سياحة
هناك قول مأثور في تركيا يقول إن "التركي ليس له صديق إلا التركي"، وفي
هناك قول مأثور في تركيا يقول إن "التركي ليس له صديق إلا التركي"، وفي الوقت الذي تتجه فيه تركيا نحو العزلة تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن هذا المثل يتردد صداه فعلا بصورة مثيرة للقلق.
خلال توليه منصب رئيس الوزراء على مدى 11 عاما، برزت تركيا بقوة على الساحة الدولية، فقد بدأت مفاوضات من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي، وزادت بقوة من وجودها الدبلوماسي خاصة في أفريقيا، وتستضيف أكبر مدنها اسطنبول حاليا واحدا من أكبر المطارات في العالم وبها شركة طيران تسير رحلات لأكبر عدد من الدول مقارنة بغيرها.
لكن خلال الأشهر الماضية، ربما عامين أو ما يقرب من ذلك، حدث تطور سيء على صعيد علاقات تركيا. لا يزال قادة سياسيون دوليون يزورون تركيا لفترات وجيزة، وستستقبل أنقرة هذا الأسبوع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن للاجتماع بالمسؤولين الأتراك، لكن تركيا اليوم تفتقد بشكل واضح لأصدقائها.
حينما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي على اختيار الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، كانت تركيا تعتقد بكل ثقة أنها ستحصل على مقعد. لكن، الأمر المخجل، هي أنها خسرت هذا المقعد لصالح أسبانيا ونيوزيلندا، وهي صفعة في وجه أردوغان، الذي انتخب رئيسا في أغسطس الماضي.
لقد بدأ الأمر "بالربيع العربي"، حيث لجأت تركيا إلى الرهان الخاسر من خلال دعمها لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وراهنت أيضا على الإطاحة السريعة بالرئيس السوري بشار الأسد.
والآن لا يوجد لها سفير في القاهرة، وندد أردوغان نظيره المصري عبد الفتاح السيسي ووصفه بأنه "طاغية غير منتخب".
انزلقت تركيا بصورة لا يمكن الفرار منها إلى الكابوس السوري، وواجهت انتقادات حادة بسبب سماحها للمتشددين الأجانب بعبور حدودها، وضعفت علاقاتها مع العراق وإيران والسعودية.
وأصبحت شراكتها الاستراتيجية السابقة مع إسرائيل في حالة يرثى لها، وسحبت أنقرة سفيرها في تل أبيب، ووصف أردوغان القصف الإسرائيلي لقطاع غزة بأنه "إبادة جماعية…تذكر بالهولوكوست".
لكن الآن حتى علاقاتها مع حلفائها القدامي مثل الولايات المتحدة قد تراجعت.
وحينما أنشات واشنطن تحالفا دوليا لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، استبعدت تركيا من هذا التحالف، ورفضت السماح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها هناك لتوجيه ضربات مالم تستهدف أيضا الرئيس الأسد ودعمت فرض منطقة لحظر الطيران فوق سوريا.
وبعد مرور ساعات قليلة من تحذير أردوغان الرئيس الأمريكي باراك أوباما الشهر الماضي بالامتناع عن تسليح المقاتلين الأكراد في سوريا، ألقت الولايات المتحدة أسلحة عن طريق الجو، وبالكاد لا توجد إشارة أوضح على الخلاف بين الجانبين.
"نجاح منقطع النظير"
وقال سنان اولجن من مؤسسة "اي تام" البحثية إن "هناك إدراك لدى الحكومة بمدى الأرضية التي خسرتها (تركيا)، لكن أنقرة تبرر ذلك بزعمها أن سبب عزلة تركيا هي أنها الدولة الوحيدة التي تتمتع بجرأة كافية لتبني سياسة خارجية أخلاقية راقية تستند إلى القيم".
وأضاف "هذه الحجة يطرحها (أيضا) الناخبون المؤيدون لأردوغان، وبالنسبة له هذا هو الأهم".
هذا في النهاية هو الذي يقود تحركات رجب طيب أردوغان، فنجاحه منقطع النظير في الانتخابات منحه قناعة راسخة تماما بأن سياساته هي السياسات المناسبة.
احتجاجات الشوارع الحاشدة التي انطلقت في يونيو/حزيران عام 2013 على خلفية خطة للبناء في حديقة "غيزي" في اسطنبول لم تغير من مسار أردوغان، وبينما دعت شخصيات بارزة حوله إلى الحوار، وصف أردوغان المتظاهرين بأنهم مجموعة من "الغوغاء".
ونجا أيضا من تسريب مسيء لصورته مكالمات هاتفية خاصة قبل عام ورطته هو وحلفاء مقربين منه في مزاعم بالفساد.
"تراجع النفوذ"
ورد أردوغان على التسريبات بالتنديد "بمحاولة انقلاب"، واقال الآلاف من القضاة والشرطة وسعى لحظر وسائل إعلام اجتماعية، ووطد علاقاته معتمدا على حلفاء مخلصين.
وقال سنان اولجن إن "الاحتجاجات في غيزي وما تلاها من رد فعل (لأردوغان) على مزاعم الفساد تزامنت مع تحول وجهة النظر العالمية إزاء أردوغان".
واعتبر أن "عزلة تركيا تمثل مشكلة بالنسبة لها، لكن أيضا للغرب، إذا أراد الغرب تحقيق أهدافه الأمنية في المنطقة، فإنه على الأرجح لن يكون له شريك أفضل من تركيا".
لكنه أضاف بأنه "مع تراجع نفوذ تركيا، سيكون الغرب مقيدا، ويؤمن أردوغان بأن الشرعية الديمقراطية هي صندوق الانتخاب، (لكن) آخرين يتوقعون أكثر من ذلك من الديمقراطية التركية، حرية الصحافة واستقلال القضاء وسيادة القانون".