يعد الملياردير البريطاني جيم راتكليف أحد المرشحين الأفر حظاً للاستحواذ على حصة أغلبية في "مانشستر يونايتد"، والتي ستقدر قيمة نادي كرة القدم الشهير بـ5 مليارات إسترليني تقريباً (6.2 مليار دولار).
جمع راتكليف ثروته البالغة 18 مليار دولار باستخدام الديون التي اعتمد عليها لامتلاك أصول في شركات البتروكيماويات مرتبطة بالتقلبات الدورية للسوق وغير مرغوبة، لكن قوته الشرائية قد تكون مقيدة حالياً حيث تحولت كل من شركتيه الكيماويتين الرئيسيتين -"إنيوس غروب هولدينغز" (Ineos Group Holdings) و"إنيوس كواترو هولدينغز" (Ineos Quattro Holdings)- إلى صافي الخسارة خلال الربع الثاني من العام الجاري، في ظل تراجع الطلب على المواد الكيميائية وسط وفرة هائلة من الإمدادات.
رغم توقعات تغلب راتكليف على هذا التراجع بطريقة أفضل كثيراً مما حدث في ركود 2008-2009 -عندما كان مجبراً تقريباً على التنازل عن حقوق حصصه المسيطرة للبنوك- فقد يضطر إلى التخلي عن مدفوعات الأرباح الكبيرة بدرجة أكبر لفترة ما. وسيحد ذلك من قوته المالية في لحظة حاسمة بالنسبة لسباق الاستحواذ على "مانشستر يونايتد"، الذي امتدت عملية بيعه لشهور. وامتنعت "إنيوس" عن التعليق على موضوع "مانشستر يونايتد".
تراجع حاد في قطاع الكيماويات
خلال الأعوام الأخيرة، ضخت إمبراطورية راتكليف -التي تحتفل حالياً بالذكرى السنوية لربع قرن على تأسيسها- استثمارات كبيرة في قطاع الكيماويات، ما منحه القوة المالية للحصول على مظاهر الترف المعتادة لنمط حياة ملياردير مقيم في موناكو، علاوة على استقرار الأصول الاستهلاكية والرياضية. لكن التقلبات الدورية أوقفت كلا المسارين، مع ظهور تراجع حاد في قطاع المواد الكيميائية حالياً.
هبطت إيرادات كل من "إنيوس غروب هولدينغز" و"إنيوس كواترو هولدينغز" بما يفوق الثلث خلال الربع الثاني، في حين تقلصت أرباحهما قبل خصم الفائدة والضرائب والإهلاك واستهلاك الدين بنسبة 59% و77% على الترتيب.
أثرياء يمتلكون أندية كرة قدم أوروبية
في غالبية النواحي، لا تختلف الصعوبات التي تتعرض لها الشركتان عن الصعوبات التي تواجهها شركات البتروكيماويات الأخرى المدرجة بالبورصة، حيث حذرت جميعاً خلال الشهور الأخيرة من ضعف الأرباح.
ويتضرر القطاع من عدة عوامل اجتمعت في وقت واحد، هي: تخفيض العملاء لمخزوناتهم طويلة الأجل، وزيادة تكاليف الطاقة، وتحول ما بعد وباء كورونا لإنفاق المستهلكين من السلع المعمرة إلى الخدمات، وتعافي أبطأ من المتوقع للاقتصاد الصيني، مع تصاعد حدة المنافسة من الواردات منخفضة التكلفة.
ومن المستبعد حدوث انتعاش سريع في القطاع، حيث كتب محللو مصرف "يو بي إس" الأسبوع الحالي أن الطلب على المواد الكيميائية كان ضعيفاً منذ بداية الربع الثالث وحتى الآن، وما يزال تراجع الاقتصاد الصيني مستمراً.
استثمارات راتكليف تعاني
لكن شركتي "إنيوس" الكيماويتين تتعرض لمزيد من الصعوبات المرتبطة بروافد تمويل أصولها، فالكثير من قروضها ذات عائد متغير، ما يعني أن خدمة الدين تكون أعلى تكلفة عندما تزداد أسعار الفائدة. رغم أن "إنيوس غروب هولدينغز" تحوطت جزئيًا من تعرضها لسعر الفائدة مرتفع، وقد يخفف تأثر الأرباح سلباً بطريقة أكبر عن طريق تحركات سعر صرف العملة. ومن الرجح زيادة مدفوعات الفائدة للشركتين معاً بعدة مئات من ملايين اليورو السنة الجارية.
النبأ السار هو أن كل شركة تملك ما يتخطى ملياري يورو (2.1 مليار دولار) من السيولة النقدية. لذلك؛ لا أتوقع وجود خطر من عدم قدرتهما على سداد التزاماتهما المالية. وليس هناك قدر كبير من الديون التي تتطلب إعادة التمويل قريباً. كما يبدو أن حائزي السندات يشعرون بالارتياح الشديد.
رغم ذلك، فإن القلق يساور وكالات التصنيف الائتماني من تدهور الرافعة المالية التي تعني: (نسبة صافي الدين إلى الأرباح قبل خصم الفائدة والضرائب والإهلاك واستهلاك الدين).
بالنسبة لـ "إنيوس غروب هولدينغز"، ارتفع صافي الرافعة المالية إلى 5.1 مرة مقارنة بـ1.7 مرة على مدى الشهور الـ12 الماضية، بحسب بيانات بلومبرغ. (باستثناء الديون التي لا يوجد فيها حق الاسترداد وبعض القروض الأخرى، بلغت الرافعة المالية 3.8 مرة في نهاية يونيو الماضي، حسبما تقول الشركة).
خفض تصنيف شركات راتكليف
عدلت وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية توقعاتها إزاء "إنيوس غروب هولدينغز" من مستقرة إلى سلبية في يوليو الماضي قائلة إنها تتوقع "إبقاء الشركة توزيعات الأرباح عند مستوى منخفض". وتفترض الوكالة أن "إنيوس غروب هولدينغز" ستسدد 100 مليون يورو تقريباً خلال 2023، أي نصف حصيلة السنة الماضية وأقل بثمانية أضعاف مقارنة بـ2021.
على نفس المنوال، حذرت وكالة "موديز إنفيستورز سيرفيسس" عندما خفضت توقعاتها إزاء "إنيوس كواترو" من مستقرة إلى سلبية الشهر الماضي من أن أي توزيعات أرباح أخرى قبل تحسن ظروف السوق ستولد ضغوطاً على تصنيفها، وهو أقل بـ3 درجات عن تصنيف الدرجة الاستثمارية.
يعد إنزعاج "موديز" أمراً مفهوماً نظراً لأن "إنيوس كواترو" اقترضت 750 مليون يورو فبراير الماضي، استخدم ثلثيها في تمويل توزيعات الأرباح. من غير الواضح ما الذي خُصصت له هذه الأموال، لكن التوقيت كان مثيراُ للدهشة، حيث جاء بعد أسبوع واحد من تأكيد "إنيوس" وراتكليف تقديمهما لعرض لشراء نادي "مانشستر يونايتد".
رفع هذا التحرك توزيعات الأرباح المجمعة المدفوعة من قبل شركتي راتكليف الكيماويتين منذ 2019 إلى نحو 5 مليارات يورو، وفق عملية إحصائية خاصة بي.
بناء على ذلك، ربما تحظى "إنيوس" (الشركة الأم للشركتين وأكبر الملاك فيهما) بقدر كبير من السيولة النقدية (ملاحظة: يقع مقر "إينوس" في جزيرة مان ولا تنشر حسابات)،
ومن المرجح أيضاً أن يكون أداء أصول راتكليف المختلفة في قطاع النفط والغاز جيداً، إذ يجاوز سعر خام برنت 90 دولاراً للبرميل في وقت كتابة هذا المقال.
قطر أقرب للفوز بمانشستر يونايتد
رغم ذلك، لم يحجم راتكليف عن إنفاق الأموال على صفقات استحواذ. كما أنه يملك يختاً فاخراً وطائرات خاصة عديدة، علاوة على شركة سيارات "إنيوس أتوموتيف" (Ineos Automotive) التي تنفق أموالاً طائلة و تصنع سيارة الدفع الرباعي "غرينادير".
راتكليف -الذي ينافس أحد أفراد العائلة الحاكمة القطرية للاستحواذ على مانشستر يونايتد- صرح خلال مارس الماضي أنه لن يدفع ثمناً "غبياً". وعلى عكس المجموعة القطرية، فهو يعرض فقط الاستحواذ على حصة أغلبية بالنادي. وقد يضعف هذا الأمر من موقفه. كما أن تراجع قطاع البتروكيماويات يعني قطعاً أن لديه فرصة أقل للدخول في حرب عطاءات.
