أخبار وتقارير
ناشونال إنترست: الاحتواء.. استراتيجية دول الخليج في حرب اليمن

أعلن الائتلاف الدولي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وينفّذ عمليات عسكرية في اليمن في أواخر الشهر الماضي عن إنهائه المرحلة الأولى من حملته التي استمرت قرابة شهر في ذلك البلد.
وعلى الرغم من إخفاق الائتلاف في تحقيق هدفه المعلن، وهو إعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليّاً إلى السلطة، إلا أنه يؤكد تحقيقه أهدافه الأولية بقضائه على تهديد انتقال التداعيات إلى جيران اليمن.
إنجاز المهمة
وربما يبدو هذا الخطاب الذي يتحدث عن "إنجاز المهمة" مثالاً على القيام بتغيير قواعد اللعبة لتحقيق النجاح، لكن إلقاء نظرة دقيقة على الحملة الأولية يكشف عن أن طموحاتها ظلت دائماً مقصورة على احتواء الصراع داخل حدود اليمن، حسبما أفاد المحللان في البحوث بمؤسسة "من أجل الدفاع عن الديمقراطيات" باتريك ميغاهان وأورين أداكي، في تحليل مشترك نشرته مجلة "ناشونال إنترست" عبر موقعها على الإنترنت.
وفقاً للمحللين، عندما أُجبر الرئيس عبد ربه منصور هادي على الفرار من مدينة عدن الاستراتيجية التي تحتوي على ميناء، كان واضحاً أن القوات الموالية له لن تقدر على وقف هجوم المتمردين الذين يجتاحون البلد طولاً وعرضاً.
وكان الحوثيون، الذين تحالفوا مع القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، استولوا على العاصمة صنعاء في سبتمبر (أيلول)، وكانوا يعززون قبضتهم بسرعة على معظم المناطق المركزية في اليمن.
ومع تدهور الحكومة في صنعاء، انقلب الموالون لصالح داخل القوات المسلحة اليمنية المعروفة بانقسامها على هادي، فسلّموا المتمردين زمام السيطرة على العديد المفاصل الحيوية في البلاد.
تهديدات أمنية
وباستيلاء المتمردين على صنعاء استولوا أيضاً على العديد من المنشآت العسكرية داخل العاصمة ومن حولها، والتي كانت تحتوي على مخزون الصواريخ الباليستية "سكود بي" و"توشكا"، وإذا ما وُجّهت هاتان المنظومتان بشكل صحيح فهما قادرتان على الوصول إلى عمق الأراضي السعودية أو الجهة الأخرى من مضيق باب المندب حيث توجد القاعدة الأمريكية الفرنسية المشتركة في جيبوتي.
وأشار متحدث رسمي باسم الائتلاف، إلى أن الموالين لصالح يملكون أسلحة كيماوية، وهذه الأسلحة يمكن تركيبها على صواريخ باليستية، على الرغم من قلة الأدلة على وجود مثل هذه الأسلحة، وفقاً للتحليل.
كما استولت قوات المتمردين أيضاً على الطائرات الحربية المتمركزة في مطار صنعاء الدولي، التي جعلت للقوات الحكومية من قبل اليد العليا في صراعها مع الحوثيين، وكذلك في مواجهة عصيان منفصل ما زال مستمراً تتزعمه القاعدة في جزيرة العرب.
واستخدمت قوات المتمردين هذه الطائرات في استهداف هادي في عدن، فأجبرته على التراجع.
وعلى الرغم من احتمال أن تكون القوات الجوية الموالية لصالح هي التي نفذت الضربات ضد هادي، تشير التقارير الإعلامية السعودية أيضاً إلى قيام إيران بتدريب بعض الطيارين الحوثيين.
ونظراً لعدم وجود ما يعترض سبيل طائرات المتمردين، فإنها تمتعت بميزة استراتيجية كبيرة على قوات هادي، لكنها تمتعت أيضاً بالقدرة على تهديد جيران اليمن.
ولم يسبق قط أن امتلك اليمن قوات جوية كبيرة أو متقدمة جدّاً، لكن ما لديه من مقاتلات "ميغ 29" قليلة قادر على حمل تشكيلة من الأسلحة من ضمنها الصواريخ الموجهة "كيه إتش 29" و"كيه إتش 31" (ورّدتها روسيا على ما يبدو منذ أكثر من عقد من الزمان)، وكان يمكن استخدام هذه الصواريخ في ضرب السفن المارة في المياه الإقليمية اليمنية وبالقرب منها.
تركيز الحلفاء على إضعاف المتمردين
ركزت حملة القصف التي ينفذّها الائتلاف على إضعاف هذه الميزة بإغلاق المجال الجوي اليمني وضرب العديد من القواعد الجوية ومواقع الصواريخ الباليستية التي يسيطر عليها المتمردون، وبعد مرور أول 4 أيام على بدء الضربات الجوية ضد قواعد المتمردين، قال أحد الضباط السعوديين أن المتمردين "لم تعد بحوزتهم أية طائرات ولم يعدوا يملكون إمكانيات للقيادة والسيطرة داخل قواعدهم الجوية أو خارجها"، غير أنه يبدو، بعد مرور أسابيع على القصف الجوي العنيف، أن بعض مخزونات الصواريخ الباليستية نجت من الموجات الأولية من الضربات الجوية، ومن ضمن هذه المخزونات منشأة لصواريخ سكود تقع على مشارف صنعاء ضُربت في 21 أبريل (نيسان)، مما تسبب في انفجار هائل أسفر عن مقتل 25 شخصاً وإصابة مئات آخرين.
غير أن الصواريخ الباليستية والمقاتلات اليمنية لم تكن مثار القلق الوحيد للائتلاف، فبحلول الوقت الذي بدأ فيه التدخل العسكري، كان المتمردون الحوثيون والموالون لصالح تقدموا بالفعل لمسافة بعيدة صوب الجنوب، شاقين طريقهم إلى عدن، وأثناء هذا الزحف قامت القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية بإخلاء مواقعها في قاعدة العند الجوية بالقرب من المدينة، مما ألغى نقطة خارجية غربية حيوية مستخدمة في المعركة الدائرة ضد القاعدة في جزيرة العرب.
القاعدة تدخل على الخط
وكما لو كانت القاعدة في جزيرة العرب تنتظر هذه الإشارة، شن التنظيم بعد ذلك بأسبوع غارة ناجحة داخل مدينة المكلا التي تحتوي على ميناء حيث أطلق سراح 300 نزيل من السجن، كما تشير التقارير أيضاً إلى استيلاء الجماعة على معبر حدودي مع المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من ذلك لم يرد الائتلاف قطّ على المكاسب التي حققتها القاعدة في جزيرة العرب، في حين نفذت الولايات المتحدة ضربتين جويتين بطائرات من دون طيار، أسفرت أولاهما عن مقتل الزعيم الروحي للجماعة، وبدلاً من إرسال قوات برية يمكنها أن تدحر تقدم المتمردين وتستأصل عصيان القاعدة في جزيرة العرب، كرّس الائتلاف، بمساعدة أمريكية، جزءاً كبيراً من مجهوداته لقطع المساعدات الإيرانية عن الحوثيين وتأمين مضيق باب المندب الاستراتيجي الواقع قبالة الساحل الجنوبي الغربي لليمن.
ووفقاً لمسؤولين في جيبوتي المجاورة، كان الحوثيون وصلوا إلى المضيق بحلول أوائل أبريل (نيسان) وبدأوا يوجهون الصواريخ والمدفعية ويتخذون مواقع للزوارق المسلحة الصغيرة فوق جزيرة ميّون التي تقع في أضيق نقطة من المضيق وتشرف على رابع أكثر المضائق ازدحاماً بسفن النفط والوقود في العالم.
ووفقاً لمصدر سعودي، كان هناك "فنيون عسكريون أجانب" يقدمون الدعم للحوثيين في جزيرة ميون، مما أثار مخاوف من احتمال استخدام إيران للجزيرة كنقطة عسكرية متقدمة أو لإمداد المتمردين بصواريخ أرضية مضادة للسفن قامت طهران من قبل بتزويد جماعات مسلحة إقليمية أخرى بها.
