الرأي

يتمتع الدكتور محمد مرسى بنوع من الدهاء الغريزى الواضح.. دهاء اكتسبه من البيئة الريفية الشرقاوية التى نشأ بها وتعمق معه

يتمتع الدكتور محمد مرسى بنوع من الدهاء الغريزى الواضح.. دهاء اكتسبه من البيئة الريفية الشرقاوية التى نشأ بها وتعمق معه بتربيته فى جماعة تعمل تحت الأرض هى «الإخوان المسلمون»، ويبدو لكثيرين أن تلك الخاصية هى ما يوجه الرئيس فى قراره، قبل أى شىء آخر، لكن السؤال هو: كيف تأثرت توجهاته الاقتصادية بالذات بهذه الطبيعة؟.

أكد المرشح مرسى أن هناك ٢٠٠ مليار دولار جاهزة للاستثمار بمصر عبر ١٥ شركة، وأن بعضها وقع بالفعل على نوايا للدخول… إلخ. ضحكنا وسبقنا ظلنا من سذاجة المرشح – الفائز لاحقا – لكن الأهم من الفولكلور فى الأمر هو أن مرسى يدرك غريزياً أن الاستثمار مهم، لكنه لا يعرف أن لمجیء الاستثمارات أصولاً ومحددات «بلغة المثقفين التى وصفها السادات بـ(المجعلصة)» وعلى رأسها جاهزية البلد للاستثمار من أرض مجهزة ومرافق وطرق وطاقة وموانئ وعمال ومهندسين مهرة وإجراءات بسيطة وأولويات واضحة.. إلخ، ولذلك فإن مصر يمكن أن «تزور» لو تلقت فقط واحداً إلى عشرة من مبلغ الـ٢٠٠ مليار حاليا، أى تعجز عن استيعابها.

مرسى لا يعرف هو أو جماعته موضوع المعايير الواضحة ولا يريدون أن يعرفوها، ويفضلون عليها الوعود «الهليهلية» و«البركاوية» اللى ماتتمسكش عليهم.. لماذا؟ لأن المعايير تحرج السياسى الذى يلتزم بها، حيث التعهد بها يمنح الناس مسطرة دقيقة لقياس الأداء، مما يحد من قدرة السياسى على المناورة والتنصل واللف والدوران، ولا أقول الكذب عندما يخفق. سيقول قائل: يعنى انتم يا صحفيين وإعلاميين اللى شغالين قوى بالمعايير يا خى؟.

ردى أن مؤسسة تتعهد بالتزام معايير معروفة ولا تنفذ كما يجب أفضل بكثير من أخرى لا تلتزم وتحقق بعض النجاحات أحيانا. أول المعايير الاقتصادية الغائبة «مرساوياً» هو مساهمة الصناعة فى الناتج المحلى، فهذا النصيب يراوح عند ١ % منذ ١٩٦٧ حتى الآن، وهو ١٧% حاليا، ولا يمكن أن تتقدم مصر دون رفع هذه النسبة إلى حدود ٣٠ – ٣٥%، ليحدث فارق له معنى فى معيشة الناس ودخولهم وثقافتهم. الصناعة، وبالذات التحويلية، محرك التاريخ، وهذا ما يشعر به مرسى غريزيا، لكنه لم يتناول بأى شكل هو أو أى قيادى إخوانى أو وزير الصناعة أو رئيس الوزراء المعيار الذى حدثتكم عنه. ثانى المعايير هو نصيب الصادرات الكثيفة المعرفة، أى التى تحتوى على ابتكار وبحث علمى وقيمة مضافة عالية من إجمالى الصادرات الصناعية، ويؤسفنى – وأطمع فى أسفكم معى – أن هذا النصيب متدن فى مصر قياسا إلى الدول الشبيهة، ولا أتحدث عن إسرائيل أو الهند أو البرازيل، فصناعتنا مازالت فى معظمها تقليدية ومحدودة القيمة، والمجال الوحيد الواعد فيها هو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ولذلك فهناك من عملاء الأمريكان من يريد تحطيمه، دون أى مقاومة من الإخوان. لم يتطرق الرئيس إلى ذلك المعيار الخطير، ولم يقل لنا أى وعد بصدده وإن كان مرسى قد دأب على القول (الغريزية مرة أخرى) إننا لابد أن نبتكر ونطور البحث العلمى، لكنه لا يقطع على نفسه وعداً محدداً بهذا الاتجاه.

ثالث المعايير الغائبة هو معيار نصيب الأجور من الدخل القومى ونصيب عوائد التملك. يعنى إيه؟ يعنى كم يأخذ «الشغيلة» من عمال وفنيين وموظفين ومهنيين من كعكة الدخل القومى وكم يأخذ أصحاب الملك، أى الشركات والعقارات والأسهم من هذه الكعكة؟. كانت هذه النسبة قد شارفت ٥٠% – ٥٠٪ بعد نهاية الخطة الخمسية الأولى – والأخيرة – أيام عبدالناصر، لكنها الآن تغيرت وأصبحت ٣٠٪ لأصحاب الأجور و٧٠% لأصحاب الملك.

لا تصدق أى سياسى يتحدث عن عدالة اجتماعية، دون تغيير هذه النسبة، والمؤلم أن هذا الالتزام بتوزيع عادل للدخل لا يرد مطلقا فى حديث مرسى والجماعة، لكن الرئيس – مدفوعا بغريزته – يتكلم كثيرا عن العدالة والتكافل والضعفاء فى الخطب المسجدية، دون التزامات واضحة حيالهم . وفق الله رئيسنا وحبب فيه، وبكل المعايير، أهله وعشيرته.

مصباح قطب

مساعد رئيس تحرير المصري اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى