قبل أن يسارع البعض باتهامي بأنني اتخذ موقفا متحاملا على المجلس العسكري أو من يديرون دفة الأمور في مصر ،
قبل أن يسارع البعض باتهامي بأنني اتخذ موقفا متحاملا على المجلس العسكري أو من يديرون دفة الأمور في مصر ، أود أن أبين أمرا واحدا ، وهو أن فجيعة ما حدث في بورسعيد وما أعقبها من أحداث أمام وزارة الداخلية وفي السويس والأسكندرية وغيرها من مدن ومحافظات مصر هو صفعة على جبين كل مصري عسكريا كان أم مدنيا ، أمر كارثي يطعن في إنسانيتنا من الأساس ..
ولكن دعونا ننظر إلى الأمور بشيء أقرب إلى الواقعية ، بعيدا حتى عن ما دار في مجلس الشعب في جلسته الطارئة وما شهدته من صفعات متتالية للمؤسسة الأمنية ، وبعيدا عن استغلال الحركات السياسية للموقف لتحقق منه مكاسب على حساب دماء الأبرياء … ما حدث لم يكن بمحض الصدفة ، بل سهرت أعين كثيرة وأنفس مريضة تخطط وترسم الخطوات لمنفذيها ، وبحرفية تامة امتزجت فيها القسوة مع الخبرة ، خرج المشهد بتلك الصورة المروعة ، أكثر من سبعين قتيلا ومئات المصابين معظمهم من أعمار تعلو قليلا أو تقل عن العشرين …. وتبعها أعمال عنف هزت أركان الكنانة .. البعض يقول إنه من تداعيات قرار المجلس العسكري إبقاء حالة الطواري ضد أعمال البلطجة وهو ما قال عنه البعض أنه حجة لتطبيق الطواريء على مخالفي النظام .. والبعض الآخر قال إنه جاء نتيجة قرب صدور احكام قضائية من المرجح أنها سوف تدين أقطاب النظاك السابق ، والبعض الآخر يرى أن الشباب المتهور هو الذي يتحمل العبأ الأكير من المسئولية ، فهم الذين استفزوا جماهير بورسعيد وهم الذين أصروا على اقتحام وزارة الداخلية .. ولكن أيا كانت التفسيرات والتأويلات هناك سؤال واحد يتبادر إلى الذهن في مثل تلك الظروف ، وهو من نفذ ذلك المخطط ؟؟ ليس على المواطن المصري البسيط أن يضرب أخماس في أسداس أو أن يشغل حاسته السادسة ويخمن ويظل يخمن طول حياته يا ترى من هو اللهو الخفي الذي يعيث في الأرض فسادا دون رقيب أو حسيب؟؟؟
من يملك الإجابة هو نفسه من يملك الأدوات ، هو من يملك ثروات البلاد ويتحكم في توزيعها ، هو من يملك الثواب لمن مشىي في ركبه والعقاب لكل من خالفه ، هو من يعمل تحت إمرته جيش جرار من المخبرين السريين وجهاز الأمن الوطني وأجهزة الاستخبارات ، وما لديها من لجان الكترونية ولجان خاصة بمراقبة ورصد المكالمات الهاتفية ، من يملك الإجابة هو المجلس العسكري – إذا كان لديه معلومات فعلا عن مرتكبي تلك المجازر – ولكن لماذ التعتيم والتشويش والدخول في مسائل جانبية وأزمات مفتعلة … ولكن لماذا لا ينطق المجلس العسكري بالجواب ؟؟ هل أن ما لديه من معلومات لا تكفي لإدانة الجناة ومموليهم والمتسترين عليهم ؟؟ أم أنه قد يكون متورطا عن السكوت والتغاضي عن عشرات الحوادث الفردية التي حدثت في وقت واحد ؟؟ جهزة أ
أم أن هناك أشياء تمس أعضاءه شخصيا وأن الحديث عن مدبري أحداث بورسعيد وغيرها قد يجرهم إلى ما لا يحمد عقباه ؟؟ كلها استنتاجات من المؤكد أنها ستزيد بل ستتضاعف إن لم يخرج علينا من يطفيء نارا اشتعلت ولابد من الوقوف في وجهها ..
وإذا افترضنا جدلا أن الكشف عن المتآمرين على مصر سوق يلحق الضرر ببعض من القيادات الحاكمة .. فمن قال أن السكوت عنها سيرحم الباقين من محاكمات الشعب التي حتما ستقام مهما طال تأجيلها ؟؟ وإذا تأزمت الأوضاع أكثر من ذلك ، من يمكن أن يتحكم في وجهة غضب الشارع إذا كانوا قد فشلوا في السيطرة على مجموعات صغيرة من الشباب في الشوارع المحيطة بوزارة الداخلية ، وأن ما يزيد الوضع سوءا أن الإحباط واليأس بدأ يصل إلى الطبقات البسيطة أو ما يطلق عليه الأغلبية الصامتة في ظل ما يرونه من عدم تحقيق أي من أهداف الثورة وأن الوساطة والرشاوى لا تزال هي الأساس وأن العدالة الاجتماعية لم تنزل إلى أرض الواقع بعد ، وحل محلها العدالة البطيئة التي تمشي بسرعة السلحفاة ….
ومع تردي الوضع الاقتصادي بسبب ضعف الانتاجية وكثرة الاعتصامات وتوقف السياحة وزيادة النفقات الحكومية تبدأ المشكلة في التفاقم ، فمن أين بتلك الأموال غير الاستدانة من الخارج أو الرجوع إلى الاحتياطي النقدي الذي بدأ يهتز بدوره .. حتما سيبدأ المواطن العادي في الشعور بتداعيات الكارثة التي ستنعكس عليه في عدم توافر السلع الضرورية وارتفاع الأسعار وعدم كفاية موارده .. ووقتها سيبدأ زحف الغاضبين الذي لن يفرق بين ما هو وطني وما هو مندس ، وتبدأ حرب طبقية لن تبقي ولن تذر ، وأول من سيذهب فيها هم جامعو الثروة ومكنزوها وأصحاب المناصب والمقامات الرفيعة .. فلم الانتظار حتى وقوع الكارثة ؟؟ فليعلنها المجلس العسكري على الملأ .. وليبدأ بتطهير مؤسسات الدولة وحاكمة المتورطين محاكمة علنية تشفي غليل المكلومين من ذوي الشهداء والضحايا .. إذا كان يريد بتلك البلاد خيرا ….