قصف سعودي مصري بحري
وردّاً على ذلك قامت طائرات التحالف بقصف مواقع الحوثيين فوق ميون فيما قصفت القوات البحرية السعودية والمصرية الجزيرة من البحر، كما أرسلت الولايات المتحدة وفرنسا أيضاً سفناً تابعة لهما، من ضمنها كاسحات ألغام، للحفاظ على حرية المرور في الطريق البحري الحيوي.
ووفقاً للمصدر السعودي نفسه، تم إنزال أفراد من القوات الخاصة السعودية فوق جزيرة ميون في 3 أبريل (نيسان)، وتمكنت حتى الآن من القضاء على التهديد الحوثي والإيراني للمضيق.
ولفت التحليل إلى أن الجهود الإيرانية الرامية إلى تسليح الحوثيين من خلال الموانئ الواقعة شمال وجنوب ساحل اليمن على البحر الأحمر موثَّقة جيداً. ففي 20 مارس (آذار)، على سبيل المثال، رست سفينة إيرانية في ميناء الصليف الواقع تحت سيطرة الحوثيين، حيث أشارت التقارير إلى تفريغها أكثر من 180 طنّاً من الأسلحة والذخائر.
وشملت الشحنات الأخرى أنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف من نوع "كيو دبليو ون إم"، التي ربما استخدمها المتمردون في إسقاط طائرة يمنية واحدة على الأقل في عام 2011.
وفي خضم التقارير التي تحدثت عن أسطول إيراني كان في طريقه إلى اليمن منذ أسبوعين، أمرت الولايات المتحدة حاملة الطائرات يو إس إس تيودور روزفلت بالإبحار والتمركز في خليج عدن، لردع السفن عن الرسو في الموانئ اليمنية.
وعلى الرغم من ذلك، يرى التحليل أنه يظل بإمكان إيران تزويد حلفائها في اليمن بمزيد من الأسلحة المتطورة من قبيل الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ بعيدة المدى، كما يمكنها أيضاً أن تحاول إقامة قاعدة دائمة في البلد لقوات حرس الثورة الإسلامية.
وأي واحد من هذين السيناريوهين سيزيد على الفور التهديد الذي يواجه الدولة السنية في المنطقة والسفن المارة في المياه الإقليمية اليمنية أو بالقرب منها.
لكن إذا احتفظ التحالف، بمساعدة الولايات المتحدة، بسيطرته على المياه الإقليمية والمجال الجوي من حول اليمن، سيكون من الأسهل احتواء هذه التهديدات، والراجح، وفقاً للتحليل، أن التحذير الذي جاء مؤخراً على لسان ناطق رسمي باسم الائتلاف، من أن الائتلاف سيواصل استهداف الحوثيين كلما اعتبر ذلك ضروريّاً، هو تلميح إلى أن أي شحنات من الأسلحة الثقيلة أو المعونات الإيرانية أخطأها التحالف ما زالت تمثل هدفاً مشروعاً.
الائتلاف ينجح في تحييد التهديدات
جادل نقاد هذه الحملة أن المتمردين ما زالوا يحتفظون بسيطرتهم على معظم البلاد، ولم يحقق القصف إلا قليلاً باستثناء إشعال فتيل أزمة إنسانية صاعدة، ومع ذلك فقد نجح الائتلاف في تحييد التهديدات التي كان يمكنها، لولا ذلك، أن تدفع الصراع إلى ما وراء حدود اليمن، إن تحقيق هدف الائتلاف المعلن المتمثل في استعادة حكومة هادي كان سيتطلب غزواً بريّاً واسع النطاق، وكان سيكون على حساب المزيد من تأجيج الانقسامات السياسية في اليمن وفي عموم المنطقة، وبدلاً من ذلك فربما يكون التحالف، بتقويضه المزايا العسكرية للمتمردين وقطعه الدعم الخارجي عنهم، أوجد ظروفاً أفضل للتفاوض حول حل سياسي، بحسب ما أفاد التحليل.


