«وثائق أكتوبر» تكشف عبقرية العسكرية المصرية
كشفت القوات المسلحة المصرية ولأول مرة عن وثائق نادرة عن الفترة بين عامي 1967 و1973، حيث نكسة يونيو، وما تلاها من سنوات الإعداد لحرب أكتوبر، التي خاضتها بالتنسيق مع الجبهة السورية ضد إسرائيل، وقادت في النهاية إلى تحرير شبه جزيرة سيناء.
الوثائق التي نشرتها وزارة الدفاع عبر موقعها الإلكتروني، تحت عنوان «وثائق حرب أكتوبر 1973 أسرار الحرب»، كشفت بعضاً من جوانب حرب يونيو 1967، مروراً بالتخطيط الاستراتيجى العسكرى للفترة التى تلتها، بالإضافة إلى بعض تفاصيل «إدارة حرب 1973 بمراحلها حتى وقف إطلاق النار»، بما شمل كيفية تصفية «الثغرة» ممثلة فى الخطة «شامل وشامل المعدلة»، إضافة لاتفاقات فض الاشتباك، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وكذلك بعض مذكرات قادة الحرب بخط اليد، ودور الإعلام والهيئات الدولية والإقليمية.
◄ تصفية ثغرة الدفرسوار بالخطة «شامل» لفض الاشتباك
◄ الخطة «جرانيت» استهدفت تدمير تجمع العدو بسيناء
◄ الإعلام العسكرى لعب دوراً هاماً فى الإعداد والتخطيط للحرب
جاء كشف الوثائق النادرة، بعد نحو أربعة أشهر من احتفال القوات المسلحة بمرور 50 عاماً على نصر أكتوبر، وفى الجزء الخاص بحرب 1967، كشفت الوثائق عن «الحراك السياسي» ما بعد مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار فى 8 أغسطس 1970 وحتى السادس من أكتوبر 1973، حيث أظهرت سجلات محادثات تليفونية، تناولت تفاصيل عن نشاط العدو خلال تلك الفترة.
وكان الجزء الأكبر من الوثائق حول حرب أكتوبر وخططها وسنوات الإعداد لها، والتخطيط الاستراتيجى للحرب حيث وصل إلى أعلى درجات الفكر العسكرى العالمى، حيث شمل التوجيه السياسى العسكرى للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وإعداد فكر الاستخدام للقوات المسلحة، وقرار القائد العام وإعداد خطط العمليات والخطط التكميلية وتنظيم التعاون الاستراتيجى والإشراف والمراجعة والتخطيط بما يؤكد قدرة القوات المسلحة على تنفيذ المهام المخططة.
كما تضمنت تلك الوثائق، استخدام القوات المسلحة فكرة العملية «جرانيت» حيث تهدف العملية إلى هزيمة وتدمير تجمع العدو الإسرائيلى فى سيناء على مرحلتين، إضافة إلى الاستيلاء على مناطق ذات أهمية استراتيجية، مع تهيئة أنسب الظروف العسكرية والسياسية لاستكمال هزيمة العدو وتحرير الأراضى المحتلة.
ومن ضمن الوثائق التى أفرجت عنها القوات المسلحة، بعضًا مما تم خلال تلك الفترة ما يتعلق بالعملية «جرانيت 2» المعدلة بمنطقة البحر الأحمر وقد جاءت إحدى الوثائق المؤرخة فى 13 أغسطس 1973 الصادرة من فرع عمليات قيادة البحر الأحمر للبحرية، وهى عبارة عن أمر مهمة تهدف إلى إعادة التمركز بميناء عدن، وأوضحت الوثيقة أن العدو له بعض الوحدات بالبحر الأحمر يتمركز بعضها فى شرم الشيخ، كما يستخدم ناقلات تجارية لنقل البترول والبضائع بالبحر الأحمر، ويقوم العدو بنشاط سطح جو من آن لآخر بمنطقة سفاجا وبرنيس وجاء توجيه باشتراك الوحدتين الفاتح والظافر فى تنفيذ المهمة، واشتملت الوثيقة على عدد من التعليمات، كما نصت على التزام من مجموعة بتعليمات الإشارة بالإضافة إلى تعليمات القيادة والسيطرة.
◄ الخطة سلامة
كما استعرضت الوثائق الخطة «سلامة» وهى خطة الخداع الاستراتيجى التعبوى للعملية الهجومية «جرانيت 2» المعدلة، والتى دخلت حيز التنفيذ فى أول اجتماع بالقيادة العامة للقوات المسلحة في كوبري القبة يوم 15 أبريل 1973.
ونصت الوثيقة على تنفيذ العملية العسكرية «جرانيت 2» المعدلة، مع وضع خطة للخداع الاستراتيجى على مستوى الدولة تنظمها أعلى قيادة سياسية عسكرية، واعتمدت على توجيه الأجهزة السياسية والإعلامية لتوحيد وتركيز جهدها لتضليل العدو عن حقيقة النوايا الهجومية، كما يجب أن يقتنع المنفذون للخطة كل فى اختصاصه، بأن الإجراءات التى يتخذونها هى إجراءات حقيقية وليست خداعية حتى يمكن تحقيق الهدف من الخطة.
كما تستهدف الخطة العمل على توصيل رسائل للعدو بأن قواتنا المسلحة تواصل استكمال استعداداتها الدفاعية «الخطة 2000» وأن هجوم القوات المسلحة المصرية سيكون بعد فترة تجهيزية طويلة وبتوقيتات تخالف التوقيتات الحقيقية.
◄ الحراك السياسي
وشملت الوثائق التى تحمل عنوان «سرى للغاية» جدول أعمال الخداع الاستراتيجى والتعبوى المقترح لتحرير الأراضى المحتلة فى كل من جبهتى مصر وسوريا، ونصت الوثيقة على إجراءات الخداع منها الخداع الاستراتيجى وذلك عن طريق تنشيط التحرك السياسى والدبلوماسى لترجيح الحلول السلمية عن طريق استمرار الاتصالات الدبلوماسية المكثفة مع الدول الشرقية والغربية ودول عدم الانحياز، بغرض تأكيد وجهة النظر العربية بشأن التسوية السلمية مع استمرار التظاهر بالمرونة والرغبة فى التوصل إلى حلول سلمية شاملة أو جزئية.
◄ مؤتمر التلقين
ومن ضمن الوثائق المفرج عنها أجندة «مؤتمر التلقين» التى انعقدت فى هيئة عمليات القوات المسلحة يوم الأربعاء 2مايو 1973، والتى كان الغرض الرئيسى منها هو توضيح مطالب وزارة الحربية من وزارتى الإعلام والخارجية بخصوص أعمال الخداع الاستراتيجى اللازم للمعركة القادمة، وشملت أجندة المؤتمر نقاط التلقين بشكل عام على مستويات الخداع الاستراتيجى وتم تقسيمها إلى عدة مستويات، منها الخداع الاستراتيجى بواسطة القيادة السياسية العليا للدول بالاشتراك مع القيادة العامة للقوات المسلحة، بحيث يتماشى مع الأهداف العليا للدولة، وكذلك الخداع التعبوى والتكتيكى بواسطة القيادة العامة للقوات المسلحة لكى تحقق هدف الخطة بخداع العدو.
◄ عبور القناة
كما نشرت مجموعة من الوثائق عن الحرب التى تضمنت، الضربة الجوية والتمهيد النيرانى وعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف، وإسقاط واستسلام مواقع إسرائيلية من خط بارليف (بورتوفيق – القنطرة)، كذلك تكوين رؤوس الكبارى وصد الهجمات المضادة للعدو، إضافة إلى تطوير الهجوم شرقاً وتداعياته، عبر رصد الدعم العاجل إلى مطار العريش، عبور الاحتياطات التعبوية المدرعة إلى شرق القناة، وحتى تطــويـر الهجوم شرقاً.
◄ الثغرة
وشملت بعض الوثائق الأوامر والخرائط لكيفية تصفية ثغرة الدفرسوار ممثلة فى الخطة «شامل»، وشامل المعدلة، إضافة لفض الاشتباك، وانسحاب القوات الإسرائيلية، كانت القوات الإسرائيلية قد استطاعت الدفع بتشكيلات مدرعة بين الجيشين الثانى والثالث المصريين، وعبور القناة باتجاه الغرب فى 16 أكتوبر 1973، مستغلة تحريك قوات مصرية لتطوير الهجوم فى سيناء، ودارت معارك ضارية بين الجيشين على حدود مدينة السويس، وفشلت القوات الإسرائيلية فى دخول مدينة الإسماعيلية، واستمرت الاشتباكات حتى وقف إطلاق النار فى 24 من الشهر نفسه امتثالاً لقرار من مجلس الأمن.
◄ الدعم العربي
وفى إحدى الوثائق التى حملت عنوان سرى للغاية وهى وثيقة لهيئة عمليات القوات المسلحة التى بها عدد الدول العربية التى شاركت قواتها وجنودها فى المعركة، لكن بعد بدء الحرب بعدة أيام، وتنوعت المشاركة بين مركبات ودبابات وطائرات وأفراد مشاه، ومنها دولة الجزائر التي شاركت بعدد كبير من القطع العسكرية جاءت بالتتابع خلال مراحل الحرب، ووصل عدد المركبات المرسلة من الجزائر إلى 538 مركبة منها 130 دبابة «T50» الروسية الصنع، بالإضافة إلى 2873 فرداً مقاتلاً، وصلوا إلى السلوم يوم 16 أكتوبر، كما أرسلت الجزائر سرب طائرات «ميج 21» منها 11 طائرة وصلت يوم 8 أكتوبر، بالإضافة إلى سرب «ميج 17» وصل يوم 15 أكتوبر وسرب سوخوى وصل يوم 17 أكتوبر، كما أرسلت المملكة المغربية 2500 فرد مقاتل بمعداتهم كاملة، وكانوا على جاهزية للمشاركة يوم 17 أكتوبر، وأرسلت تونس ألف مقاتل، كما أرسلت ليبيا 39 دبابة «T50» ووصل نصفها إلى الجبهة مباشرة فى الأيام الأولى للحرب، والباقى وصل يوم 16 بالإضافة إلى إرسال أسلحة وذخائر متنوعة، كما أرسلت المملكة العربية السعودية 9 طائرات «هيل» وصل 8 منها مطار ألماظة يوم 16 أكتوبر، وأرسلت العراق سرب طائرات «هنتر»، وكذلك الكويت أرسلت طائرات «هنتر» للعراق والتى أرسلتها بدورها إلى القاهرة، أما دولة السودان فقد أرسلت لواء مشاه، وصل إلى وادى حلفا على الحدود مع مصر يوم 11 أكتوبر.
فيما نشرت إحدى الوثائق خطابا من مدير المخابرات الحربية جاء فيه أن سفير مصر لدى المغرب تم استدعاؤه من ملك المغرب مساء يوم الثامن من أكتوبر، وطلب منه إخطار الرئيس السادات بان المغرب لابد أن يشارك مع مصر فى معركة المصير، وأنه اختار 2500 فرد بمعداتهم وهم على أتم استعداد للنقل، ويرى أن يتم نقلهم صباح اليوم التالى بطائرات مغربية وجزائرية، التى تم الحصول عليها بالفعل ويلح فى أن يوافق الرئيس السادات على قبولهم فوراً وهذه القوة فى رأيه لازمة فى الوقت الحاضر لأنها يمكن أن تحل محل القوات المصرية التى دخلت سيناء أو أن تدخل أيضًا إلى سيناء.
◄ الإعلام ودوره في الحرب
فى الجزء الخاص بالإعلام العسكرى خلال حرب أكتوبر، ذكرت إحدى الوثائق أن الإعلام المصرى عامة والعسكرى خاصة لعب دوراً مهماً فى مجال الإعداد والتخطيط لحرب أكتوبر1973 ليختلف تماماً عن الوضع الذى كان عليه ذلك الإعلام خلال حرب يونيو 1967، حيث خرج الإعلام المصرى إلى نطاق التأثير الإقليمى والدولى وتوجه نشاطه لكشف النوايا الإسرائيلية.
◄ التغلب على الصعاب
ويقول اللواء دكتور سمير فرج مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق: إن نشر وثائق حرب أكتوبر وطرحها الآن، يعد إجابة حقيقية لكل من يسأل ماذا قدم أبناء القوات المسلحة فى الحرب، وكيف واجهوا وتغلبوا على كل الصعاب والتحديات، وبالتالى طرح هذه الوثائق هو لصالح مصر وأبنائها، مضيفا أن نوعية الأسلحة والمعدات التى شاركت فى الحرب تم تغييرها بنسبة 9٠٪، فقد كان سلاح الحرب من روسيا، أما اليوم فالأسلحة متنوعة ومن دول مختلفة على رأسها أمريكا وفرنسا.
وأضاف فرج أن القوات المسلحة اجتمعت فى يوليو الماضى وتم اتخاذ قرار بتكوين لجنة مراجعة وثائق حرب أكتوبر 1973 فى أغسطس الماضى، وفى هذه الفترة راجعنا آلاف الوثائق والخرائط وسجل سير الحوادث، وكان مكتوبا فيه كل حركة بدقة فمثلا فتحنا مركز العمليات الساعة كذا وهناك رسائل مشفرة وخرائط مثل غلق باب المندب.
وأضاف أنه تم تقسيم العملية ففى الفترة الأولى بدأنا حرب الاستنزاف، والتى ظلت 6 سنوات وكانت فترة مهمة لمصر، والمشير طنطاوى قال: «حرب الاستنزاف هى التى علمتنا الحرب وكانت بروفة لحرب 1973»، وكانت بداية الحرب وتحطيم خط بارليف وخطة المآذن العليا منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وأول خطة لعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف والتى تم تطويرها إلى الخطة جرانيت فى عهد الرئيس السادات التى هاجمنا بها يوم 6 أكتوبر.
إضافة إلى خطة إعداد الدولة للحرب مثل المطارات وقواعد الصواريخ، ثم حائط الصواريخ والفضل فيها للمشير محمد على فهمى، الذى تعهد بها، وخروج التقرير يوضح لأبناء الشعب المصرى ماذا قدم الأبطال فى حرب 1973 أما الجزء الثانى من الحرب هو انتصار 6 أكتوبر ثم وقف إطلاق النار، مشيراً إلى مرحلة إعداد وبناء القوات المسلحة بعد حرب 1967 وتنظيم القوات المسلحة من جديد، ثم نزلت تعليمات التنظيم للجيش الثانى والجيش الثالث.
◄ زيادة الوعي
من جانبه قال الخبير اللواء محمد الغباشى أمين مركز آفاق للدراسات الاستراتيجية، إن الكشف عن الوثائق له أهمية كبرى ودلالات عدة يأتى على رأسها زيادة الوعى ورفع الروح المعنوية لدى كافة أبناء الشعب المصرى، وهى رسالة طمأنة للداخل وتحذير للخارج، خاصة الأجيال الجديدة ليكونوا على دراية تامة بحجم هذا الإنجاز الأشبه بالإعجاز والذى أبهر العالم أجمع وغير من استراتيجية التفكير العسكرى، وأنه قادر على حماية أرضه وعرضه على كافة الاتجاهات الاستراتيجية.
أكد أن الوثائق تناولت أسلحة القوات المسلحة آنذاك ودورها العظيم بكافة أفرعها فى حرب أكتوبر، مشيرًا إلى تطويرها وتنويع مصادرها خلال السنوات الأخيرة وتحديدًا بداية من ٢٠١٤ حيث تم إمداد القوات المسلحة بأحدث الأسلحة والتقنيات فى العالم، الأمر الذى ساهم فى حماية مصالحها وتأمين أمنها القومى على كافة الاتجاهات الاستراتيجية، وهو ما يمثل إضافة إلى قوة الجيش المصري والدولة المصرية.
كما تطرق اللواء الغباشى إلى خطة الخداع الاستراتيجى وتجهيز قوى الدولة الشاملة وكيف قامت بها جميع أجهزة الدولة، بداية من الشعب وتهيئته للحرب مروراً باستعدادات الوزارات من التموين والبترول لتأمين المخزون الاستراتيجى، وكذلك دور وزارات الخارجية والرى والإعلام والصحة والأوقاف وغيرهم من الوزارات الحيوية التى شاركت فى هذه الحرب.