الرأي
كلما نظرت إلى البلدان الأخرى التي شهدت ربيعا عربيا أو حتى غربيا ، وما حدث بها من تطورات على الساحة
كلما نظرت إلى البلدان الأخرى التي شهدت ربيعا عربيا أو حتى غربيا ، وما حدث بها من تطورات على الساحة السياسية ، يعتصر قلبي ألما لما يدور في مصر من أشياء أقل ما توصف به بالمهازل …
ورغم أن كلا من تونس وليبيا كانتا تحت نظامين من أكثر الأنظمة شمولية في التاريخ الحديث حيث لم يكن بهما أي اعتراف بتعدد الأحزاب أو الممارسة السياسية خارج نطاق الحزب الحاكم ، إلا أن هاتين الدولتين ضربتا لنا مثلين رائعين في كيفية ممارسة الديمقراطية على اختلاف ظروف كل منهما …
ثورة الياسمين أطاحت بزين العابدين بن علي الذي حكم تونس لأكثر من عقدين من الزمان ، بينما كان يتمتع أفراد أسرته وأسرة زوجته بوضع خاص مكنهم من امتلاك مقدرات الشعب التونسي ، على مرأى ومسمع من الشعب ودون أن يجرؤ أحد على الاعتراض ، ورغم ذلك تجاوزت التونسيون خلافاتهم وأجروا أول انتخابات ديمقراطية تعددية واقتسمت الأحزاب السلطة فيما بينها دون تشنجات أو اتهامات متبادلة أو تخوين …
ورغم أن الجارة ليبيا لم تسمع طيلة اثنين وأربعين عاما نشرة أخبار واحدة تبث من خارج منظومة اللجان الشعبية للعقيد معمر القذافي ، إلا أنها ضربت هي الأخرى مثالا رائعا للتعايش السياسي … فمنذ أيام انتخب المؤتمر الوطني العام " البرلمان " رئيسا له ذا توجهات إسلامية وهو محمد يوسف المقريف رغم أن حزب الجبهة الوطنية الذي يترأسه فاز فقط بثلاثة مقاعد في الانتخابات من بين 200 مقعد تتكون منها تلك الهيئة التشريعية … فلم يكن مثل الحزب الوطني الذي أصر على أن لا يعلو صوت فوق صوته .. ولم يكن مثل برلمان ما بعد الثورة الذي لم يتردد في اختيار القيادي الإخواني سعد الكتاتني رئيسا له "بالنسبة لمجلس الشعب" وأحمد فهمي "بالنسبة للشورى ".. ولم يفكر في أن يكون رئيس البرلمان من خارج الإخوان .. وبالطبع لو كان الليبراليون هم الاغلبية ، سيختارون ليبراليا ، وهكذا بالنسبة لبقية التيارات ..
مليونيات وحشود – ليس هدفها مصلحة مصر بقدر ما يكون هدفها إظهار التأييد أو الدعم لشخص أو حزب بعينه – مع أن الكل يزعم أن مصر هي همه الأكبر …
أتعجب لذوي الرؤى القصيرة والمحدودة .. هؤلاء الحاصلين على أعلى الشهادات والذين تمرسوا في السياسة لعقود من أن يخرجوا علينا بمواقف تضرب الديمقراطية في عقر دارها .. قالوا إن من يمثلنا لابد من أن يأتي عبر صناديق الانتخابات ، ثم يكونون أول المنقلبين عليها … أتعجب من بعض قيادات الإخوان وحزب الحرية والعدالة الذين يدلون بتصريحات يعلمون تماما أنها سوف تسبب الحرج للرئيس محمد مرسي ، مع أن الأخير حرص طوال الفترة التي أعقبت توليه المنصب وحتى الآن على أن لا يظهر أي هيمنة للإخوان على قرارته .. والتفسير الوحيد للتصريحات التي تخرج بين الحين والآخر من محمد البلتاجي أو عصام العريان أو محمود غزلان وغيرهم هو أنهم عشقوا الظهور على وسائل الإعلام منذ الثورة وهو ما حرموا منه – على عكس توقعاتهم – بعد انتخابات الرئاسة ..
وإذا نظرنا إلى خريطة التحالفات السياسية نجد فيها العجب العجاب ، أعداء الأمس أصدقاء اليوم ، وأصدقاء اليوم " بكرة الصبح" يتبادلون أقذر الشتائم وأنداها للجبين .. حسابات المصلحة تعلو فوق كل شيء ، ولا مانع من اللقاءات المشبوهة وتلفيق المواقف والدخول في تمثيليات معدة سلفا من أجل إحراج الآخرين ، حتى أصبح رجل الشارع فاقدا المصداقية في كل من يعملون بالسياسة تقريبا ، وكثيرا ما نسمع من يتساءل "هو ما فيش حد نضيف في البلد دي؟ " …
ليست هناك خطوط واضحة ترسم ملامح أي تيار سياسي في مصر ، كما انه ليست هناك مبادئ ملزمة لأصحابها تستطيع من خلالها أن تتنبأ بردة فعلهم إزاء القضايا والتطورات المختلفة . لأن الموقف ببساطة سوف يتحدد حسب السعر وقتها ..
تداخلت الاختصاصات ، ومارس الدجال مهنة الطب واشتغل العسكري بالسياسة وترك الجبهة ، ودخل الأئمة البرلمان ، وانشغل المهندسون والأطباء بإصدار الفتاوى "سمك لبن تمر هندي" الكل يسير مع الرائجة…
من المؤلم حقا أن دولة بحجم مصر يحدث بها ما يحدث .. لا برلمان ولا دستور ولا شفافية ولا دراسة للقرارات … حينما نفكر أن نسير إلى الأمام نسير ببطء السلحفاة ، وإذا أدرنا ظهورنا تراجعنا بسرعة الصاروخ .. لنكتشف بعد مرور 20 عاما أن ليبيا وتونس واليمن أصبحت مثلا أعلى في النمو والتقدم والديمقراطية ، ونحن محلك سر ، مالم تقم في مصر ثورة شبابية تطيح بعواجيز الفرح من كل التيارات والتوجهات .. ثورة تصيب وتخطيء إلى ان تصل إلى الأفضل .. ثورة تقضي على الثورة المضادة في مهدها بدلا من أن تظل كالكابوس يقض مضاجعها.. ثورة دون أيدلوجيات ولا انتماءات ولا ولاءات … ثورة ليس لها أطماع ولا تسعى إلى تقسيم الكعكة …