتمال تعرّضهم لتطويق شيعي أو إيراني، وعلى الرغم من أنه هناك فرقاً بين ما هو شيعي وما هو إيراني، فإن الاثنين مرتبطان بطرق معقدة. 

ما يصب في صالح السعوديين، وفقاً للكاتب، هو حقيقة أن الحوثيين ليسوا كحزب الله وكلاءً شيعة لإيران، وبمقدور المال السعودي، مقروناً بالعمليات العسكرية المصممة لقطع خطوط الإمداد الإيرانية الواصلة إلى الحوثيين، أن يكسر حدة هذا التهديد بوجه عام. في كلتا الحالتين، كان لزاماً على السعوديين أن يتصرفوا.

ولفت فريدمان إلى أن البحرين شهدت واحدة من المحاولات التي كاد يُكتب لها النجاح لإطاحة حكومة إبّان الربيع العربي، وكان من أهم أسباب إخفاق تلك الانتفاضة هو تدخل المملكة العربية السعودية وفرضها إرادتها على البلد، وبهذا أثبت السعوديون حساسيتهم البالغة تجاه بروز أنظمة شيعية حاكمة تربطها علاقات وثيقة بإيران في شبه الجزيرة العربية. كانت النتيجة تدخلاً وقمعاً من جانب واحد. ومهما كانت القضايا الأخلاقية التي تنطوي عليها هذه الواقعة، فإن الواضح أن السعوديين تخيفهم القوة الإيرانية والشيعية الصاعدة ومستعدون لاستخدام قوتهم، وهذا هو ما فعلوه في اليمن.

وأشار فريدمان إلى أن المسألة، نوعا ماً، بمثل هذه البساطة في أعين السعوديين، الذين يمثلون مركز ثقل العالم السني الديني، وانطلاقاً من هذا، فإنهم اتبعوا هم وحلفاؤهم استراتيجية دفاعية على المستوى الاستراتيجي وهجومية على المستوى التكتيكي. فهدفهم هو الوقوف في طريق النفوذ الإيراني والشيعي، والوسيلة التي ينفذونها هي الحرب الائتلافية التي تستخدم القوة النيرانية الجوية لدعم القوات المحلية على الأرض. وإذا لم يحدث اجتياح كامل لليمن، يكون السعوديون بهذا متبعين للاستراتيجية الأمريكية التي اتبعتها الولايات المتحدة في العقد الأول من القرن الجاري، لكن على نطاق أصغر.

الموقف الأمريكي
ووفقاً لجورج فريدمان، فالاستراتيجية الأمريكية أشد تعقيداً. فالولايات المتحدة اتبعت استراتيجية ركزت على الحفاظ على توازن القوى، ودائماً ما يكون هذا النوع من النُّهج فوضويّاً لأنه لا يهدف إلى دعم أي قوة بعينها، بل إلى الحفاظ على توازن بين قوى متعددة؛ وهكذا نجد الولايات المتحدة توفر دعماً استخباراتيّاً ودعماً لتخطيط للمهام للائتلاف السعودي المضاد للحوثيين وحلفائهم الإيرانيين. وأما في العراق، فنجد الولايات المتحدة تقدم دعماً للشيعة. وفي سوريا، تتسم الاستراتيجية الأمريكية بالتعقيد البالغ الذي تستعصي معه على التفسير الواضح. وتلك هي طبيعة رفض التدخل واسع النطاق، لكن مع الالتزام تجاه توازن القوى. فالولايات المتحدة يمكنها أن تعارض إيران في مسرح معين وتدعمها في مسرح آخر. وهذا الوضع لا تنطبق عليه نماذج الحرب الباردة المبالغة في التبسيط.

وأوضح فريدمان أن كل هذا يجري في الوقت نفسه الذي نجد فيه المفاوضات النووية توشك فيما يبدو على بلوغ نهايتها بصورة ما. فالولايات المتحدة ليست في حقيقة الأمر قلقة بشأن أسلحة إيران النووية. يقول فريدمان: ونحن – كما قلت مراراً وتكراراً – تتردد على مسامعنا منذ منتصف العقد الأول من القرن الجاري مقولات إن إيران لا يفصلها إلا سنة أو سنتان عن صنع أسلحة نووية، وفي كل سنة، يتأجل هذا التاريخ المحتوم. إن صنع أسلحة نووية قابلة للإيصال أمر صعب، ولم يُجْر الإيرانيون حتى تجربة نووية واحدة، وهذه التجارب خطوة ضرورية قبل صنع سلاح قابل للإيصال. وما كان قضية كبيرة منذ بضع سنين صار الآن جزءاً من مجموعة من القضايا التي تتفاعل فيها العلاقات الأمريكية الإيرانية وتتعاضد وتتعارض. وسواء أُبرمت اتفاقية أم لا، فإن الولايات المتحدة ستقصف الدولة الإسلامية، وهو ما سيساعد إيران، وستدعم السعوديين في اليمن، وهو ما لن يساعد إيران.

القضية الحقيقية الآن، برأي جورج فريدمان، هي القضية التي كانت منذ بضع سنوات، وهي أن إيران تعكف على ما يبدو على بناء منطقة نفوذ تمتد إلى البحر المتوسط، لكن منطقة النفوذ هذه ربما تشمل اليمن هذه المرة، وهذا بدوره يخلق تهديداً لشبه الجزيرة العربية من اتجاهين، أي أن الإيرانيين يحاولون وضع كماشة من حولها. ولا بد للسعوديين من أن يردّوا. والعقيدة الحالية تقتضي توازناً بين إيران والمملكة العربية السعودية، مع تذبذب الولايات المتحدة إلى هذه تارة وإلى تلك تارة أخرى. وبمقتضى هذه العقيدة، وفي هذا الواقع العسكري، لا تحتمل الولايات المتحدة اشتباكاً شاملاً على الأرض في العراق.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى