كتب باهر القاضى رفضت معظم القوى السياسية والمنظمات الحقوقية وبعض وزراء الحكومة مشروع قانون التظاهر السلمى ، الذى يقيد الحق
كتب باهر القاضى
رفضت معظم القوى السياسية والمنظمات الحقوقية وبعض وزراء الحكومة مشروع قانون التظاهر السلمى ، الذى يقيد الحق ويصادره بدلاً من أن ينظمه ويحميه ، بدعوى أن هذا القانون ضرورى لمواجهة ومظاهرات الإخوان ، التى تستخدم العنف والسلاح وتمارس كل أشكال الإرهاب ، وهو إدعاء باطل ، لأن المشروع خاص بالتظاهر السلمى وليس خاصاً بمقاومة الإرهاب . ويطبق على كل المصريين وليس الإخوان وحدهم . فلو كان مشروع القانون الذى تستهدف الحكومة سرعة إصداره ، يستهدف تنظيم حق التظاهر السلمى ولا يصادره ، لأقتصر على ثلاث مواد فقط . الأولى خاصة بممارسة الحق بمجرد الإخطار ، والثانية تنظيم العقوبات بما يتناسب مع كل عقوبة وجرم دون تعسف ، والثالثة إلزام الداخلية فى حالة رفضها للمظاهرة أو الاجتماع ، باللجوء للقضاء مع النص فى نفس القانون على إلغاء القانون رقم 10 لسنة 1914 ، والقانون 14 لسنة 1923 ، المؤثمين لحق التظاهر السلمى .
فمشروع القانون المعروض ، يضع الكثير من القيود على حق الاجتماع العام والخاص وتنظيم المراكب ويخلط بين حق التظاهر السلمى ، وحق الاعتصام ، وهما حقان مختلفان لكل منهما قانون ، وبذلك قيد حرية المصريين فى ممارسة كل أشكال التجمع السلمى ، ويستهدف التطبيق على الأحزاب والمجتمع المدنى وأنشطتها . وهى أهم الحقوق التى أنتزعها المصريون بدماء ألاف الضحايا سواء تحت حكم مبارك أو المجلس العسكرى أو الإخوان ، وأنهى كل أشكال الخوف إلى غير رجعة .
كذلك سمح مشروع القانون للأمن بحضور الاجتماعات بدعوى تأمينها ، بل أعطى الحق فى فضها بوسائل عنيفة ، ووضع قيود وعقوبات صارمة وفضفاضة على منظمى المظاهرات السلمية والاجتماعات والندوات ، بينما أطلق لقوات الأمن استخدام القوة المفرطة التى لا تتناسب مع الأفعال التى قد يرتكبها بعض المتظاهرين أو المجتمعين .
هذا بالإضافة لاستحداث مشروع القانون تعريفاً جديداً "الدفاع الشرعى" يتيح استخدام القوة المميتة للقوات للدفاع عن الممتلكات . إن إباحة القتل دفاعاً عن تلك الممتلكات جريمة نكراء لا يمكن تبريرها بقانون . وأفرغ الإخطار من مضمونه بوضع قيود عديدة عليه بمقولات غير منطقية قانوناً ، مثل النظام العام والأمن العام ، وألقى بعبء الطعن قضائياً على من يرغب فى تنظيم المظاهرات أو الندوات . وهكذا أطاح مشروع القانون بحق التجمع السلمى ، وهو حق من حقوق الإنسان ، ولولاه ما كانت ثورة 30 يونيو التى كان هدفها الوحيد :الإطاحة بحكم الإخوان الفاشى ، واستعادة ثورة 25 يناير وأهدافها العظيمة والمحافظة على مؤسسات الدولة من التصدع .
لو كان الهدف بحق مقاومة إرهاب الإخوان والقضاء عليه ، ما سعت الحكومة للمصالحة معهم قبل هزيمتهم ، ولتم تطبيق قانون الطوارئ منذ ثلاثة شهور عليهم ، ولتم تطبيق قانون العقوبات بحسم والتى تنص المادة 86 منه على تجريم الإرهاب وتعريفه وفيه كل ما يكفى وأكثر للقضاء على إرهاب الإخوان بكل أشكاله وملاحقة جرائمهم وإعلان الإخوان منظمة إرهابية .
إن إصرار الحكومة على إصدار قوانين خطيرة فى هذا التوقيت الحساس والحاسم ، قد يؤدى لانقسام جبهة الثورة نفسها وهو الخطر كل الخطر ، الذى قد يؤخر سرعة الانتهاء من الدستور والقوانين المكملة له الخاصة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية . والشروع فوراً فى إقرار وتنفيذ برنامج عاجل حتى الانتهاء من المرحلة الانتقالية : برنامج أمنى وسياسى واقتصادى وثقافى لاستئصال الإخوان وإرهابهم وتحقيق أهداف الثورة فى العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية ، ومن خلال بناء ظهير شعبى ديمقراطى تشارك فيه كل القوى الوطنية والديمقراطية ، لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة .
وأخيراً وليس أخراً نؤكد على أن استعجال بعض قوى تحالف ثورة 30 يونيو لدور بارز قد يمكنهم مثلما مكن الإخوان من السطو على الثورة من جديد ، مستغلين التردد الذى تبديه الحكومة "أحياناً" والناتج عن ترقب المواقف الأمريكية طمعاً فى رضاها ، قبل اتخاذ أى قرار هام . وهو ما قد يؤدى إلى توغل إرهاب الإخوان من ناحية ، ومن ناحية أخرى (هذا هو الأهم) إلى تصدع حلف الثورة ونفاذ الفاشية الإخوانية للمشهد من جديد ، ويساعدها فى ذلك استمرار الدعوة للمصالحة المزعومة والإصرار على إصدار قوانين استثنائية تصادر الحق فى التظاهر والإضراب والتجمع السلمى .