ظل مصطلح الألتراس مرتبطًا في أذهان المواطنين بشغب الملاعب والتعصب الكروي المنظم، حيث لكل فريق طائفة من المشجعين يلازمونه في
ذهبت السكرة.. وجاءت الفكرة..
مباراة كرة قدم تتحول لمجزرة من أبشع مجازر التاريخ الرياضي -إن لم تكن أبشعها على الإطلاق- ويروح ضحيتها شباب طالما رفعوا علم مصر وهتفوا باسمها في المحافل والميادين.. فرحمة الله على من مات غيلة وغدرًا ونسأل الله لأهلهم الصبر والسلوان.
شباب الألتراس
الألتراس اسم تردد كثيرًا في السنوات الأخيرة حيث زاد الاهتمام بكرة القدم من قبل النظام السابق كنوع من التخدير المتعمد لعقول الشعب المصري وترتيبًا لأولويات ذهنية تشغله عن الفساد المنهجي ومسلسل التوريث الذي أحبطته ثورة 25يناير المجيدة.
(ألتراس Ultras) هي كلمة لاتينية تعني الشيء الفائق أو الزائد، وهي فئة من مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها، بدأت في البرازيل عام 1940 ثم انتقلت الظاهرة إلى أوروبا ومنها للعالم كله.
وظل مصطلح الألتراس مرتبطًا في أذهان المواطنين بشغب الملاعب والتعصب الكروي المنظم، حيث لكل فريق طائفة من المشجعين يلازمونه في كل مبارياته يرفعون أعلامه ويهتفون باسمه وضد الفريق الآخر، مع الغناء المتواصل وعدم الجلوس طوال المباراة كنوع من الشحن المعنوي لأفراد الفريق.
ظلت ممارسات الألتراس لها دور كبير في الملاعب لدوره في دعم فريقه الرياضي، ولاقت استهجان شديد للممارسات السلبية التي اقترنت بهذا الدعم من السباب بالألفاظ النابية والإشارات البذيئة واللافتات التي تحمل الكراهية والسخرية من الفريق المقابل، واستخدام الشماريخ والألعاب النارية.
ومما زاد من الممارسات السلبية لأفراد الألتراس سلوك اللاعبين أنفسهم مع الحكام وجماهير الفريق المنافس والاشتباك بالأيدي في أحيان كثيرة رفضًا لقرارات التحكيم أو احتجاجًا على تصرف معين من قبل الفريق المنافس، مما ينتقل بدوره للمشجعين حمية وتعصبًا للاعبيهم، فتحدث المشاجرات والمشاحنات وتبادل الهتافات والشتائم اللاذعة، وتكسير المدرجات كنوع من الاحتجاج العنيف.
وتتفاوت درجة التطرف في التعصب بين مجموعات الألتراس، وكلما كبر حجم الفريق وتباعدت طرق التواصل بينه وبين ألتراس الفرق المتنافسة وزادت حدة المنافسات التاريخية كلما زادت درجة التعصب، وفي الحالة المصرية ظلت العداوة التاريخية بين جماهير النادي الأهلي (ألتراس أهلاوي-ألتراس ديفلز) من جهة، وجماهير المصري البورسعيدي (ألتراس جرين إيجلز) وجماهير الإسماعيلي (ألتراس يللو دراجون) من جهة أخرى.
وبرغم المنافسة التاريخية بين قطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك، إلا أن المنافسة بينهما لم تصل لدرجة التطرف التي بين جمهوري الأهلي و(المصري-الإسماعيلي) بزعم أن النادي الأهلي لم يستقبل لاعبي محافظات القناة في فترة التهجير في أعقاب نكسة 1967!
فئة غير مسيسة
ارتباط الألتراس بالرياضة جعلهم فئة غير مسيسة بطبيعتها، فلم تكن لدى الألتراس في مصر كتنظيم غير رسمي مشكلة سياسية مع النظام السابق كما لغيرهم وذلك لانشغالهم الدائم بقضايا الكرة وصراعات الرياضيين، إلى جانب ما كان يقدمه النظام السابق من دعم سخي للاعبي الكرة -خاصة من جمال وعلاء مبارك- أدى لولاء الكثيرين منهم لمبارك ونظامه وخروج عدد منهم في مظاهرات التأييد له أمام مسجد مصطفى محمود قبل التنحي.
وبرغم دعم بعض أفراد الألتراس للثورة كمواطنين مخلصين لبلادهم إلا أن هذا الدعم ظل فرديًا خارج منظومة الألتراس، ومحكومًا بأخلاق الميدان التي كانت تمنع التظاهرات والهتافات الفئوية أيًا كانت.
الاستقطاب
إلا أن هناك من لاحظ حماسة الألتراس واندفاعهم الشديد وتعصبهم وميل أغلبهم للعنف اللفظي والجسدي أحيانًا، فقرر استقطابهم لخدمة قضيته مع خصومه، لاسيما وهناك كثير من الأطراف ترغب في المشاركة في أي عمل ثوري بعد نجاح الثورة في الإطاحة برأس النظام لإثبات وجودهم في المنظومة السياسية الجديدة، فكان الألتراس أحد هذه الأطراف باختلاف انتماءاته الرياضية.
استقطاب فئة غير مهتمة بالعمل السياسي وليس لها دراية كافية بآلياته، كان ذلك هو الجريمة الأبشع التي ارتكبتها النخبة المصرية بعد الثورة، فكان استدعاء الألتراس في المليونيات لتأييد مواقف معينة أو لمهاجمة تيارات معينة.
شباب حديث السن، مندفع، متعصب لما يؤمن به، سليط اللسان في أغلبه، عنيد ويصعب تغيير قناعاته بسهولة، كان هذا هو المطلوب لاستغلاله سياسيًا لمهاجمة بعض التيارات وبخاصة وقت الانتخابات كما شاهدنا أمام بعض اللجان الانتخابية، أو بالمشاركة في إشعال الموقف في محمد محمود واستفزاز العسكر والشرطة بمساهمة كبيرة من المشردين وأطفال الشوارع.
من المدرج للمذبحة
وجدت القوى المعادية للثورة الفرصة سانحة أمامها لإحداث الفوضى بإشعال النار في النقاط الملتهبة في مصر: شباب الثورة المتحمس والمندفع – الخاسرون في الانتخابات البرلمانية – وجماهير الكرة المتعصبون.
يكفي إشعال عود ثقاب صغير وسيشتعل الموقف بالكامل في مباراة لكرة القدم بين الأهلي والمصري البورسعيدي المعروفان بالعداء التاريخي بينهما الذي تخطى كرة القدم إلى الطائفية المقيتة، وتسيل الدماء الغالية ويتحول ملعب النادي المصري إلى مقبرة كبيرة.
تأتي بعد ذلك مزايدات الخاسرون في سباق الديمقراطية على شاشات الفضائيات -أو إن شئت قل (الفضائحيات) المصرية- للضغط على البرلمان الجديد للصدام العنيف مع المجلس العسكري، ومزيد من الاحتقان والفوضى على يد شباب الثورة المتحمس، ليكتمل المشهد الفوضوي وندخل في دوامة العنف المتصاعد.
ماذا بعد الكارثة
وبغض النظر عن الطرف المسئول عن هذا الحدث المأساوي -وأستبعد تمامًا أن يكون ألتراس النادي المصري له علاقة بالحادث- يأتي السؤال الملح وسط هذا الكم الهائل من الفوضى المرعبة التي تملأ المشهد المصري.. من الذي أعطى الفرصة لهذه الأطراف الباغية لاستغلال هذا الشباب المتحمس المتعصب ليتم استغلاله في تدمير مكتسبات الثورة وتشويهها أمام الرأي العام المصري والعالمي؟
أما كان الأولى استثمار طاقاتهم وحماستهم في دعم جهود التنمية في هذه اللحظات العصيبة؟
وإلى متى سيستمر هذا المشهد الهزلي الذي تمثله نخبة غير مسئولة لا يهمها سوى استقطاب من تستأسد به على منافسيها، فتكون كمن أحضر العفريت ولم يقوى على صرفه؟
هناك من يصر على حرق كل ما هو جميل في بلدنا لخدمة مصالحه، وأجمل ما فيها هم شبابها وقادة مستقبلها..
ولكن الله لهم بالمرصاد..
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد : 28]
محمود تقي
mahmoudtaki@gmail.com