لقد أسفرت نتيجة الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية عن وصول كلاً من الدكتور محمد مرسى والفريق شفيق إلى جولة
لقد أسفرت نتيجة الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية عن وصول كلاً من الدكتور محمد مرسى والفريق شفيق إلى جولة الإعادة، وهو ما يعنى أن الإختيار قد إنحصر بين دولة الجماعة الإخطابوط التى تحاول السيطرة على جميع مفاصل الدولة ومقدراتها، ودولة الإستبداد والظلم التى مازالت – بالفعل- تسيطر على مفاتيح الدولة وأجهزتها . أى أن الشعب المصرى قد أصبح أمام تجربتين يجب عليه أن يراهن على إحداهما، إما النظام القديم بكل مساوءه وقبحه وقمعه وإستبداده، و إما نظاماً جديداً لا يختلف كثيراً فى إنغلاقه وتأخره عن ذلك النظام القديم الذى إندلعت الثورة فى الأساس لكى تتخلص منه !
ولكن ما يدعو هنا إلى التعجب هو عزوف قطاعات عريضة من الشعب عن التصديق بأن تلك الإنتخابات قد تم التلاعب بها و قد تعرضت للعبث بنتائجها مثلما حدث للعديد من الإنتخابات التى سبقتها، والتى تمت فى عصر النظام البائد، على الرغم من إدراكهم لحقيقة ذلك التلاعب وملابساته والأهداف التى تسعى الأطراف التى تقف وراءه للوصول إليها، إلا أن المزاج العام المسيطر على الأجواء حالياً فى مصر يأبى الإقرار بذلك، ويميل إلى التصديق أن تلك الإنتخابات هى الأنزه والأكثر تعبيراً عن إرادة الجماهير منذ عقود طويلة .
والحقيقة هى أن هناك العديد من المبررات التى تقف حائلاً دون إعتراف الجماهير بتلاعب السلطة التنفيذية الحالية ممثلة فى المجلس العسكرى وحكومته واللجنة العليا التابعة له بنتيجة الإنتخابات، تتمثل هذه المبررات فى الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والمعيشية المتلاحقة التى كان على المواطن البسيط أن يواجهها طيلة مدة المرحلة الإنتقالية التى أعقبت الإطاحة بالمخلوع، على الرغم من علم هذا المواطن البسيط وإدراكه الكامل أن غالبية تلك الأزمات التى تعرض لها هى أزمات مفتعلة بالأساس، وأن الجهات التى تقف وراءها هى المجلس العسكرى نفسه والأجهزة المعاونة له !
حتى أن هذه الحالة من " الإنكار العام " قد سيطرت على المتظاهرين فى ميدان التحريراللذين إحتشدوا عقب سماع الحكم على مبارك وأبناءه ووزير داخليته ومساعديه، فقد تم تلخيص الأسباب التى دفعت بهؤلاء المتظاهرين إلى النزول إلى الشارع للتظاهر والإعتصام أيضاً فى عدد كبير من وسائل الإعلام فى إطار الإعتراض على الاحكام الصادرة بحق مبارك ورجاله.. كان ذلك فى بداية الأمر قبل أن تتطور المطالب وتتحول إلى أهداف سياسية كان يجب على هؤلاء المتظاهرين الضغط والتصعيد منذ البداية من أجل تحقيقها، ومن ثم ظهرت الدعوات المنادية بتشكيل مجلس رئاسى مدنى ورفض نتيجة المرحلة الأولى من الإنتخابات .
لقد جاءت هذه المظاهرات لكى تعبر عن الحالة العامة التى تسيطر الأن على وجدان كل مصرى أراد الحرية لهذا البلد وأراد لهذه الثورة أن تنتصر وتحقق أهدافها، ولكنه بدلاً من ذلك فقد وجد نفسه بعد هذا المشوار الطويل من المعاناة والتضحيات وقد إنتهى به الأمر ما بين المطرقة والسندان.. مطرقة الدولة العميقة بحكمها البوليسى ونظامها القائم على شبكة من المصالح تديرها مجموعة من المنتفعين اللذين تتلخص رؤيتهم عن حكم هذه الدولة فى الإعتماد على الموائمات وعقد الصفقات المشبوهة مع أطراف داخلية وخارجية لا تريد لهذا البلد أن يخطو للأمام نحو الحداثة والتقدم.. وسندان الدولة الدينية التى يسيطر عليها مجموعة من رجال الدين اللذين لا يعترفون بالمدنية أو الديمقراطية، ولا يلقون بالاً للمبادىء التى قامت من أجلها الثورة ولا للشهداء اللذين ضحوا بدماءهم وأرواحهم من أجل تحقيقها .
لقد أصبحت الثورة الأن على المحك فى مواجهة طريقين عليها أن تسلك أحدهما :
إما رفض مسار المجلس العسكرى الدستورى والقانونى المشوه بكل تعقيداته ومساوماته والعبث المحيط به، بعد إتضاح الرؤية ونجاح الثوار فى إزاحة الستار عن خيوط المؤامرة، أو المضى قدماً فى ذلك الطريق الذى تقترن نهايته بنهاية الثورة أيضاً، وبنجاح مرشح النظام الساقط ليعلن فشل الثورة – كما أعلنها المتحدث الرسمى لحملته الإنتخابية بمجرد نجاحه فقط فى الوصول إلى جولة الإعادة – وإعادة إنتاج هذا النظام من جديد.. ووقتها لن تجد الثورة من تلومه إلا نفسها !
إذن فعلى الثورة أن تنتهز الفرصة الناجمة عن تلك الغضبة الشعبية التى إجتاحت البلاد مؤخراً فى قلب الطاولة على النظام، والركوب هذه المرة على مخططاته كما يفعلون هم دائماً، كما يجب على الثورة ايضاً أن تعيد إنتاج نفسها من جديد، وأن تتعلم من تجاربها السابقة وأن تستغل الظروف الراهنة للإنقضاض على النظام والقضاء عليه بشكل كامل.. لأن جميع المؤشرات تؤكد أن تلك الفرصة لن تتكرر مرة أخرى، وأن الثورة لن تحظى بمثيلتها فى المستقبل القريب .