ميلندا جيتس تتحدث إلى نساء حوامل في مالاوي عن مواضيع تتعلق بولادة وتنشئة أطفال أصحاء في إطار حملة للعناية الصحية ترعاها مؤسسة بيل وميلندا الخيرية، حيث تجلس ميلندا جيتس بهدوء، وتبدو منشغلة، وتجري اتصالاً مباشراً بالعين حين تتحدث – ليس من النوع الخارق الذي يفضله معظم التنفيذيين في عالم التكنولوجيا الذي تنحدر منه، وإنما من النوع المهتم، والحميم تقريباً. وفي مكتبها في الطابق السادس في مؤسسة بيل أند ميلندا جيتس، تصف جيتس حياة العمل في محاربة الفقر في العالم النامي، تقابلها حياة منزلية كمليارديرة في مدينة سياتل في ولاية واشنطن الأمريكية. وترتدي جيتس جاكيتاً مميزاً بلون الخردل، ويغطي أعلى عينيها ظل عيون ذهبي غباري يتناسب مع الجاكيت، والسبب هو أنها كانت تتحدث أمام 100 أكاديمي في وقت مبكر من الصباح. وفي العادة، بالكاد تضع أية مساحيق تجميل.
تعتبر جيتس أغنى امرأة في العالم بشكل مثير للجدل. وبامتلاكه صافي ثروة بقيمة 53 مليار دولار، تم تصنيف زوجها، بيل جيتس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت، بالمرتبة الثانية على قائمة فوربس لأغنى الأشخاص هذا العالم، خلف كارلوس سليم من المكسيك. ومما لا شك فيه أنهما يعيشان براحة تامة في منزل تبلغ قيمته 125 مليون دولار في سياتل. ولكن جيتس لا تتجول في شتى الأرجاء خلال حفلات العشاء المجتمعية بفساتين فاخرة، ومجوهرات براقة.
بعد أن أمضت عدة أسابيع وهي تجلس على أرضيات ترابية في أكواخ متداعية، وتتحدث إلى أمهات في مالاوي، وإثيوبيا، والهند، حيث طلبت إحداهن من جيتس أن تأخذ اثنين من أبنائها معها إلى سياتل، تشعر جيتس بالامتنان لوجود مياه نظيفة تخرج من الدوش. وتقول: 'أنت تعود إلى المنزل من بعض هذه البلدان، وترى كيف أن الوضع مختلف تماماً. لمجرد أنك تقود سيارة على الطريق، وتدير المدفأة تحت مقعدك... يبدو هذا أكثر من كافٍ، بل أكثر من كافٍ للغاية'.
تتحدث جيتس عن ثروتها كما لو أنها شعار يتعين عليها أن تحمله. وفي واقع الأمر، اتخذت وزوجها القرار الجريء بالتخلي عن 90 في المائة من أموالهما، وإضافة إلى وارن بوفية، دعوا ثلاثتهم أصحاب المليارات الآخرين إلى التبرع بنحو 50 في المائة من ثرواتهم لقضايا الأعمال الخيرية. ولكن جيتس لن تكون مقتنعة بتحرير شيك ضخم لمساعدة الفقراء، ثم التمتع بأسلوب حياة فاخر. وتقول: 'إنني أهب حياتي لهذا الأمر'.
منذ أن ذهبت برفقة زوجها إلى رحلة سفاري في إفريقيا في أوائل تسعينيات القرن الماضي، للاحتفال بخطوبتهما، انتبهت جيتس بشكل وثيق إلى عدم المساواة في شتى أرجاء العالم بين الطبقات، والجنسين. وأثناء المرور بالسيارة عبر ما يعرف اليوم بجمهورية الكونغو الديمقراطية، حسبما تتذكر، تقول إنها 'بدأت برؤية الأشياء، يا إلهي، الأشخاص الوحيدون الذين يرتدون أحذية هم الرجال. ولماذا تحمل المرأة طفلاً في بطنها، وآخر على ظهرها، وتحمل كذلك حملاً كبيراً من الموز؟ وتبدأ شخصياً بطرح مثل هذه الأسئلة'.
نشأت جيتس في عائلة كاثوليكية من الطبقة الوسطى في ولاية تكساس. ودرست علوم الكمبيوتر في جامعة ديوك، وحصلت على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة ذاتها. وانضمت بعد ذلك إلى العمل لدى شركة مايكروسوفت، حيث عملت مدة تسعة أعوام على منتجات مختلفة، من بابليشر، إلى إكسبيديا، والتقت ببيل جيتس، حيث كان قد مضى عقدان من الزمن على وجوده في منصب الرئيس التنفيذي. وبعد أن تزوجا، تركت الشركة لتبدأ في تكوين عائلة. ولديهما ثلاثة أبناء – فتاتان، وصبي بينهما – في سن 15، و12، وتسعة أعوام.
قام الإثنان بتأسيس المؤسسة في العام ذاته الذي تزوجا خلاله، عام 1994، واستثمرا منذ ذلك الحين أكثر من 26 مليار دولار في محاربة الأمراض المعدية، وتأسيس بنى تحتية اقتصادية في العالم النامي، وفي تحسين التعليم في الولايات المتحدة. وفي هذا العام، اكتشفت المؤسسة لقاحاً ضد الملاريا تصل فعاليته إلى 30 في المائة، وتهدف المؤسسة إلى أن يكون فعالاً بالكامل بحلول عام 2025.
