الرأي

فى المستقبل البعيد، وجد نفسه تائهاً وسط بشر إستبدلوا المياه بسوائل غازية فى الشرب و الزراعة ، و أصبحت

فى المستقبل البعيد، وجد نفسه تائهاً وسط بشر إستبدلوا المياه بسوائل غازية فى الشرب و الزراعة ، و أصبحت لغتهم غير مفهومة و مضمحلة و المصيبة أن البلد هى نفس البلد ، فقام بالبحث عن صديقته التى تعرف عليها خلال التجربة . و فى خلال رحلة بحثه عن طريقة ما ليرجع بها إلى عصره ، أصبح بالصدفة رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية فقط لأجل ذكائه المتوسط الذى أصبح يعتبر أعلى المعدلات فى ذلك الزمان ، و صديقة التجربة أصبحت هى زوجته المتوسطة الذكاء أيضاً ، حتى ينجبوا أذكى أطفال فى العالم!
 
كان ذلك ملخص لفيلم ( idiocracy ) الأمريكى و الذى لم أستطع تصنيفه إلا ( للأغبياء فقط ) ، مع العلم إنه إذا تم عرضه هنا فى مصر قد يحقق أعلى إيرادات فى السينما، لكنها لن تصل لما حققه فيلم شارع الهرم! لقد عرض المخرج رؤيته أو رسالته بشكل كوميدى سىء ، لقد تصور أن تلك البلد سينخفض فيها معدلات الذكاء بنسبة كارثية فى المستقبل البعيد ، و ذلك بناءاً على عوامل كثيرة.
رسالة الفيلم كانت واضحة ، لقد شرح فى النهاية أهمية أحد الوسائل الرئيسية فى الحفاظ على نسب الذكاء ، إنها القراءة . الأن فى مصر و نحن بصدد مرحلة جديدة نطلب فيها التغيير، يتوجب علينا أيضاً أن نغير من أنفسنا. لقد أصبحنا نطالب بما نسمعه و نفهمه بشكل بسيط ، بدون أن نستوعب تلك المطالب و المفاهيم بشكل أعمق ، فعلى سبيل المثال جميعنا نطالب بالحرية ، و لكن ما هى الحرية ؟ … جميعنا نطالب بالديموقراطية ، و لكن ما هى الديموقراطية ؟ كلنا نطالب ببرلمان و دستور ، لكن ماذا نعرف عن كل ما سبق غير تلك التعريفات البسيطة ، التى تكفى فقط وصولنا حتى باب لجان الإقتراع و مشاهدة الحياة السياسية و التغيير فى مصر عبر شاشات الكمبيوتر و التلفزيون فقط !!
 
أعتقد أن تعودنا على معايشة ظروفنا الصعبة  جعل الكثير منا فلاسفة ، نستطيع أن نفكر و لكن فى إطار محدود و مغلق. الفلسفة وحدها لا تكفى ، فبدون المعرفة تصبح الفلسفة تمثال بدون ملامح ، موجود و لكنه مبهم . القراءة عامل أساسى فى تلك المعرفة ، و التكنولوجيا للأسف أصبحت هى عدو القراءة الأول. قد تكون التكنولوجيا هدفها فى الأساس المساعدة على زيادة المعرفة و رفع معدلات الذكاء ، و لكنها بإستخدامتها الأخرى الكثيرة قتلت تلك الخاصية. القراءة تساعدك على صنع خيال خاص بك ، تجعلك واسع الأفق ، إنها تصنع منك مبدع !
 
عندما بدأت فى قراءة سلسلة روايات هارى بوتر وأنا فى سن صغير ، لم تسنح ليَّ الفرصة لمشاهدة سلسلة أفلامه بعد. فأعتمدت كلياً على الروايات و القراءة. الحقيقة هى صدمتى عند مشاهدة فيلم عن أحد الأجزاء و لم يستحوذ إعجابى  مطلقاً ! لقد كانت الرواية أكثر تفصيلاً و صنعت فى خيالى صورة لم يستطع الفيلم أن يرسمها.
 
القصة أو الرواية تصنع ذلك الخيال بإسلوب خاص فهى تجعلك تتخيل كل شخصية فيها بهيئة خاصة بك ، أنت من ترسمها فى خيالك فقط . أظن مثلاً أن هارى بوتر من كان فى خيالى مختلف تماماً عن هارى بوتر فى خيال كل من قرأ القصة قبل مشاهدة الفيلم. أما عن الخاصية الثانية و هى توسيع الأفق عن طريق خلق أماكن و أحداث و بيئة بصورة فريدة أيضاً فى خيالك و من هنا تأتى الخاصية الثالثة و هى الإبداع. لقد منحتك القصة خطوط عريضة أو ملامح أولية ، و جعلتك أنت من ترسم التفاصيل. الإبداع عامةً سببه هو إعتناق بعض المبادىء و الأفكار و المعتقدات التى يود الإنسان دائماً فى ترجمتها فى شكل ملموس لكى تعبر عما بداخله من تلك المشاعر و الأفكار.
 
القراءة هى الحل ، ذلك هو شعارى فى تلك المرحلة. لا تعتمد على فلسفة بدون معرفة و إلا لن يتاح لك الإنتصار من أجل معتقاداتك. أما إذا كنت تكره القراءة ، فأعدك أنك لن تستطيع الخروج من تحت تصنيف للأغبياء فقط.
نصيحتى لكارهى القراءة هى التغصب و البعد عن التكنولوجيا فى بداية العلاج ، فالمغريات كثيرة و لكن القراءة أهم. و لتحفيزك أعلم إنك لن تنجح مثل هؤلاء الذين نسمع عنهم فى القصص و أصحاب مسيرات حقيقية من النجاح بدون خيال و إبداع. الإبداع أصل النجاح ، و الإجتهاد شُعلته ، و التماسك هو سبيل للحفاظ عليه. و أخيراً إن كنت ترغب فى مصر أفضل ، فأرجوك أن تحلم و تبدع حتى تخرج من " قائمة للأغبياء فقط".

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى