لم تكد تمر المرحلة الثانية من انتخابات مجلس الشعب التي حقق فيها التيار الإسلامي ما اعتبره نصرا مؤزرا بالحصول
لم تكد تمر المرحلة الثانية من انتخابات مجلس الشعب التي حقق فيها التيار الإسلامي ما اعتبره نصرا مؤزرا بالحصول على أعلى نسبتين ، الأولى للإخوان المسلمين والثانية لحزب النور السلفي ، حتى بدأت بشائر ذلك النصر تهل على مصر والمصريين ،، لتضيف إلى همهم هما جديدا وإلى مخاوفهم مخاوف جديدة… فقد ظهرت على صفحات الفيسبوك مجموعات تطلق على نفسها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مهمتها الانتشار في الشوارع والبدء في توجيه الناس لاتباع ما قالوا إنه تعاليم الإسلام ، على غرار ما يحدث في المملكة العربية السعودية حيث تتجول فرق من الشباب في الشوارع ليضربوا على يد المذنبين والعصاة …
نشأة تلك المجموعة التي تعد جزءا لا يتجزأ من الدعوة الوهابية كان لها ظروفها الخاصة ،، فمنذ أن أعلن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أوائل القرن التاسع عشر تزاوج حركته الفكرية مع السلطة متمثلة في محمد بن سعود ليضعا معا أسس الدولة السعودية التي تستمد سطوتها وسلطانها من الدين ، منذ ذلك الحين والنموذج السعودي للحياة أصبح مرتبطا إرتباطا وثيقا بالتدين السلفي ،، وهذا ما يفسر سرعة ظهور حركة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد النجاحات التي حققها حزب النور في المراحل الأولى من الانتخابات في مصر …
ويبدو أن حزب النور بدأ يتعلم الدرس من الإخوان المسلمين رغم الفترة القصيرة التي عايشهم فيها ،، فقد سارع يسري حماد عضو الهيئة العليا والمتحدث الرسمي باسم حزب النور إلى نفي وجود صلات بين حزبه وهيئة الأمر بالمعروف ، بل إنه اعتبر أن هذه الصفحة على الفيسبوك من الدعاية المضادة للحزب… ذلك الموقف من حزب النور أزعج مؤسسي ‘هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر’ حيث أعلنوا استقالتهم من حزب النور ، نتيجة لما ما وصفوه بالموقف المخزي والمتخاذل الذي اتخذه تجاههم ..
الشارع المصري كان شديد الحساسية لتلك التطورات ،، وبينما أبدى البعض خصوصا ممن عاشوا في السعودية وعملوا بها ترحيبا بتلك الجماعة التي قالوا إنها ستقضي على الفساد والانحلال المستشري في الشارع المصري ، تجاهلها البعض الآخر واعتبروها لزوم المرحلة السياسية التي تعيشها مصر ،، فيما هاجمها فئة كبيرة من الشباب قالوا إنها تطبيقا مشوها وسطحيا للفكرة الإسلامية ، لدرجة أن بعضهم هدد بالرد بالمثل على من يتعدى على حريتهم الشخصية ويسعى إلى فرض آرائه على الآخرين بالقوة ..
وهناك فئة أخرى ترى أن فكرة إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان من الأولى أن توجه إلى انتشال المجتمع من الفساد الذي يعانيه والقضاء على العشوائيات وانتهاك القانون ومحافحة الفقر والأمراض والنهوض بالتعليم وغيرها من المشكلات التي تهدد مشروع الثورة بالفشل …
كانت هناك تجربة في مصر أوائل التسعينيات عندما أتاح نظام مبارك الفرصة للجماعة الإسلامية للانتشار والعمل في العلن ، حيث ظهرت ما كانت تسمى إمارة إمبابة الإسلامية وفرض فيها مجموعة من المتدينين نموذجا للحياة على المواطنين ، حتى إن بعضهم ذهب إلى ضرورة فرض الجزية على الأقباط في ذلك الحين .. لكن سرعان ما انقلب النظام عليهم وحاصرهم وقضى عليهم ..
هناك مبررات كثيرة يسوقها أعضاء تلك الحركات ليقنعوا بها المواطن البسيط .. وبالطبع ليس هناك من يؤيد انتشار الرذيلة في المجتمع ، وليس هناك من يود أن تتحول مصر إلى فرنسا أخرى ، وكأن نابليون يطرق الأبواب في انتظار من يفتح له .. ولكن هل هناك من هو مقتنع بموقف تلك الحركات السلفية من الثورة في مهدها عندما وصفها أقطابها بأنها خروج على الحاكم ، مما يمنح الشرعية لأفراد الأمن لسحق الثوار والفتك بهم لأنهم خارجين عن تعاليم الدين المتمثلة في ضرورة الالتزام بالطاعة وعدم الخروج على الحاكم ؟؟؟ ..
وهل التدخل في الأمور الخاصة للمواطنين هو من صحيح الدين والعقيدة ؟؟ وهل كان الرسول الكريم ومن جاء بعده يفتشون البيوت والشوارع والطرقات بحثا عن العصاة ؟؟ أم أن المرأة المخزومية التي ذهبت لتطهر نفسها من إثم ارتكبته هي من أصرت على أن تنال العقوبة ، ولم يقم أي من المسلمين في ذلك الوقت باقتحام دارها وجلبها إلى الرسول الكريم كي تنال عقابها ؟؟ وهل يعقل أن يكون الإسلام الذي جاء متمما للأديان السماوية معتمدا في انتشاره بين الناس على فكرة الإرغام وتطبيق الفعل بالقوة ؟ أم أنه كان يخاطب القلوب ليملأها قناعة به ، حتى يرمي من يعتنقه بنفسه في لهيب المعارك والغزوات دفاعا عنه ؟؟
وهل سيسمح المصريون المتدينون بطبعهم بأن يسير في الشوارع من يعنف ذلك المواطن أو تلك الفتاة ويتدخل في شئونها ؟؟ أم أن طبيعة المرحلة هي ما أفرز مثل هذه الفئات ، وأنها ستختفي بعد أن تتضح الأمور وتتشكل الحكومة ويتم انتخاب رئيس الجمهورية ؟؟
أيا كان وضع تلك الجماعة "جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ، وإذا ما كانت تستمد قوتها من ذلك الحزب أو ذاك ، إلا أن الواقع يقول أنها تشكلت بالفعل ، وأن من استحضر العفريت فعليه أن يصرفه ، قبل أن تقع مصر في دوامة جديدة من العنف المدعوم بالغطاء العقائدي ، وتتحول البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات ، يزج فيها بالكثيرين من خيرة شباب مصر باسم الدين .. ولله الأمر من قبل ومن بعد .