الأخيرة

قلب كبير” خصصته لأجلنا …لتسمع شكوانا ،اوجاعنا و كل مشاكلنا ،تضحك .. فنضحك ،ولا احد يعلم ما تخفيه ضحكتها من

فلسطين : روضه عمايره

قلب كبير" خصصته لأجلنا …لتسمع شكوانا ،اوجاعنا و كل مشاكلنا ،تضحك .. فنضحك ،ولا احد يعلم ما تخفيه  ضحكتها من مراره .. يأتينا صوتها  الحريري عبر اثير  اذاعة صوت الشرق ، لتربي فينا الحب ،الفرح والسعادة ،لكن ما إن يختفي صوتها ، نُطرق اذاننا لصدى الآمها ،هي ذاتها من اضحكتنا ووجهتنا ،تُبكينا بفخر ،وتشعرنا بالنقص اذا ما تكدرنا ..كيف لا وهي من هزمت سرطانا استوطن جسدها بابتسامه.
هي الثائرة دائما ،العارية تماما من التقاليد ،ترفض أن تكون ( نسخ – لصق ) انوثتها تخطت حدود الجسد ،تُعرف نفسها بالمشاغبة ،تقول : " انا امرأة متمردة ..حدّتني الضوابط الاجتماعية ، لكن مرض السرطان كان صحوة كسرت به كل المحرمات" ،لتخرج من شرنقة الشرق ،فراشة فولاذية.
انها الاعلامية المقدسية والناشطة الحقوقية ( ميساء ابو غنام ) ،الحاصلة على  ماجستير في الدراسات الدولية من جامعة بيرزيت ،واخرى في الدراسات الإسرائيلية ,كما تحمل شهادة بكالوريوس في علم الاجتماع ودبلوم صحافة وتلفزيون من الجامعة ذاتها ، تعمل مراسلة و مقدمة برامج  في اذاعات محلية  ،تنشر مقالاتها ويومياتها مع السرطان  في الكثير من الصحف و المواقع الفلسطينية والعربية .
 شخصيتها قريبة من القلب ،محبوبه ،لا احد يشكك بجمالها ولا قوتها ، حينما هاتفتها تمنيت لو كان حديثنا مباشرا ،فهي ساحره.. تعرف كيف تأسرك ،تبقيك في حالة إصغاء لا إراديه ،تسرد حكايتها مع السرطان قائله : " اكتشفت المرض في التاسع من كانون الثاني العام الماضي… خلال فحص ذاتي اقوم به بشكل دوري ،لاحظت وجود درنة اسفل الإبط بجانب الثدي .. توجهت بعدها للطبيب الذي واجهته بالمرض قبل ان يخبرني بحقيقته… ، كانت اصعب لحظه في حياتي التي تساوت تلقائيا مع الموت ،لكني تعاملت بإيجابيه مع المرض .. ابتسمت له ، لأنني ادركت ان السرطان  جاء لينقذني من عبء ثقيل، ويخلق ميساء من جديد "
 من بين كل ثماني نساء في فلسطين هنالك واحدة مصابة بسرطان الثدي ،منهن من اخترن الهروب من  شفقة الناس وعيونهم التي لا ترحم ،اختبأن خلف جدران منازلهن ليصارعن المرض بصمت ،ينتظرن الموت كمن ينتظر طوق النجاة .لكن ميساء صاحبة القلم الجريء ترجمت كلماتها لواقع ،مشت عارية الرأس في شوارع القدس وسط ذهول مجتمع لم يعتد هكذا امرأة.. تقول ميساء " يجب على المجتمع ان يقبلني كما انا ،لن اغطي رأسي بباروكة أو حجاب … فالمرض ليس عيبا او تشوه حتى اخفيه  ".
 سرطان الثدي يسبب حرجا للكثير من النساء المصابات به كونه يخدش انوثتهن وربما يقلل منها ،مما ينعكس سلبا على حياتهن الزوجية ،فكان لميساء نصيب من هذه المشاكل العائلية التي عزتها لطبيعة الثقافة الشرقية ،فتقول أن زوجها لم يحتمل مظهرها الجديد … وتابعت : " الرجال في المجتمعات العربية ينظرون للمرأة نظره جنسيه فقط ،و من الطبيعي لرجل شرقي كطليقي ان لا يحتمل جسدي المريض ..وعجزي المبرر عن تلبية فروضي الزوجية .. فبدأ بالنظر إلي كأنني ( ورقة خاسره ) أو ما شابه وبالتالي حصل الطلاق …بالمقابل اطفالي كانوا اكثر وعيا من أبيهم ،فطفلتي التي لم تتم الرابعة بعد ابتسمت عندما رأتني لأول مرة بدون شعر ،بينما رافقني ابني الاكبر وهو في التاسعة من عمره في جلساتي الكيميائية  …"
 مهنيا لم تختلف حياتها عن السابق ،بل صارت اكثر حيوية ونشاطا خاصة فيما يتعلق بتوعية النساء بسرطان الثدي وضرورة الفحص المبكر ،فكانت  لها مشاركات عدة  في مختلف الدول العربية و العالم  .. استضافتها الكثير من المحطات العربية للحديث عن تجربتها مع السرطان ومحاربتها  لتقاليد المجتمع ،وفي يوم المرأة العالمي اختارتها قناة الحرة ( امرأة العام2011) في استطلاعها الجماهيري .
 تقول أن المرض أكسبها الكثير من الصداقات ووسع جمهورها ،كما قربها من النساء ،ويبدو انها نجحت في تغيير بعض الافكار الشرقية فتقول " صُدمت من بعض الشباب الذين طلبوا مني الزواج رغم انني  مطلقة و اكبرهم بأعوام ، هذا الامر مخيف رغم ما يحمله من بوادر خير ،فالرجل المحاط بمجتمع يعطيه القوه و الحرية في كل شيء صار يبحث عن امرأة ليحمي نفسه بها ،فهو اضعف من مواجهة نفسه.." هذا عدا عن الكثير من الرجال الذين  اعتبروا ميساء مثال يُحتذى به ..حتى صارت المرأة العربية والفلسطينية خاصة وسام فخر على صدر كل رجل عربي.
وظفت تجربتها مع السرطان في كتاباتها التي وصفت بـالجريئة، تخلت فيها عن عذريتها معبرة  عن انوثتها و رغباتها  بكل صراحه ودون أي حرج ،هي انثى على الورق ،ناقده لاذعه ،مثقفه ،شرسه في الدفاع عن المرأة ،قالت " المرأة تفوقت على الرجل .. فليجاورنا  اذن ان لم  يستطيعوا اللحاق بنا ". حاربت  النفاق الاجتماعي و بعض التقاليد البالية ،لتتوالى بعدها الكثير من الدراسات النقدية لنصوصها ،فشهد لها الجميع  بالاختلاف ،فتقول " اؤمن تماما بمقولة (الابداع يولد من رحم المعاناة ) ،فلولا المرض لما تفجرت بداخلي كل هذه الطاقة للكتابة والتغيير ،ولبقيت حياتي رهن رجل لا يعرف من المرأة سوى جسدها ،و مجتمع جاحد  ينكرنا ،باختصار لولا السرطان ما كانت ميساء أبو غنام " .وقفت ميساء أبو غنام شوكة في حلق المرض، وتقاليد مجتمع ذكوري ،فحياتها (خط احمر، يمنع ايقافها )..مستبدلة بذلك  الصورة  النمطية للمرأة الضعيفة بأخرى أكثر قوة و تحدٍ ..تحايلت فيها على المرض والموت في آن ،لتخرج منه انثى بلون الحياة.
 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى