في رسالة مفتوحة وجهتها لقائد الجيش المصري

تحية طيبة..

اسمح لى يا سيادة الفريق أن أعبر عن رأيى فى موضوع حساس يتعلق بمستقبل مصر..

لقد قامت ثورة 25 يناير بمبادرة من الشعب، وانضمت بذلك إلى ثورة 1919 التى نفخر جميعا بها؛ فقلبت نظاما بائدا أحس خلاله عامة المصريين بالعوز والحاجة، وعانوا من الفساد والقهر. وانتظرنا أن يبرز من شباب الثورة ورجالها زعيم يجسدها ويلتف حوله الشعب. وطال الترقب لأكثر من عامين ونصف، بل لقد سرق الإخوان المسلمين الثورة وصاروا يتكلمون علانية على أنهم صانعوها، بالرغم من أننا نعرف جميعا أنهم لم ينزلوا ميدان التحرير إلا بعد ثمانية عشر يوما؛ لما تأكدوا من نجاح الثورة!

سيادة الفريق..

أكتب لك لأدعوك لأن تترجم ثورة 30 يونيو إلى واقع.. فلقد كان نزولك على رغبة الجماهير بتغيير نظام أثقل على الشعب المصرى لمدة عام واحد فقط؛ لهو حدث تاريخى عظيم. لقد أهمل حكم الإخوان الاقتصاد المصرى؛ وبالتالى تسبب فى مزيد من الفقر والمعاناة، كما فشل فى توفير الأمن للمواطنين الأبرياء؛ مما زعزع الاستقرار المطلوب للتقدم الاقتصادى.

وأكثر ما أحزن المصريين ودفعهم للثورة على هذا النظام الرجعى الفاشستى المتخلف الخائن للوطن؛ هو تفريطه فى سيناء، واستقواؤه بالغرب، وتشويهه لصورة مصر.

ما أعنيه هو أن تتقدم بثقة إلى العمل السياسى وترشح نفسك فى الانتخابات الرئاسية، وتأكد أن الثلاثين مليونا الذين خرجوا فرحين منبهرين يؤيدونك يوم 26 يوليو، سيعطونك أصواتهم فى صناديق الاقتراع؛ فإن المواقف والمبادئ هى التى تصنع القادة.

أتدرى أنك حققت فى أقل من شهرين ما لا يستطيع السياسيون أن يحققوه فى عشرات السنين؟! ألا وهو التأييد الشعبى الكاسح. انظر إلى المعارضة المصرية؛ إنها مفككة، وزعماؤها ليسوا على مستوى هذه اللحظة الفارقة العظيمة التى تعيشها مصر.

إننى أسمع من يتكلمون عن الحكم العسكرى ويقولون: كفانا ستين عاما من البدلة العسكرية!

أرجوك ألا تلقى بالاً إلى هؤلاء؛ فهم مغرضون ومغالطون! لقد وضع جمال عبدالناصر مبدأ منذ بداية ثورة 23 يوليو 1952 وهو؛ عدم تدخل الجيش فى السياسة، وأن من يرغب من الضباط الأحرار فى أن يعمل بالسياسة فعليه أن يخلع البدلة العسكرية، وقد تحقق ذلك فعلا بالممارسة.

وعندما تم إقرار الدستور فى 16 يناير 1956 قام جمال عبدالناصر بحل « مجلس قيادة الثورة»، وبعد ترشحه لرئاسة الجمهورية فى نفس العام، انتفت عنه صفة العسكرية، وأصبح النظام مدنياً. ولقد أثبت التاريخ مدى حنكته السياسية فى المواقف الفاصلة فى تاريخنا القومى؛ مفاوضات الجلاء فى 1954، القضاء على احتكار السلاح والتوجه للشرق فى 1955، الانتصار على العدوان الثلاثى وإدارة المعركة السياسية والإعلامية بكفاءة شهد لها الجميع، التصرف على مستوى قومى عربى أثناء أزمة الانفصال فى 1961، بناء تنظيم سياسى شعبى فتح المشاركة لجميع الطبقات، إعادة بناء الجيش المصرى بعد هزيمة 1967 فى فترة وجيزة فى عمر الجيوش؛ من 11 يونيو 1967 إلى 28 سبتمبر 1970. وهنا أحب أن أشير إلى اثنين من أعظم السياسيين فى العالم، وهما الجنرال ديجول والجنرال آيزنهاور..

إن الجنرال ديجول رجل عسكرى فرنسى اشترك فى الحرب العالمية الأولى، وأنشأ المقاومة الفرنسية فى الحرب العالمية الثانية، ثم اعتكف بعد فترة حكم قصيرة من 1944 إلى 1946، ومع ذلك فعندما مرت فرنسا بظروف سياسية صعبة داخليا، ومعارك يائسة فى الجزائر، قام الجيش بانقلاب فى مايو 1958 وهرع جنرالات فرنسا إلى القائد المخلص ديجول، الذى أنقذ بلده من الانهيار المروع.

ولقد كان حكم ديجول ناجحا بكل المعايير؛ غير الدستور وشكل الحكم، حقق لفرنسا الاستقرار وبالتالى التقدم الاقتصادى الذى نقلها إلى مستوى ألمانيا، خلق لبلده صورة مشرفة فى العالم. كل ذلك بالمبادئ التى أرساها خلال أحد عشر عاما من حكمه التاريخى حتى عام 1969.

هل قال أحد فى العالم إن فترة حكم ديجول حكم عسكرى؟! لم يحدث. وهل كان يرضى بذلك الفرنسيون المعروفون بالتعددية والفردية؟!

ومثل آخر وهو الجنرال آيزنهاور الذى كان قائدا عسكريا أمريكيا أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم رشح نفسه للرئاسة بعد الحرب، وكان أيضا سياسيا بارعا وعلامة بارزة فى التاريخ الأمريكى.

سيادة الفريق..

إن رئيس الجمهورية الناجح هو من يجمع حوله أهل الخبرة من بلده فى مختلف المجالات، وقد يستعين بالخبرة الحرفية من الخارج؛ والعالم الآن وحدة واحدة تكنولوجيا.

إننى أدعوك بصفتى الشخصية والعلمية- كأستاذ علوم سياسية- أن تتقدم وتتحمل المسؤولية التى وضعك القدر أمامها، ولا تلقى بالاً للدعايات المغرضة؛ فتلك فرصة فى التاريخ لا تتكرر كثيراً ولا تملك القرار فيها وحدك، وإنما الفيصل هو الشعب صاحب الكلمة العليا.

سيادة الفريق.. وفقك الله للعمل من أجل مصرنا الحبيبة

Exit mobile version