حالة غريبة تلك التي نعيشها في مصر بعد عام على الثورة، والحالة ووفقا لتقديري ليست عشوائية.. فمنذ أن تنحى مبارك
حالة غريبة تلك التي نعيشها في مصر بعد عام على الثورة، والحالة ووفقا لتقديري ليست عشوائية.. فمنذ أن تنحى مبارك عن الحكم والإصرار عجيب على الحفاظ على نظامه أو إعادة صياغته في شكل جديد، هذا الإصرار ساهم فيه الكثيرون.. ساهم فيه من يدعون أنهم أغلبية صامتة ودعاة استقرار "زائف" ومحاربي التغيير من باب "يا سيدي إللي نعرفه أحسن من إللي ما نعرفوش"، وأصحاب المصالح ممن كانو ينتفعون من نظام مبارك وأسلوبه في قيادة الأمور، وأبنائه المغرر بهم من أنصار "احنا آسفين يا ريس"، وعبدة السلطان ماسحي الجوخ ممن جبلوا على النفاق ومحال أن يحيوا بدون رب يعبدوه في الأرض فيعيشوا تحت ظل من يقول لهم "أنا ربكم الأعلى".. هؤلاء هم من أطلقوا على أنفسهم أو أطلق عليهم "حزب الكنبة" أو الأغلبية الصامتة… وهم بما هم عليه سكوتهم رحمة وجلوسهم على كنبهم فضيلة ولا يُنتظر منهم دفع مسيرة أو قيادة تنمية..
الطرف الآخر، هو لاعب أساسي ضمن مشهد ما بعد الثورة، إنه المجلس العسكري.. "حامي الثورة ومبددها في نفس الوقت"، حما ظهرها في حين وعراها في أحيان.. فمنذ اللحظة التي أعلن فيها العسكري تبنيه للثورة ولمطالبها راح ينكل بعناصرها أيما تنكيل واستخدم أجهزة الأمن القمعية في شن حرب بلا هوادة على كل القوى المعارضة، تخطف وتعذب وتعتقل وتتهم بالعمالة وتنتهك حرمات وتكشف عن عذرية وتشتت القوى السياسية وتضربها ببعضها ويرتكبون ما شاءوا من جرائم ولا يحاسبهم أحد..
وبحسابات الورقة والقلم، يتبين لنا أن المجلس العسكري يعمل جاهدا على إحباط الثورة "التي لم يعترف بها قط" ويحافظ بنفس القوة على أركان دولة ظلت فاسدة طيلة ثلاثين عاما مضت.. وإلا فسينهار آخر عمود في الدولة ما يجعل انهيار الدولة ذاتها أمرا حتميا.. أو كما يقول دعاة الاستقرار..
فعلى المستوى السياسي، حقق العسكري بعضا مما وعد به مبارك في أحد خطاباته الأخيرة من تعديلات دستورية وحل لمجلسي الشعب والشورى، الفارق أن مبارك لو أكمل مدته الرئاسية وأوفى بوعوده وترك السلطة في موعده لكان حقق ما حققه العسكري وربما أكثر في ستة أشهر فقط
واقتصاديا تظل حالة الفلتان الأمني وفوران الشارع الذي لم يجد بعد من يهدئه لأن مطالبه لم تتحقق بعد.. هي أسباب مباشرة لتعطل "عجلة" الإنتاج التي لم تكن تتحرك أصلا من قبل.. اللهم إلا ببعض الأرقام الوهمية والمؤشرات الخيالية التي لم يشعر بها المواطن البسيط يوما ما..
وأمنيا أظهرت الانتخابات الأخيرة أن مفتاح الأمن بيد المجلس العسكري والشرطة، فبضغطة زر تنفلت الأمور وتنتشر البلطجية في الشوارع، وبضغطة أخرى على نفس الزر تستقيم الأمور وتؤمن الانتخابات ويلقى القبض على البلطجية من هنا وهناك..
السؤال إذن.. ما الذي يريده العسكري من وراء كل هذا؟ والإجابة على هذا التساؤل تتطلب شفافية وصراحة مع النفس.. فالأحداث الأخيرة التي شهدها ميدان التحرير وشوارعه المحيطة تؤكد أن سوء النية لدى أولي الأمر متوفرة، وأن العزم منعقد على إفشال الثورة للحفاظ على مكاسب تحققت للعسكر منذ ستين عاما، وأن الفساد الذي كنا نعتقده هينا اتضح أنه ينخر في عظامنا حتى النخاع وأن هناك أناس (وهم مراكز قوى) تعيش فسادا وتتنفس فسادا..
والحل إذن.. رغم صعوبته على نفسي، إلا أنني أفضل الصدق على العيش في الأوهام، الحل في أن يعود مبارك لسلطانه ولتهنأ به حاشيته التي ستموت حتما من فراقه عنهم رغم أنه يملأ الدنيا بصوره وأخباره.. يعود مبارك وتعود معه مخططات التوريث والتعامل مع مصر الدولة والتاريخ كوسية أو أبعدية، يعود مبارك ويعود معه الفساد فالناس ملت العيش بدون فساد واستوحشته وتهدد بالانتحار حرقا والقيام بثورة للمطالبة بعودة الفساد، يعود مبارك الإلاه ليعبده مريدوه ويقدسوه ويسبحون بحمده.. فقد ضلوا الطريق بفراقه ويحتاجونه ليعيدهم إلى الهداية من جديد..
أرجوكم أعيدوا مبارك وحافظوا على قوام الدولة حتى ولو كان قواما فاسدا.. ولنحيا جميعا حياة الفاسدين تحت راية واحدة (راية الفرعون)، فلا "ثورة مستمرة" ولا "احنا آسفين يا ريس"