لم يكن يعلم رجال الشرطة الذين كانوا مسئولين عن حماية مبنى محافظة الإسماعيلية حين رفضوا تسليم المبنى إلى الاحتلال
لم يكن يعلم رجال الشرطة الذين كانوا مسئولين عن حماية مبنى محافظة الإسماعيلية حين رفضوا تسليم المبنى إلى الاحتلال الإنجليزي عام 1952 أن ذلك اليوم وهو الخامس والعشرين من يناير سيكون علامة فارقة في تاريخ مصر بأكملها .. فالدم الذي أريق ليمنح مصر حريتها لم يبدأ نزيفه العام الماضي حينما انتفض المصريون على الظلم ، بل إن دماء خمسين شهيدا ونحو ثمانين جريحا من رجال الشرطة المصرية قبل ستين عاما كان أساس الصرح الذي أكمل عليه شباب مصر عرش مجدهم ..
شباب الثورة اختاروا ذلك اليوم ليذكروا رجال الشرطة أن يوم فرحتهم مثلما كان مثالا لرفض الظلم ، سيظل منبها لهم بأن انتفاضة المصريين مستمرة على من يحاول أن يسلبهم حقهم في الحياة ، ولهذا كان 25 يناير 2011 تاريخا مميزا في حياة مصر .. ولكن ماذا عن 25 يناير 2012 ؟؟ .. هل سيكون يوما تحتفل فيه الشرطة بعيدها ؟؟ أم يحتفل به الثوار بنجاح ثورتهم ؟؟ أم يوما تدخل فيه مصر في منعطف جديد لا يعلم نهايته إلا الله ؟؟ … الإجابة بسيطة جدا ،، لكنها كالخيط المتشابك الأطراف ، إن لم تستطع حله في المهلة المحددة ، خسرت الرهان وعدت إلى نقطة الصفر …
أولى خطوات حل اللغز هى الوقوف على تفاصيله ونقاط غموضه ،، النظام السابق باعتباره الخصم الأول في القضية ، والمجلس العسكري باعتباره الممسك دستوريا بزمام الأمور منذ أن آل إليه الحكم بتنازل الرئيس السابق عن منصبه وصلاحياته له ، الجماعات والقوى السياسية باعتبارها المحرك الأول للثورة ، الشعب المصري بكافة مكوناته باعتباره صاحب الشأن وهو من سيجني الثمار أو يدفع الضريبة في حالة النجاح أو الفشل ، وأخيرا نوع العلاقة التي تربط تلك الأطراف ممزوجة ..
هل انهار فعلا النظام السابق – نظام مبارك – وسقط سقطته على أرض الواقع مثلما سقط من قلوب المصريين منذ سنوات طويلة ؟؟ أم أنه لا يزال الفاعل على الساحة ؟؟ وهل يواجه رموزه القدامى المصير الذي يراه الكثيرون أنه الجزاء العادل لما اقترفته أيديهم ، أم أن محاكمات هؤلاء الرموز هي الفصل الأول من الملهاة التي لا يعلم نهايتها إلا من سطرها ؟؟ ..
وهل أن المجلس العسكري غير طامع في الكرسي كما يؤكد دوما في تصريحاته من أنه سوف يسلم الحكم لسلطة منتخبة في نهاية يونيو المقبل ، أم أن سيناريو ما بعد ثورة يوليو لا يزال يراوده ؟؟ أم أن الظروف تغيرت ، ولن تعطي من يهوى مناه ؟؟
وما اكتسبته القوى السياسية دون تفرقة من مساحة حرية وظهور مباح في الشارع ، هل سيكون كافيا ليبقيهم داخل مقارهم دون الدخول في تفاصيل ما يحدث ؟؟ أم سيكون لهم رأي آخر ، وتحرك أخر ، وحسابات أخرى ؟؟
والشعب المصري ، صاحب الأرض والجمهور ، هل سيظل رافعا سبابته إلى السماء مطالبا بالعدالة الاجتماعية التي يرى البعض أنها لم تتحقق حتى الآن، ولديهم في ذلك من الشواهد ما لديهم ؟؟ أم سيخرج إلى الشوارع احتفالا بتتويج ثورته التي أنهت عامها الأول ؟؟؟
حين سألت بعض البسطاء عن مطلبه حتى يشعر بالرضا تجاه منجزات الثورة ، قال لي ببساطة إنه حينما يخطف لص حقيبتك التي بها كل ما تملك من فتات الدنيا ، فإن كل ما تحتاجه هو أن ترى المسئول عن أمنك وسلامتك يهرول خلف ذلك اللص ويمسك به ليعيد لك حقيبتك ، ثم يأخذه إلى محبسه لينال جزاءه ثم يعود رجل الأمن إلى حيث أتى .. وعندها يمكنك أن تنام قرير البال ، متيقنا من أن اللص لن يعود مرة أخرى طالما أن هناك عين ساهرة عليك ، ترعى شئونك …
ما حدث في الفترة الأخيرة ولا يزال يحدث من إنهاء لكثير من الملفات العالقة ، آخرها سلسلة محاكمات رموز النظام السابق ، قد يمثل إحدى حلقات القصة ليتبعها بعد ذلك الخطوة الأكثر أهمية وهي استرداد الحقيبة وإعادتها إلى أصحابها الأصليين … فهل يمهل الوقت رجل الأمن لذلك ؟؟ وهل الايام المعدودات المتبقية على حلول الذكرى الأولى للثورة كافية لذلك ؟؟ … التجربة تقول أن تلك الفترة وأقل منها كافية ، طالما أنك تمتلك جميع أدواتك من سلطة وقوة وقانون وجمهور متعطش ، ليس للثار، بقدر ما هو متعطش للحياة وللهواء النقي ….
مشهد الاحتفال بأعياد الميلاد ومشاركة عدد كبير من القوى الوطنية والإسلامية للمرة الأولى فيه أعطى دلالة قوية ورسالة واضحة لصانع القرار بأن الصف الداخلي متفاهم ومتلاحم ، وانه يجب تخطي تلك المرحلة بالمضي قدما وإتمام ما بدأ من محاسبة الفاسدين حتى يمكن نزع فتيل أزمة قد تفسد على المصريين فرحتهم بذكرى ثورتهم …
وبعيدا عن تشكيك المشككين وانتقاد المتشائمين ، فإن صدور أحكام رادعة ضد الرئيس السابق ونجليه ووزير الداخليه الأسبق حبيب العادلي ومساعديه الستة من المؤكد أنه سوف يهدأ من روع الكثيرين ويسلب الممانعين حجتهم في المناداة بالاحتكام إلى الشارع مرة أخرى ، حتى وإن تقدم المحكومون فيما بعد بالتماسات بوقف الأحكام الصادرة ضدهم مثلما حدث مع حكم الإعدام الذي صدر ضد رجل الأعمال والقيادي السابق بالحزب الوطني المنحل هشام طلعت مصطفى المتهم بقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم ..
ولكن ماذا لو لم تصدر تلك الأحكام قبل الخامس والعشرين من يناير؟؟؟ كيف ستكون مصر في ذلك اليوم الذي كان من المفترض انه يوم فرح بالانتصار على الظلم ؟؟ الكل يعد العدة ويتحسب للاحتفال على طريقته بثورة يناير ، فحينها سيكون مجلس الشعب عقد أولى جلساته واختار رئيسه ، وحددت القوى السياسية اتجاهاتها وتحالفاتها داخل المجلس … ويكون المجلس العسكري انتهى من أولى مهامه في اتجاه نقل السلطة في انتظار تكرار مع حدث مع المجلس الشورى ثم انتخاب رئيس الجمهورية … ويكون شباب الثورة قد حددوا مطالبهم الجديدة في ظل ما ستأول إليه الأوضاع … ويكون الشعب المصري قد ملأ خزائنه بالسلع الضرورية تحسبا لتدهور الأوضاع – لا قدر الله – ويكون العالم بأسره قد فرغ من مشاهدة أفلام الأكشن ليشاهد وقائع ثورة الغضب ويوم تنحي المخلوع كما ستعرضه الافلام الوثائقية التي ترصد تفاصيل الثورة المصرية ….