طيلة شهرين كاملين ، قطعت خلالهما عهدا على نفسي ألا أتكلم في السياسة ، وألا أشاهد برامج التوك شو ، وألا أتجادل مع أحد حتى ولو بلغ كذبه عنان السماء .. والنتيجة كانت رائعة حقا ، بدت في تحسن حالتي المزاجية وهدوء أعصابي الذي افتقده منذ سنوات ..
في آخر نقاشاتي مع أحد الأصدقاء المغتربين ، اكتشفت أنني انضممت لحزب جديد دون أدري وهو حزب أطلق عليه صديقي "حزب البلكونة" وهم الفئة التي ملت وسئمت ما يدور من مهازل على الساحة السياسية في مصر ، ورأت أن أفضل حل هو أن تشاهد من الشرفة ما يجري في الشارع من "عراك" وليس "حراك" كما يحلو للبعض أن يسميه ..
حزب البلكونة جاء بديلا عن حزب الكنبة الذي تفكك بعد أن قرر أعضاؤه الخروج عن صمتهم والانضمام إلى أي من الفريقين المتصارعين .. ربما يكون عدد أعضاء حزب البلكونة محدودا، إلا أنني من خلال حديثي مع كثير من الزملاء اكتشفت أن هناك الكثيرون مثلي، قرروا أن يتجنبوا الكلام في السياسة، لنجد بعد فترة أن الشعب المصري أصبح يعيش على كوكب آخر ليس له علاقة بالتجارة البائسة التي يمارسها أقزام السياسة في مصر ..
إلا أن هذا الصيام عن الكلام المباح وغير المباح لم يدم طويلا، حيث تنبهت إلى أنني بالفعل أتكلم الآن في السياسة، فهموم بلادي ليست ككل الهموم، وجرحها غائر لن يداويه إلا جراح ماهر، يبدأ فورا في تعقيم الساحة بأقوى المبيدات المقاومة للآفات والزواحف بجميع أنواعها، فلا يبقي على أي من الحشرات المنتشرة داخل "القصر" وخارجه ..
صراع وتناحر على كعكة أتت عليها القوارض ولم يتبق منها شيء إلا فتات مسمومة .. هذا ما سيكتشفه من هم بسدة الحكم ومن يناصبونهم العداء حين ينتهون من تلك الجولة التي اشترط المنظمون أن تنتهي بطرف واحد يكون هو الفائز.. وللأسف سيجدون وقتها أنهم يحكمون شعبا بلا قلب، وأرضا بلا زرع، وحدودا وهمية تناثرت على أطرافها وحوش كاسرة تلقف كل من يحاول إثنائها عن فريستها..
مر على مصر أزمات كثيرة عبر تاريخها، أشهرها الأزمة المستنصرية ، حين ضربتها موجة من الجفاف أتت على المحاصيل وأكل الناس بعضهم البعض، إلا أن الأزمة الحالية تختلف كثيرا، فهي من صنع البشر وليس الطبيعة، وبالتالي فإن علاجها ليس باكتشافات بترول ولا غاز، وليس بزراعة آلاف الأفدنة أو استعادة بضعة ملايين من أموال النظام السابق، لأن جميعها سيذهب أدراج الرياح مثلما ذهب الاحتياطي النقدي ...
الأزمة إذا أزمة ضمير وأزمة إحساس بالوطن والوطنية، إحساس بملايين الفقراء الذين تبددت أحلامهم في حياة أفضل، إحساس بالوطن الذي يهدده التقسيم والتفتت ..
وإذا ما طال أمد الجولة، واتسع نطاق خسائرها ، فهل سيتحرك حزب البلكونة وينزل إلى الشارع ليضع النهاية بنفسه ، ليبدأ بعدها المنحنى الذي وصل إلى القاع في الصعود مرة أخرى ؟؟ أم أن علي أن أشرب كوبا من الماء وأنوي صياما جديدا بدلا عن ذلك الذي فقدته بسبب الكلام في السياسة ؟
طيلة شهرين كاملين ، قطعت خلالهما عهدا على نفسي ألا أتكلم في السياسة ، وألا أشاهد برامج التوك شو ،
الأربعاء ٢٠ فبراير ٢٠١٣ - ٠٠:٠٠ ص
2969
ربما يهمك أيضاً
الأكثر قراءة
جديد الأخبار