في واقعة غير مسبوقة في تاريخ فرنسا السياسي المعاصر أظهر استطلاع للرأي أنه في استطاعة مارين لوبين زعيمة اليمين المتطرف


في واقعة غير مسبوقة في تاريخ فرنسا السياسي المعاصر أظهر استطلاع للرأي أنه في استطاعة مارين لوبين زعيمة اليمين المتطرف الفوز على  الرئيس فرانسوا هولاند في الدورة الثانية لانتخابات الرئاسية إذا عقدت اليوم.

وقع هذا الخبر كالصاعقة على الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية وجاء ليؤكد قتامة الأجواء السياسية التي تخيم على فرنسا منذ أن حقق اليمين المتطرف اختراقات سياسية في الانتخابات البلدية الأوروبية.

مارين لوبين التي ورثت حزب الجبهة الوطنية عن أبيها جان ماري لوبين حاولت صياغة استراتيجية جديدة لهذا الحزب تبتعد عن سياسة الحزب الاستفزازية والعنصرية التي بنت عليها الجبهة الوطنية مجدها السياسي طوال العقود الماضية. وجاءت النتائج التي حققها الحزب في الاستحقاقات الأخيرة لتظهر ذكاء هذه الخيارات الجديدة بالرغم من أن ذلك لم يمر بدون تناقضات داخلية أدت إلى شبه قطيعة بين الأب العراب والابنة الوريثة.

إلا أن جديد معطيات اليوم حول الجبهة الوطنية يرسخ بطريقة واضحة القناعة أن مارين لوبين استطاعت أن تفرض حزبها كطرف لا يمكن للمعادلة السياسية الاستغناء عنه. 

ويعزو المراقبون ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسة. الأول أن الجبهة غيرت من شكل خطابها السياسي وجردته ولو صوريا من النزعة العنصرية التي كانت تطغى عليه وتشوش على مضامينه السياسية، فالجبهة الوطنية لم تصبح ذلك البعبع المخيف الذي يهدد وصوله إلى بعض مستويات المسئولية داخل المنظومة الحكومية بإشعال نار الفتنة في المجتمع الفرنسي.

العنصر الثاني الذي يشجع البعض على الاعتقاد أن أمام الجبهة الوطنية و مارين لوبين فرصا تاريخية للعب الأدوار الأولى يكمن في وضع اليمين التقليدي. الذي ومنذ هزيمة نيكولا ساركوزي يعاني مشاكل جمة في التوصل إلى إيجاد قيادة جديدة تحمل مشعل المعارك الانتخابية المقبلة. فاليمين التقليدي غارق في حروب طاحنة بين قياداته. المواجهات اليومية لزعمائه ونشرهم لغسيلهم الداخلي أمام الرأي العام الفرنسي تعطى صورة سلبية عن قدرته في تجسيد البديل لليسار الحاكم. فعائلة اليمين تعيش حاليا على وقع مسلسل عودة نيكولا ساركوزي في دور الرجل المعجزة الذي سينقذها من تناقضاتها ويساعدها على العودة إلى الحكم.

العنصر الثالث الذي يساهم في أن يسطع نجم مارين لوبين قويا في سماء فرنسا اليوم يستمد قوته من الإدارة التي يصفها المراقبون بالفاشلة للرئيس فرنسوا هولاند لقضايا فرنسا السياسية والاقتصادية. 

فالأزمات المتتالية التي يعيشها الرئيس الفرنسي انطلاقا من التناقضات الداخلية لليسار التي توجت باستقالات مدوية مرورا بالفضائح السياسية التي كشفها كتاب الصديقة السابقة للرئيس هولاند فاليري تريرفيلر وجهت ضربات موجهة لمصداقية الحكم الاشتراكي. إلى درجة ارتفعت معها أصوات في المشهد السياسي الفرنسي تطالب بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة.

اليمين الذي يعيش صراع قيادات تشل حركته. واليسار الذي يعيش فقدان مصداقية لم يسبق لها مثيل يمنح اليمين المتطرف آمالا في أن يصل إلى المسئولية عبر صناديق الاقتراع كتعبير عن غضب وخيبة أمل الفرنسيين في طبقتهم السياسية الحاكمة التقليدية.
Exit mobile version