أخبار وتقارير
هل من أوجه تشابه بين الحالة العراقية في ملفها الكردي والحالة الإسبانية في ملفها الكاتالوني؟ يحيل الاستفتاء الانفصالي على
هل من أوجه تشابه بين الحالة العراقية في ملفها الكردي والحالة الإسبانية في ملفها الكاتالوني؟ يحيل الاستفتاء الانفصالي على نقطتين هامتين. أولا أن الأمر مرتبط في عمقه بعلاقة الدولة الحديثة بالثقافات المحلية التي تتشكل منها. ثم ثانيا أن سياق الدولة العراقية ومعها المشكل الكردي تختلف عن السياق الإسباني ومشكل كاتالونيا.
يتمثل الإشكال الأساسي في العلاقة بين الدولة كوحدة لها ثقافتها العليا المبنية على الهوية الترابية واتفاق الأفراد على الانتماء إليها وبين الثقافات المحلية التي تصبح في بعض الأحيان منافسة لها. منطق الدولة يقضي بأنها تنظيم له الأولوية على التنظيمات الأخرى داخل تلك الهوية الترابية. إن ظاهرة الحدود والدولة الوطنية ظاهرة جديدة في التاريخ البشري ولم تستقر إلا بعد الحرب العالمية الثانية. خلال هذا المسار السريع ظهرت دول وانقسمت أخرى أو اختفت وذلك في كل أنحاء العالم وليس في المنطقة العربية فقط. والملاحظ في هذه السيرورة أنها تخضع إلى ما يمكن تسميته بالاعتباطية التاريخية. فاستقرار مسار تشكل الدولة يتوقف على مدى قوة الحكم المركزي وعلى مدى توفر الموارد وعلى مدى النجاح في خلق توافق مجتمعي حول الهوية الترابية يقزم الطموحات المحلية. أما خارجيا فيعد الاعتراف الرسمي بالدولة شرطا ضروريا لبقائها.
من ناحية ثانية، تكشف حالتي العراق وإسبانيا عن سياقين مختلفين تاريخيا واجتماعيا. ففي الحالة العراقية يعود تحوّل الثقافة المحلية الكردية إلى مطلبية سياسية بالاستقلال بالأساس إلى طبيعة الدولة العراقية وليس إلى وهم مشاريع خارجية. فهذه الدولة لم تتمكن طوال استقلالها من تجاوز مخلفات السياق الاستعماري الذي رسم حدودا اعتباطية كما أنها لم تتمكن من صهر البنى التقليدية في بوتقة البناء الوطني العراقي. لذلك بقيت التعبيرات المحلية مثل الطائفة والمجموعة الإثنية قوية وتستغل ضعف السلطة المركزية.
أما في الحالة الاسبانية فتعود حيوية الثقافة المحلية الكاتالونية سياسيا إلى إرث تاريخي، من ناحية، وإلى عودة الانغلاق الثقافي في السنوات الأخيرة بسبب التشكيك في البناء الأوروبي من ناحية ثانية وذلك تحت تأثير مخلفات الأزمة المالية من 2008 . قد نضيف إلى ذلك تبعات زيادة التطرف والخطر الإرهابي وما أفرزه من تشكيك في قدرة الدولة على الدفاع عن الخصوصية الثقافية المحلية أما تهديد الإسلام الحركي.
هما سياقان مختلفان بالطبع ولكن ربما ينتظرهما نفس المصير بحكم عدم استعداد المجتمع الدولي للاعتراف بمشاريع الاستقلال هذه نظرا لما يمكن أن تفتحه من أبواب عدم الاستقرار في كل أنحاء العالم.
نقلا عن مونت كارلو