فن

فنان تشكيلي متميز ينتمي إلى الجيل الثاني من الفنانين المصريين. وهو صاحب بصيرة نافذة، وذوق رفيع، أحب الموسيقي منذ نعومة


كتب: حسام خليل
فنان تشكيلي متميز ينتمي إلى الجيل الثاني من الفنانين المصريين. وهو صاحب بصيرة نافذة، وذوق رفيع، أحب الموسيقي منذ نعومة أظافره، كما كتب رباعيات وخماسيات زجلية تمتلئ حكمة وبلاغة، ظل معطاء طوال حياته، ومعلما للكثير من الأجيال. وهو صاحب مدرسة للفن الصحفي وصحافة الأطفال بصفة خاصة، بل هو رائدها الأول في مصر. له أسلوب بسيط واضح ارتفع بمستوى الرسم الصحفي ليقترب من العمل الفني، أما لوحاته الزيتية فتتميز بمستواها الرفيع في التكوين والتلوين وقوة التعبير، فهو فنان مرهف حساس ،وناقد فني شاعري الأسلوب.
 
 
ولد حسين أمين بيكار في 2 يناير عام 1913 بحي الأنفوشي بالإسكندرية، التحق بكلية الفنون الجميلة عام 1928، وكانت وقتها تسمى مدرسة الفنون العليا وكان عمره آنذاك 15 عامًا، ليكون من أوائل الطلبة المصريين الذين التحقوا بها. درس في البدايات على أيدي الأساتذة الأجانب حتى عام 1930، ثم على يد يوسف كامل وأحمد صبري. عقب التخرج عمل في تأسيس متحف الشمع، وانجاز بعض الأعمال في ديكور المعرض الزراعي.
انتقل بيكار بعد ذلك إلى المغرب حيث قضى ثلاث سنوات مدرسا للرسم وهي مرحلة هامة في تكوين، حيث رسم بيكار أول رسومه التوضيحية هناك عندما وضع مدرس اللغة الإسبانية كتابا لتعليم اللغة للتلاميذ، طلب من بيكار مدرس الرسم آنذاك أن يترجم الكلمات إلى صور. عاد بيكار إلى القاهرة عام 1942، وعمل معاونا لأستاذه وصديقه الفنان أحمد صبري، وتولى رئاسة القسم الحر خلفا لصبري الذي انتقل لرئاسة قسم التصوير، وسرعان ما تولى بيكار رئاسة هذا القسم بعد إحالة صبري للتقاعد.
 
 
بعد تخرجه عام 1933 بدأ بيكار نشاطه الموسيفى فقد تعرف على موظف شاب وعازف قانون..وكان له زميل آخر بنفس الإدارة عازف كمان هو عبد الرحيم محمد "والد الدكتور جمال عبد الرحيم عميد الكونسيرفتوار سابقا" وانضم إليهم الدكتور إبراهيم زكى خورشيد وكونوا فرقة موسيقية. وبدأ بيكار يظهر نشاطه في الحفلات كعازف عود ومغنى أدوار ويقوم بتحفيظه الأدوار القديمة إبراهيم عثمان شقيق عزيز عثمان.وكانت بعض هذه الأعمال تذاع على محطة إذاعة محلية كانت تسمى "سابو" وكان بقف على المسرح مع كبار مطربى هذا الزمان صالح عبد الحى وزكريا أحمد وعبده السروجى
 
ومع الموسيقى عمل مدرساً للتربية الفنية وانتقل لفترة لدمنهور ثم عاد للقاهرة ثم إلى قنا ومنها سافر في أول بعثه للتدريس بمدينة تطوان في بلاد المغرب في منطقة كانت تحت الاحتلال الإسباني وكانوا يدرسون للأطفال اللغة الإسبانية إلى جانب اللغة العربية.وكان ان طلب من بيكارعمل رسوم وصفية لكتاب بدائى جداً يحتوى رسوم بسيطة كشجرة _تفاحة_قطة…. وهنا اكتشف بيكار اللغة البسيطة التي تصل إلى وجدان الطفل ويقول بيكار عن ذلك :لقد أعطونى فكرة عن شيء كنت أجهله…. فالرسومات توصل الفكرة بسرعة.وكان ذلك في أيام الحرب الأهلية الإسبانية (1939 _1940) وفى هذه الفترة رسم بيكار كتابين مما أتاح له خبرة في أمور لم يكن تعلمها وقتها في المدارس. ولما عاد إلى مصر بدأت صلته بدار المعارف وكانت في ذلك الوقت أكبر دار نشر فعمل كمستشار فنى بها ,فكان يصمم أغلفة الكتب وتصميم كل مطبوعات الدار في ذلك الوقت ومن هذه الأعمال على سبيل المثال التقويم السنوى وكتب كامل الكيلانى (رائد قصص الأطفال في العالم العربي) وعن هذه المرحلة يقول الفنان بيكار<في البداية كنت أعمل أغلفة القصص أولاً ثم دخلت عالم الكيلانى فأخذت أرسم القصة بكاملها. كنت أفكر في تعليم القراءة من خلال العين.وهذه ميزة الرسم ,حيث تنطبع في ذهن الطفل صورة الكلمة. وبدأبيكارفى سلسلة "الكتاب العجيب " وقامت دار المعارف بإصدارها وكان بيكار يؤلف القصة ويرسمها كما طلب من الفنانين أن يقدموا إبداعاتهم فيها وذلك تحت شعار "اكتب كتاب وأرسمه" ومن هؤلاء الفنانين العظماء إيهاب كامل-يوسف فرانسيس- جورج البهجورى- فايزة مرقص وغيرهم من الفنانيين. وهنا لابد لنا من أن نذكر أجمل إبداعات الفنان بيكار مجلة السندباد.
استقال بيكار من العمل في كلية الفنون الجميلة حيث تولى رئاسة قسم التصوير – بعد إلحاح الشقيقين على أمين ومصطفى أمين وتفرغ للرسم الصحفى الذي كان يمارسه في الأخبار منذ عام 1944 وكان لبيكار أسلوب بسيط واضح في هذا المجال حيث ارتقى بمستواه ليقربه من العمل الفنى، وكان رائداً له بدلاً من النقل من الصحف الأوروبية، وهو أول فنان رسم غلاف كتاب، بعد ما كان يسيطر على هذا المجال عمال الحفر" فكان كتاب "الأيام " للدكتور طه حسين أول كتاب يقوم برسمه بعد عودته من رحلة المغرب، ويحمل الغلاف كلمة الأيام بخط يد بيكار ،لتتعدى بعد ذلك الكتب التي رسمها حتى رحيله الألف كتاب، وبذلك يعود له الفضل في نقل الرسم الصحفى وكتب الأطفال وأغلفة الكتب من الغرب إلى مرحلة جديدة مثلت ثقافة مصر وروحها. تميزَ بيكار في أثناء عمله في دار أخبار اليوم بنوع جديد من الأدب وهو" أدب الرحلات" الذي كان حديثاً على الصحافة فصار "سندباداً صحفياً" يسافر إلى بلاد العالم حاملا قلماً ومستبدلاً الكاميرا بالريشة حيث سافر إلى الحبشة وإسبانيا والمغرب وسوريا ولبنان وتونس والجزائر ونجحت تلك التحقيقات المرسومة أيما نجاح… كان يكتب ويصور بريشته كل غريب وطريف فتجول في أسواق الحبشة وحوانيتها واختلط بالغجر في إسبانيا ورسم مصارعة الثيران وفى سوريا صور سلطان باشا الأطرش زعيم الدروز كما طاف بجبال لبنان الرائعة أشجار الأرز الساحرة ثم عاد إلى أول بلد زارها بعد تخرجه –المغرب ثم اتجه إلى تونس والجزائرمحلقاً طولاً وعرضاً ثم عاد إلى مصر وتعددت رحلاته من مصر الفرعونية إلى بلاد النوبة التي عشقها ثم إلى البحر الأحمر ومنه إلى بورسعيد… رحلات بالكلمة والصورة المرسومة زينت الصحافة المصرية.
البورتريه :
اعتبر بيكار أن فن البورتريه الذي تميز به تلخيصا للحياة على مسطح، وقال عنه (إذا لم أحب ملامح من سأرسمه فلن تطاوعنى فرشاتى) فهو يقترب من الشخصية ويغوص فيها بالتعامل والحديث ليقتنص اللحظة المناسبة ويعبر عنها باللون والخط. وقد تعلم من أستاذه "فريدمان كروزيل" أستاذ النحت في كلية الفنون الجميلة، عندما كان طالباً فيها – أن الفنان أمام البورتريه يجب أن يشعر بأنه يخاطبه ولابد أن تكون الجلسة بينهما حوارية وبها نوع من الترابط العقلى والوجدانى ،فهو يحول العمل الفنى من لحظة زمنية إلى لحظة أبدية ،ولو استطاع الفنان أن يقتنص هذه اللحظة فقد وصل إلى صميم فن البوتريه. كان بيكار يركز على مواجهة الشخصية التي يرسمها ،لأنه اعتبر العين هي لغة التحاور وهى اللقاء المباشر بين الفنان ومن يواجهه.رسم شخصياته في وضع ساكن لكنه حى فكان لديه القدرة على أن يصطاد ويرسم الحركة الباطنية وليست الظاهرية للموديل ليؤكد أن ملامحه الداخلية هي ما يعطى العمل الفنى قيمته. ومنذ تخرج بيكار في الثلاثينات رسم نفسه في العديد من الصور سجل فيها جميع مراحل عمره حتى أيامه الأخيرة.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى