أخبار وتقارير

مجلة أمريكية: إيران تهدف بناء إمبراطوريتها بالشرق الأوسط

قال الخبير المختص في منطقة الشرق الأوسط مايكل جيه توتين، في تحليل له نشرته مجلة "ورلد أفيرز جورنال" الأمريكية، إن المعلقين والمحللين السياسيين قضوا الأيام العديدة الماضية، بالحديث حول ما تسمى "الصفقة" النووية التي أبرمت مع إيران، لكن فاتهم إلى حد كبير في غمرة هذا الحديث، إدراك أن هدف الحكومة الإيرانية النهائي، أن تصير القوة المهينة إقليميّاً، وما برنامج الأسلحة النووية الإيراني إلا وسيلة لتحقيق تلك الغاية.

وأعلن وزير الاستخبارات الإيرانية سابقاً ومستشار الرئيس حسن روحاني حاليّاً علي يونسي، الشهر الماضي هذه الحقيقة بوضوح، أثناء مؤتمر عقد في طهران، حيث قال: "كان لإيران منذ نشأتها بُعد عالمي، لقد ولدت إمبراطورية، ولطالما شغل هذا البُعد العالمي فكر قادة إيران ومسؤوليها وأفراد إدارتها".

ورأى الكاتب أن الصفقة النووية في أحسن الأحوال أشبه بترقيع لا بحل، والواقع هو أننا لم نحصل على صفقة بعد بأي حال، وما حصلنا إلا على "إطار" لصفقة قد يتم التوافق عليها في المستقبل وقد لا يتم ذلك، ومن غير الواضح حتى أن واشنطن وطهران توافقان على هذا الإطار، فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، تقول إن إيران وافقت على وقف استخدام أجهزة الطرد المركزي النووية المتقدمة والكف عنه، لكن إيران تقول إن "العمل في أجهزة الطرد المركزي النووية المتقدمة سيستمر على أساس خطة مدتها 10 سنوات".

أكاذيب الحكومة الإيرانية
ووصف الكاتب الحكومة الإيرانية بأنها أكثر سفوراً في كذبها من الحكومة الأمريكية، ولعلها بكلامها هذا تروج للاتفاق على نحو يحفظ ماء وجهها في محاولة لاسترضاء شعبها المنهك، لكن واشنطن لم تكن قط، ولن تكون أبداً، فوق مستوى الدعاية السياسية لأغراض العلاقات العامة، ومن الجائز تماماً، بل وحتى من الراجح، بحسب الكاتب، أن كل جانب يرى، بصدق، النتائج التي أسفرت عنها المفاوضات من منظور مختلف تماماً عن الآخر.

قوة خبيثة
وأوضح الكاتب أن معظم الكلام الفخم بين أولئك المعلقين والمحللين السياسيين سابق لأوانه بعض الشيء، لكن ثمة شيئاً واحداً على الأقل ينبغي أن يكون واضحاً، وهو أن الحكومة الإيرانية قوة خبيثة، وستظل كذلك في المنطقة، بغض النظر عن أي اتفاقية، وحتى مع إبرام صفقة جيدة، فإن فوز إيران بتخفيف العقوبات والنمو الاقتصادي مقابل التنازل عن التوسيع السريع لبرنامجها للأسلحة النووية سيكون، على الأقل، صفقة متعادلة المكاسب والخسائر في أعين إيران.

وأشار الكاتب إلى أن هناك كثيرون في واشنطن فيما يبدو لا تزعجهم طموحات إيران النهائية ولا تعنيهم إلا الأسلحة النووية الإيرانية، حيث صرح الرئيس أوباما، أثناء حوار أجرته معه الإذاعة العامة الوطنية الأمريكية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قائلاً إن إبرام صفقة نووية يمكنه كسر عزلة إيران وتمكين البلد من أن يصير – بنص كلامه – "قوة إقليمية ناجحة".

ومع ذك فإيران هي بالفعل قوة إقليمية ناجحة، وقد ظلت قوة إقليمية، على فترات متقطعة، منذ أن كانت الإمبراطورية الفارسية تحكم معظم العالم القديم، وكانت منذ آلاف السنين أكثر تطوراً على الصعيدين الثقافي والسياسي من معظم منطقة الشرق الأوسط. وما الحقبة الحالية، التي بدأت في عام 1979 بوصول نظام آية الله الخميني الديني الثوري إلى سدة الحكم، إلا مرحلة عصيبة، هي مجرد ومضة عابرة، في كل ذلك التاريخ الطويل، برأي الكاتب.

واستدرك مايكل توتين بقوله: "لكننا لم نتجاوز بعد هذه الومضة، وسرعان ما سيختفي عن هذا المشهد المرشد الأعلى الطاعن في السنة، وربما يقوم مجلس أوصياء الدستور وقوات حرس الثورة الإسلامية في نهاية المطاف بإصلاح نفسيهما على نحو تحويليّ، وذلك مثلما فعل الحزبان الشيوعيان الفييتنامي والصيني من قبلهما، أو ربما يتعرضان للإطاحة مثلما أطيحت دول أوروبا الشرقية التابعة للاتحاد السوفيتي في عام 1989، لكننا لم نصل إلى تلك النقطة بعد. ويمكن أن تصير إيران في نهاية المطاف قوة من قوى الخير شريطة أن تقوم حكومة جديدة بكبح جماح وكلائها الإرهابيين في لبنان وغزة والعراق وغيرها من الأماكن أو تفكيكها، لكننا في الوقت الراهن نجد النظام الإيراني الحاكم يعكف على إسقاط قوته بشكل عدوانيّ فيما وراء حدوده داخل حدود العالم العربي، وبطرق ضارّة بالكلية، للغرب والعرب على حد سواء".

تفكك دول المنطقة 
وقال الكاتب: "وسّع منظور رؤيتك وانظر إلى سائر المنطقة. لقد تفككت دولة شرق أوسطية تلو أخرى، وصارت إلى رقع انفصالية تسيطر عليها جماعات مسلحة متنافسة، وها هي العراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن كلها، كما قال الباحث والمحلل جوناثان سباير، تعيش في زمن الميليشيات التي يزاول كثير منها نشاطاً إضافيّاً كتنظيمات إرهابية دولية".

دعم إيران للميليشيات
ولفت الكاتب إلى دعم إيران لفصائل مسلحة في 4 من أصل 5 من تلك البلدان، حيث تدعم حزب الله في لبنان وسوريا، والميليشيات الشيعية المنفلتة في العراق، والمتمردين الحوثيين في اليمن، والسبب الوحيد الذي يجعلنا لا نرى أثراً لإيران في ليبيا هو أن ليبيا لا تضم طائفة شيعية موالية لإيران كي تلقي إيران بثقلها وقوتها من ورائها.

وأوضح الكاتب أن مشروع طهران الأنجح من كل ما سواه، وبفاصل كبير، حتى الآن هو حزب الله، الذي ما فتئ يهيمن على لبنان منذ عقود ويعكف على توسيع نطاق عملياته بشكل أعمق في سوريا، وأحرق وكلاء طهران العراقيون لتوهم بلدة تكريت، مسقط رأس صدام حسين، ونهبوها، ويحث عملاؤها الحوثيون في اليمن الخطى في طريقهم نحو فتح مدينة عدن، وهي إحدى كبريات المدن في البلدان، بعد أن فرضوا سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء منذ بضعة أشهر.

يقول توتين: "يمكن أن يجادل المرء بأن النفوذ الإيراني ليس سلبيّاً بالكلية، بما أن وكلاءها يقاتلون تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق، لكن داعش ما كانت لتكتسب قوة كبيرة هناك في المقام الأول لولا الممارسات المدمرة الفاسدة التي مارسها الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وكلاهما تابع لإيران، علاوة على ذلك فإن أكبر دولة راعية للإرهاب الدولي في العالم هي آخر بلد على الأرض ينبغي أن نطمع أن يكون حائط صد بيننا وبين التنظيمات الإرهابية الدولية".

ورأى الكاتب أن قدرة إيران على زعزعة الشرق الأوسط لا تضاهيها قوة أي دولة أخرى في المنطقة، لكن لن يكون بمقدور البلد أن يغزو المنطقة بأسرها ويحكمها حتى لو امتلك الأسلحة النووية، غير أن بمقدوره أن يشعل فتيل التفتت والفوضى والإرهاب والحرب، وسوف يواصل فعل ذلك سواء وقّعت حكومته على اتفاقية مع الولايات المتحدة أم لم توقع، إن أية صفقة تسمح لإيران بأن تزداد قوة من خلال تخفيف العقوبات دون أن تتصدى لأي شيء مما سبق يقيناً ستجعل، للأسف، الشرق الأوسط مكاناً أسوأ مما هو عليه الآن بالفعل.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى