الرأي

وصفها البعض بأنها أشبه بطوابير الخبز أو شباك التذاكر بمحطة مصر … وقال عنها البعض الآخر إنها مهزلة القرن

وصفها البعض بأنها أشبه بطوابير الخبز أو شباك التذاكر بمحطة مصر … وقال عنها البعض الآخر إنها مهزلة القرن على أرض المحروسة .. ودافع عنها آخرون محتجين بأن هذه هي إحدى ثمار الديمقراطية الوليدة .. إلا أن الشيء المؤكد ان انتخابات رئاسة مصر فاقت في حدودها التوقعات فيما يتعلق بشروط الترشح وقواعد الدعاية ونوعية المرشحين المحتملين وتوجهاتهم …

المنافسة شيء جيد .. ولكن لعبة السياسية لا تعرف الأساليب النظيفة كما تحدث عنها المختصون في السياسة على  مدى قرون ، وعلى من يدخلها أن يرضى بقواعدها ، فهي أشبه ما يكون بصراع الديوك ، منتصر واحد وخاسرون كثر … 

عندما توجه المطرب الشعبي سعد الصغير إلى مقر لجنة الانتخابات الرئاسية بشارع العروبة في مصر الجديدة لسحب أوراق الترشح وهو يعلم تماما أن حصوله على التوكيلات المطلوبة من المواطنين أمرا غاية في السهولة- فما أكثر المزجانجية والمهووسين به في مصر –  فوجيء الصغير برجل مسن يحاول أن يقنعه بالعدول عن رأيه صائحا في وجهه " يابني مصر أكبر من كده" .. وبعدها بساعات أعلن سعد الصغير أنه لم يكن يرغب يوما في الترشح للرئاسة ولكنه أراد أن يوصل رسالة إلى المجلس العسكري بأن القواعد والشروط التي حددها للترشح شروط هزلية لا ترقى إلى مقام مصر ومكانتها … وقال الصغير كيف يسعى لرئاسة مصر بينما حصل بالكاد على دبلوم صنايع … رسالة واضحة جسدت إحدى هزليات الرئاسة في مصر ….

وعلى الطرف الآخر وقف سبعة مرشحين ، أربعة منهم يمثلون التيار الإسلامي وهم حازم أبو إسماعيل وعبد المنعم أبو الفتوح وخيرت الشاطر ومحمد سليم العوا ، وثلاثة من اركان النظام السابق وهو عمرو موسى وعمر سليمان واحمد شفيق / وقفوا على مائدة بها عدد أقل بمقعد واحد من عددهم … ليمارسوا تلك اللعبة إلى أن ينتهي الأمر ببقاء مرشح واحد – قد لا يكون هو الأقوى أو الأفضل – لكنه بالتأكيد سيكون المرشح المرضي عنه أو بلفظ أكثر أناقة – المرشح التوافقي – كما يحلو لأطراف اللعبة السياسية أن يسموه …. هذا بالإضافة إلى عدد أخر من المرشحين الذين يراهم البعض الأقل حظا أمثال حمدين صباحي وأيمن نور وهشام البسطويسي وغيرهم ….

القطب الإخواني خيرت الشاطر ، رغم أنه يعد من الشخصيات الأكثر شعبية في أوساط الإخوان ، ولديه ما يؤهله لخوض المنافسة أمام المرشحين الآخرين من خبرة في ممارسة العمل السياسي حتى وإن كان ذلك داخل إطار الإخوان ، إلا أنه فور الإعلان عن اسمه ، هاجت الدنيا وماجت ليس بسبب الشاطر ولكن بسبب تراجع الجماعة عن قرارها وتعهدها السابق بعدم الدفع بمرشح للرئاسة ، مثلما تعهدت أيضا بالمنافسة على ثلث مقاعد البرلمان لا على جميعها انطلاقا من مبدا المشاركة لا المغالبة ولكن حدث عكس ذلك …

ولأن الشارع يريد أن يفهم حقيقة ما يدور لابد وأن نطرح أمامه مجموعة من الأحداث ، علنا نستطيع أن نمسك بخيط يقودنا إلى فهم حقيقة الأمور ….

عارض الإخوان فكرة ترشح أي منهم للرئاسة وهو ما أدى إلى انشقاق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رغم أنه كان من الأسماء المطروحة لخلافة المرشد السابق محمد مهدي عاكف .. تمسك المجلس العسكري بالدستور القديم واكتفى بتعديل بعض بنوده وسانده في ذلك بقوة التيار الإسلامي بأجنحته الإخوانية والسلفية والجماعة الإسلامية ، رغم أنهم اعترضوا بعد ذلك عليه نظرا لأنه لا يزال يسلب البرلمان حقه في نزع الثقة من الحكومة ويعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية … حقق الإسلاميون نتائج مبهرة في انتخابات مجلسي الشعب والشورى وظن المصريون أنه أصبح هناك برلمان قوي يستطيع أن يدافع عن سيادتهم وكرامتهم – مثلما حدث في الكشف عن مرتكبي مجزرة بورسعيد والمسئول عن فضيحة سفر المتهمين الأجانب ، وضرورة نقل الرئيس المخلوع الى سجن طرة وغيرها من القضايا التي دخلت الأدراج وطبع عليها بالشمع الأحمر …. تم بعد ذلك الاتفاق على ان يشارك البرلمان بغرفتيه بأربعين بالمئة من أعضاء اللجنة التاسيسية لوضع الدستور ، إلا أن النسبة تغيرت – بقدرة قادر – إلى خمسين بالمئة وتم ضم اعضاء ليس لديهم أية مؤهلات علمية أو تخصصية… حازم صلاح أبو اسماعيل يظهر إلى الشارع بسيل من البوسترات وسلسلة من اللقاءات التلفزيونية لطمأنة المتوجسين من الحكم الإسلامي … منصور حسن يعلن انسحابه من سباق الرئاسة رغم كثرة الحديث حول كونه المرشح التوافقي المحتمل …عمر سليمان يعلن أنه سيترشح للرئاسة وأحمد شفيق يدلي بتصريحات مؤيدة له ويؤكد استعداده لأن يكون نائبا لرجل مبارك القوي ثم انسحابه بعد ذلك دون مبرر مقنع … العفو عن كل من أيمن نور وخيرت الشاطر حتى يتاح لهما الترشح وكأن المجلس العسكري متيقن تماما من نية كل منهما لخوض سباق الرئاسة ورغم أن هناك قانونيون يشككون في صحة ذلك العفو .. انسحاب المرشح المحتمل عبد الله الأشعل لصالح خيرت الشاطر .. التلويح بكارت الجنسية في وجه كل من حازم ابو اسماعيل وعبد المنعم ابو الفتوح … 

بعد ترتيب هذه الأحداث وصفها إلى جانب بعضها البعض ، لا يسعك إلا أن تدرك أن لعبة الحسابات والمصالح هي سيدة الموقف الحالي مثلما أنها لم تكن يوما المحرك لثورة شعب مصر في وجه الظلم والفساد ..  وفي ظل نقص الشجاعة والشفافية لدى الأحزاب والحركات والقوى السياسية كي تعلنها صريحة مثلما أعلنها سعد الصغير من أن مصر أكبر من أن يفعل بها هكذا ، لابد أن يعلم المنتفعون جيدا أن مستقبل شعبها الذي ركب الأرجوحة أهم من مجموعة من المكتسبات والكراسي ..     

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى