الرأي

لم يكن يتخيل أكثر الناس تشائماً ممن شاركوا ولو بقدر ضئيل فى هذه الثورة أنها سوف تتحول بعد أقل

 لم يكن يتخيل أكثر الناس تشائماً ممن شاركوا ولو بقدر ضئيل فى هذه الثورة أنها سوف تتحول بعد أقل من عام ونصف إلى حالة الإرتباك والتخبط التى تعانى منها الأن، والتى – للأسف – لعب الثوار أنفسهم دوراً كبيراً فى وصول قطار الثورة إليها كنتيجة طبيعية للفرقة والتشرذم والتخلى عن فكرة التوحد داخل كيان ثورى واحد أو فى شكل عدة كيانات محدودة لكى تتمكن من إكتساب بعض الثقل النسبى فى مواجهة تيار الإسلام السياسى الذى سيطرت طموحاته الإيدولوجية  والحزبية على كافة تحركاته منذ اليوم الأول من إندلاع الإحتجاجات.. وحتى الأن .

تمثلت هذه الطموحات فى عدد من القرارت غير المحسوبة والتى يأتى فى مقدمتها السعى للإسراع فى إجراء الإنتخابات التشريعية قبل كتابة الدستور فى محاولة منهم للتحايل على المنطق الثورى، التى كانت نتيجتها – بالتبعية – أن تخلى هؤلاء عن الثوار أنفسهم وعن مطالبهم فيما بعد بداعى تمثيلهم للشعب ولأغلبيته مستغلين توغلهم فى المناطق العشوائية فى القاهرة الكبرى وفى نجوع وقرى المحافظات الأخرى، وسيطرتهم النسبية على قطاع واسع من البسطاء والمهمشين عن طريق أكياس الأرز والسكر وأنبوبة البوتاجاز كالمعتاد !

لقد إعتقد القادة داخل جماعة الإخوان المسلمين ومن بيدهم ذمام الأمور لدى التيار السلفى أن مجرد تقديم بعد المتطلبات اليومية البسيطة للمواطن المصرى وسد  بعض من إحتياجاته الأولية كفيل بالحصول على دعمه وتأييده فى أى خطوة أو قرار سياسى قد يتخذه هؤلاء سواء أكان هذا القرار يهدف بالأساس إلى تحقيق المصالح العليا للوطن من إنهاء للحكم العسكرى والبدء فى إجراءات التحول الديمقراطى، أو كان يحمل فى طياته فقط نية الوصول إلى أهداف ضيقة من شأنها أن تحقق بعض المكاسب الوقتية للجماعة ومن ينتمون إليها .

غير أن هذا الإعتقاد قد شابه فشل واضح فى تقدير الموقف من قبل هؤلاء القادة، وتجاهل غير مبرر لدرجة الوعى الثقافى والفكرى التى وصل إليها المواطن العادى نتيجة لحالة الزخم السياسى والإجتماعى التى سيطرت على مقدرات الوطن الكبير الذى يعيش فيه بصفة عامة، وبالتالى أثرت بدورها على إحتياجاته اليومية بطريقة مباشرة على وجه الخصوص، بمعنى أن الناخب الذى إختار أن يدلى بصوته لصالح الإخوان المسلمين لم يقم بذلك بواعز من جهل أو عدم قدرة على إدراك ما سوف ينطوى عليه قراره هذا من نتائج فى المسقبل بقدر ما هو بدافع الحاجة إلى كيس الأرز والسكر والأنبوبة، إلا أنه حينما فرغ كيس الأرز ومعه فرغت الأنبوبة.. إنكشفت الجماعة على حقيقتها بالنسبة إليه .

إذن فنحن نتحدث ببساطة عن نوع من المواطنين الذين لا يطمحون إلى شىء سوى الإستقرار وإستمرار الوضع على ما هو عليه، حتى إذا ما كان هذا الوضع قاسٍ إلى حد ما فى بعض الأحيان.. إلا أنه يظل طوال الوقت الوضع الأفضل بالنسبة إليهم مقارنةً بحالة عدم الإستقرار التى قد تأتى بالأسوأ .

هذا – ببساطة – هو المواطن الذى أعطى صوته للإخوان المسلمين وللسلفيين فى الإنتخابات البرلمانية السابقة، وهو نفس المواطن الذى أبدى سعادة وإرتياحاً كبيرين بمجرد أن أعلن اللواء عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع نيته الترشح للرئاسة، بما يعنى أن المواطن المصرى بات على إستعداد بأن يطرح مرشح الجماعة أرضاً كما أهالت هى التراب على أماله وأحلامه فى التغيير للأفضل مع عدم الإخلال بالإستقرار الذى يبحث عنه دائماً..  حتى لو أدى به الأمر إلى أن يأتى بأحد أهم أعمدة النظام الذى ثار هو ضده فى يوم من الأيام فى سبيل تحقيق ذلك .

إذن، فبالنظر إلى نتيجة الإنتخابات السابقة وجميع إستطلاعات الرأى التى نشرت فى مواضع مختلفة أستطيع أن أجزم أن من نتحدث عنهم الأن قد يمثلون الأغلبية الكاسحة من سكان هذا البلد.. ربما – شخصياً – لم أكن أتمنى أن تكون طريقة التفكير والتعاطى مع الأمور العامة للمصريين بهذا الشكل وأن لا يغلب عليها هذا النوع من " اللاعزوف واللامشاركة " فى أمور مصيرية كتلك التى نمر بها الأن، إلا أننا يجب أن نؤمن بأن هذا هو الواقع الذى سوف يكون علينا أن نتعامل معه لعدة سنوات قادمة يمكن خلالها العمل على تغيير التركيبة الفكرية والسيكولوجية أيضا للمجتمع المصرى .

ولكن.. وحتى حدوث ذلك يتعين على القوى الثورية ومرشحيها أن تستهدف هذه النوعية من المواطنين الذين يمثلون – بالضرورة – النسبة الأكبر من القاعدة الإنتخابية للشعب المصرى فى المقام الأول، عن طريق العمل دائماً على الوصول إليهم مع تغيير لغة الخطاب إلى لغة سلسة خالية من التعقيد حتى يتسنى لهؤلاء البسطاء تفهم البرامج الإنتخابية والرؤى المستقبلية لمرشحى الثورة وإمتصاصها، وبالتالى ترجمتها إلى أصوات إنتخابية  يكون من شأنها أن تدفع الشباب وقوى الثورة إلى تصدر مشهد مابعد الرئاسة، ويكون بذلك قد تحققت أولى خطوات التحول الديمقراطى الصحيح .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى